شاشة الناقد

لقطة من «فلسطين الصغرى»
لقطة من «فلسطين الصغرى»
TT

شاشة الناقد

لقطة من «فلسطين الصغرى»
لقطة من «فلسطين الصغرى»

1970
****
> إخراج: توماش ڤولسكي
> بولندا | وثائقي (2021)

في الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول)، عمت المظاهرات المدن البولندية الساحلية احتجاجاً على رفع أسعار السلع الضرورية وعدم قيام الحكومة الشيوعية (آنذاك) برفع الرواتب. كانت احتجاجات سلمية في مطلع الأمر، قام بها عمال الموانئ في غدانسك وسواها قبل انضمام قطاعات شعبية واسعة لها. لم يكن لدى ‫السُلطة سوى اللجوء إلى التصدي بإرسال فرق عسكرية لفض المظاهرات ومواجهة القائمين بها بكل قوة، ما نتج عنه سقوط جرحى وقتلى واعتقالات. في العام 1990 انتهت الحقبة الشيوعية تبعاً للمستجدات السياسية التي وقعت في أوروبا الشرقية مع انهيار الكتلة الشيوعية بأسرها، لكن أحداث غدانسك وسواها بقيت حاضرة خلال العقود الماضية.
تطرق المخرج أندريه ڤايدا لتلك الأحداث في فيلمين روائيين بارزين؛ هما «رجل الرخام» (1977) ثم «رجل من حديد» (1981). ومع أن السينما البولندية تشبعت بأفلام مختلفة عن تلك الحقبة وما بعدها، فإن لا شيء شوهد من هذه الأفلام، بما فيها فيلما ڤايدا، يشبه الفيلم الجديد «1970» لتوماش ڤولسكي.
هو فيلم وثائقي يستخدم الوثيقة المصورة من قِبل قوات الأمن البولندية في ذلك الحين لكي تلعب الدور السياسي المناهض لها. يعرض المخرج بداية الأزمة ويمنح المواجهات بين المتظاهرين والقوات الحكومية جل اهتمامه. وهو لا ينقل الوثائقيات كما هي، بل يطوعها لأسلوب فني - بصري منفرد من دون أن يلغي أهميتها كرسالة أو كتاريخ. لا يزور الوثيقة ولا يستعين بأخرى معاكسة لها لأن المخرج لا يتدخل في سبيل إثبات رأي، بل ينقل الحدث وفي هذا النقل هو كل ما يريده من رأي.
هناك «ستوب - موشن أنيميشن» قوامه تقديم شخصيات الحكومة (وزراء ومسؤولين) كدمى متحركة. لا تتحرك كأفلام ديزني، بل يكفيها الحركة التي تعبر مع أصوات مسجلة لأصحابها وهم يتصلون ببعضهم وبالعناصر الحكومية المختلفة للوقوف على ما يدور أو لإعطاء الأوامر. هذه المشاهد ملونة. باقي الفيلم أبيض وأسود. وما تمنحه تلك الدمى هو البديل لعملية إجراء مقابلات مع مسؤولين وشهود عيان. وجودهم، يستخلص الناقد، كان سيمنح الفيلم صفة المستمع لشروحات غير ضرورية أو ممنهجة لخدمة النبرة الفنية للفيلم.
يلعب الصوت في كل ذلك دوراً لا يُنسى. يستخلص المخرج أصواتاً لا نعرف مصدرها ولا كيف تم تطويعها لتخلق أصواتاً مختلفة. أحياناً ما يستبدل المخرج صوتاً تقليدياً (كوقع أقدام فرقة عسكرية) بما ابتدعه من مؤثر صوتي لا ينتمي إلى الصورة. والنتيجة مذهلة في إيقاعها والتحامها بالفيلم ككل. كل ذلك يأتي في صياغة خلاقة لموضوع كان يمكن أن يقع أسير معالجة تقليدية شاهدناها في أكثر فيلم مشابه.

فلسطين الصغرى
*
> إخراج: عبد الله الخطيب
> ‪فرنسا/ قطر | تسجيلي (2021)

الحرب التي اشتعلت في سوريا طوال عشر سنوات أدت، على نحو طبيعي، لخروج أفلام انقسمت إلى أفلام مع السُلطة وأخرى ضدها. تلك الأخيرة وجدت، بسبب الظروف السياسية المحيطة، طريقها إلى مهرجانات ومناسبات سنوية (كالأوسكار والبافتا) وبعضها خرج بجوائز. لكن الموقف مع أو ضد السُلطة ليس ما يمنح أياً من هذه الأفلام القيمة الفنية التي من دونها يكون الفيلم ليس سوى بلاغ سياسي ينتهي العمل به حال انتهاء عرضه.
«فلسطين الصغرى» يحاول أن ينتمي إلى تلك الأفلام المعادية للنظام متوسماً تحقيقه بعض الاحتفاء الذي نالته تلك الأفلام في المحافل الخارجية. لكن هذا هو تبرير وجوده الوحيد.
يبدأ الفيلم بتحديد موقعه الزمني والسياسي: «في الفترة بين 2013 و2015 فرض نظام الأسد حصاراً على مخيم اليرموك…». بذلك يُسارع الفيلم بكشف أوراقه ومغازلة الجمهور ذاته الذي استقبل أفلاماً من الموقع السياسي نفسه مثل «آخر أيام حلب» و«لأجل سما» و«عن الآباء والأبناء». وهو اختار الفترة التي حاصرت فيها السُلطة مخيم اليرموك من دون أن يتحدث كفاية عن أسباب ذلك وتداعياته ونتائجه. في هذا هو فيلم يستعرض حالات ويكتفي. مشكلة المخرج (الذي يظهر في الفيلم كثيراً) أنه لا يعرف كيف يحول المادة المصورة إلى فعل فني ولا يعنيه أن يؤلف من مواده ما يستحق لها أن تتبلور كفيلم ذي رسالة فنية كانت أو سياسية.
«فلسطين الصغرى» فوضوي في اختيار مشاهده وتوليفها مصحوبة بقراءة لعبارات إنشائية ساذجة مثل: «الحصار طويل كيوم أسير لا ينتهي في زنزانة» (بعد نحو نصف ساعة من الفيلم نرى أبناء المخيم وقد كسروا الحصار مجتازين العوائق التي نُصبت أمامهم!) في امتداد وصفي للحال ذاته، يضيف المعلق الوصف التالي: «كسكة حديد تمتد صوب الصحراء في يوم صيفي». ربما يصلح ذلك لرواية نثرية أو لمقال، لكن للسينما لغة تتنافى وهذا التبسيط.
Army of the Dead
*
> إخراج: زاك سنايدر
> الولايات المتحدة | رعب (2021)
زاك سنايدر بريء تماماً من تهمة الإبداع. في أفضل حالاته هو تقني يستنسخ أفلاماً أخرى ويمنحها لمعاناً جديداً وعناوين مغرية. هو مخرج أفلام رديئة وهذا أردأ فيلم كبير حققه.
المدينة هي لاس فيغاس. المعضلة هي أنها باتت ضحية عشرات الألوف من الزومبيز الذين قتلوا والتهموا مئات الألوف من المواطنين. الجيش أحاط بها والحكومة أعطت الضوء الأخضر لقصفها بقنابل نووية محددة. لكن هناك معضلة داخل المعضلة. صاحب كازينو لديه 50 مليون دولار مخبأة يريد استرجاعها قبل أن تتلوث وتذوب. يطلب من سوبر هيرو سابق (دايڤ بوتيستا) تحول إلى طباخ (!) تأليف مجموعة من الانتحاريين لدخول المدينة واستخراج الثروة والعودة بها قبل أن تتعرض للنووي. يقبل بطل الفيلم المهمة طمعاً في الأجر الذي سيتقاضاه.
لمن لم يقرأ السيناريو سيجد نفسه كما لو فعل. كل حدث سيأتي به الفيلم مسبوق بتوقع صائب. كل موقف يتبلور للمشاهد قبل حدوثه وتأتي نتائجه تماماً حسب المتوقع. لكن لنقل أن هذه أخطاء مشتركة هذه الأيام نظراً لأزمة كتاب عباقرة، كيف يمكن تفسير ساعتين ونصف الساعة من العرض الذي يتحول سريعاً عن وعد بالإثارة إلى واقع مضجر؟ كل مشهد مفترض به أن يكون مشوقاً يسقط حال عرضه ميتاً حين الوصول. لا تنجح محاولات الفيلم بشحن المواقف بين رجال ونساء الفريق أنفسهم، بالإضافة إلى خطر مواجهتهم للمتوحشين. نادراً ما تجد وئاماً واتفاقاً بين أي اثنين منهم.
زاك سنايدر (الذي قام بتصوير الفيلم ومنح نفسه أجراً إضافياً) يستخدم الأصوات كضجيج ويقدم فصيلاً من الزومبيز سريعي الحركة يجيدون فنون القتال الشرقية. في الواقع أحدهم عملاق سادي يتوخى المخرج منه أن يكون نداً للبطل.
المشهد النهائي هو لإلقاء القنبلة النووية على لاس فيغاس، لكن من بين التوقعات الأكيدة أن الزومبيز يقرأون حالياً سيناريو الجزء المقبل لتمثيله.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».