الحراك العراقي في مظاهرات حاشدة للمطالبة بمحاسبة قتلة الناشطين

وجه رسالة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لدعم «قضيته العادلة»

مظاهرة حاشدة ضد قتل الناشطين في ساحة التحرير ببغداد أمس (رويترز)
مظاهرة حاشدة ضد قتل الناشطين في ساحة التحرير ببغداد أمس (رويترز)
TT

الحراك العراقي في مظاهرات حاشدة للمطالبة بمحاسبة قتلة الناشطين

مظاهرة حاشدة ضد قتل الناشطين في ساحة التحرير ببغداد أمس (رويترز)
مظاهرة حاشدة ضد قتل الناشطين في ساحة التحرير ببغداد أمس (رويترز)

خرج آلاف المواطنين العراقيين الذين ينتمي معظمهم إلى حراك أكتوبر 2019 وفئة الشباب، أمس، في مظاهرات حاشدة في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد لمطالبة السلطات بتقديم المتورطين بعمليات قتل واغتيال الناشطين إلى العدالة. في غضون ذلك، قالت خلية الإعلام الأمني الرسمية، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أمر بحماية المتظاهرين ومنع المظاهر المسلحة، عبر «فرض أطواق أمنية شاملة تؤمن حركة المتظاهرين في ساحات التظاهر بالعاصمة بغداد ومختلف محافظات البلاد».
وتوافد المحتجون إلى بغداد في ساعة مبكرة من صباح أمس، من محافظات وسط وجنوب البلاد، ولأول مرة التحق ناشطون من محافظة الأنبار الغربية في مظاهرات بغداد، ولأول مرة أيضا، اختارت جماعات الحراك «ساحة النسور» في جانب الكرخ من العاصمة مكانا للتجمع والتظاهر والانطلاق بعد ذلك إلى ساحة التحرير في جانب الرصافة وهي المعقل الرئيسي لغالبية المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، وخاصة تلك التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ولوحظ أن كل مجموعة من المجاميع الشبابية القادمة من المحافظات إلى بغداد، قد اختارت لنفسها أهزوجة محددة تكشف عن انتمائها لهذا المحافظة أو تلك. وحمل العشرات من المتظاهرين صورا لناشطين قتلوا على يد عناصر مسلحة لم تتمكن السلطات من تقديمهم للعدالة رغم مرور أكثر من عام على بعض الحوادث.
وجاءت مظاهرات أمس، استجابة لحملة «من قلتني؟» ودعوات أطلقها ناشطون في محافظتي النجف وكربلاء بعد حادث اغتيال الناشط الكربلائي البارز إيهاب الوزني قبل أسبوعين، ولم تتمكن السلطات الأمنية من الإيقاع بالجناة ما فجر غضب واستياء جماعات الحراك الغاضبة أصلا من تراخي السلطات العراقية وإخفاقها في ملف الاغتيالات.
ولم يمنع تمركز أعداد كبيرة من المتظاهرين في العاصمة بغداد، محافظات وسط وجنوب البلاد الخروج بمظاهرات مماثلة بعد الظهر وحتى ساعات متاخرة من مساء أمس.
ولم تشهد المظاهرات حالات احتكاك أو مواجهات حادة، مثلما حدث في مرات سابقة، بين قوات الأمن والمتظاهرين (حتى لحظة إعداد التقرير). وعمدت القوات الأمنية عصر أمس، إلى قطع الطرق المحيطة بساحة التحرير وجسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الحكومية (الخضراء) لتفادي عبور المتظاهرين عليه. وترددت أنباء غير مؤكدة عن محاولة المتظاهرين الوصول إلى السفارة الإيرانية القريبة من جسر الجمهورية لكن القوات الأمنية لم تسمح لهم بذلك، كما ترددت أنباء عن عزم المحتجين نصب خيام الاعتصام أمام مبنى مجلس القضاء لمطالبته بالقصاص من قتلة المتظاهرين لكن مساعيهم لم يكتب لها النجاح.
وليس من الواضح ما هي الخطوة التالية التي ستعمد إليها جماعات الحراك بعد مظاهرات أمس وما إذا كانت ستستمر في التظاهر خلال الأيام المقبلة أو تقوم بنصب خيام الاعتصام على غرار ما حدث في احتجاجات عام 2019. ويقول الناشط النجفي أبو زين العابدين الحسناوي لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض قادة الاحتجاج يميلون إلى الاعتصام في ساحة النسور، لكن الأمر غير مؤكد حتى الآن، هناك ظروف ربما لا تسمح بذلك ومنها جائحة (كورونا)».
وأضاف الحسناوي: «هناك رغبة في إحياء الانتفاضة، لكن الأمر حتى الآن غير محسوم ربما وبحاجة إلى المزيد من المشاورات بين جماعات الحراك في عموم المحافظات. مظاهرات اليوم (أمس) ركزت على محاسبة القتلة لكنها لم تتجاهل أهدافها الأخرى المتمثلة بمحاسبة الفاسدين وتوفير فرص العمل وإصلاح البنى التحتية المتهالكة في بغداد ومعظم محافظات الوسط والجنوب».
ووجهت جماعات الحراك نداءً إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتدخل لحماية المحتجين والوقوف معهم في «قضيتهم العادلة»، بحسب بيان صادر اعتبر أن «اليوم (أمس الثلاثاء) هو يوم مهم في تحديد مستقبل الشعب العراقي ونقطة محورية في احتجاجاتهم التي بدأت قبل أكثر من 10 سنوات وبلغت ذروتها في عام 2019 ضد نظام قمعي فاسد». وأضاف أن «احتجاجنا اليوم هو تعبير عن الغضب من المجتمع السياسي في العراق وجرائمه بحق الشباب العراقي الذين يطالبون بوطن للعيش بسلام، وتعبير عن رفضنا الاعتراف بهذا المجتمع السياسي الفاسد».
ووجه البيان انتقادات لاذعة للإيجازات التي قدمتها، في وقت سابق، رئيسة البعثة الأممية في بغداد جينين بلاسخارت بشأن أوضاع العراق أمام مجلس الأمن والجمعية العمومية وقال إنها كانت: «بعيدة كل البعد عن الواقع وما يجري داخل ساحات الاحتجاج. وبالتالي، فإننا نطالب بمراقبة عمل وتقدم المهمة في العراق بعناية أكبر أو تغيير طاقم البعثة بموظفين أقرب إلى الواقع وأكثر كفاءة».
من جانبه، تقديم النائب والمرشح السابق لرئاسة الوزراء عدنان الزرفي، أمس، بطلب إلى رئاسة مجلس النواب لعقد جلسة خاصة بحضور قادة الأجهزة الأمنية للوقوف على ملف الاغتيالات.
وجدد رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، أمس، دعمه وتأييده للمتظاهرين، وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «‏أجدد الدعم والمساندة والتأييد لحراك الجماهير المنتفضة سلميا ومطالبها الحقة في الكشف عن قتلة الناشطين والجهات التي تقف خلفهم، وتقديمهم لمحاكمة علنية». وأضاف أن «العجز الحكومي حتى الآن إزاء تلبية تلك المطالب يثير الشكوك حول قدرة السلطة على ضمان الأمن الانتخابي وإجراء انتخابات نزيهة».



إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
TT

إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)

في خطوة أولى وغير مسبوقة للحكومة اليمنية، أحالت النيابة العامة مسؤولَين في مصافي عدن إلى محكمة الأموال العامة بمحافظة عدن، بتهمة الإضرار بالمصلحة العامة والتسهيل للاستيلاء على المال العام، وإهدار 180 مليون دولار.

ووفق تصريح مصدر مسؤول في النيابة العامة، فإن المتهمَين (م.ع.ع) و(ح.ي.ص) يواجهان تهم تسهيل استثمار غير ضروري لإنشاء محطة طاقة كهربائية جديدة للمصفاة، واستغلال منصبيهما لتمرير صفقة مع شركة صينية من خلال إقرار مشروع دون دراسات جدوى كافية أو احتياج فعلي، بهدف تحقيق منافع خاصة على حساب المال العام.

«مصافي عدن» تعد من أكبر المرافق الاقتصادية الرافدة للاقتصاد اليمني (إعلام حكومي)

وبيّنت النيابة أن المشروع المقترح الذي كان مخصصاً لتوسيع قدرات مصافي عدن، «لا يمثل حاجة مُلحة» للمصفاة، ويشكل عبئاً مالياً كبيراً عليها، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الجرائم والعقوبات رقم 13 لعام 1994. وأكدت أن الإجراءات القانونية المتخذة في هذه القضية تأتي ضمن إطار مكافحة الفساد والحد من التجاوزات المالية التي تستهدف المرافق العامة.

هذه القضية، طبقاً لما أوردته النيابة، كانت محط اهتمام واسعاً في الأوساط الحكومية والشعبية، نظراً لحساسية الموضوع وأهمية شركة «مصافي عدن» كأحد الأصول الاستراتيجية في قطاع النفط والطاقة في البلاد، إذ تُعد من أكبر المرافق الاقتصادية التي ترفد الاقتصاد الوطني.

وأكدت النيابة العامة اليمنية أنها تابعت باستفاضة القضية، وجمعت الأدلة اللازمة؛ ما أدى إلى رفع الملف إلى محكمة الأموال العامة في إطار الحرص على تطبيق العدالة ومحاسبة المتورطين.

ويتوقع أن تبدأ المحكمة جلساتها قريباً للنظر في القضية، واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة بحق المتهمين، إذ سيكون للحكم أثر كبير على السياسات المستقبلية الخاصة بشركة «مصافي عدن»، وعلى مستوى الرقابة المالية والإدارية داخلها.

إصلاحات حكومية

أكد رئيس مجلس الوزراء اليمني، أحمد عوض بن مبارك، أن صفقة الفساد في عقد إنشاء محطة كهربائية في مصفاة عدن قيمتها 180 مليون دولار، ووصفها بأنها إهدار للمال العام خلال 9 سنوات، وأن الحكومة بدأت إصلاحات في قطاع الطاقة وحققت وفورات تصل إلى 45 في المائة.

وفي تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي، ذكر بن مبارك أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة ليست مجرد شعار بل هي نهج مستمر منذ توليه رئاسة الحكومة. وقال إن مكافحة الفساد معركة وعي تتطلب مشاركة الشعب والنخب السياسية والثقافية والإعلامية.

بن مبارك أكد أن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل الفشل في أداء المهام (إعلام حكومي)

وقال إن حكومته تتعامل بجدية؛ لأن مكافحة الفساد أصبحت أولوية قصوى، بوصفها قضية رئيسية لإعادة ثقة المواطنين والمجتمع الإقليمي والدولي بالحكومة.

ووفق تصريحات رئيس الحكومة اليمنية، فإن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل أيضاً الفشل في أداء المهام الإدارية، مما يؤدي إلى ضياع الفرص التي يمكن أن تحقق تماسك الدولة.

وأوضح أنه تم وضع خطة إصلاحية للمؤسسات التي شاب عملها خلل، وتم توجيه رسائل مباشرة للمؤسسات المعنية للإصلاح، ومن ثَمَّ إحالة القضايا التي تحتوي على ممارسات قد ترقى إلى مستوى الجريمة إلى النيابة العامة.

وكشف بن مبارك عن تحديد الحكومة مجموعة من المؤسسات التي يجب أن تكون داعمة لإيرادات الدولة، وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمشتقات النفطية؛ حيث بدأت في إصلاح هذا القطاع. وأضاف أن معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي «تتوازى مع معركة مكافحة الفساد»، وشدد بالقول: «الفساد في زمن الحرب خيانة عظمى».

تعهد بمحاربة الفساد

تعهد رئيس الوزراء اليمني بأن يظل ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى لحكومته، وأن تواصل حكومته اتخاذ خطوات مدروسة لضمان محاسبة الفاسدين، حتى وإن تعالت الأصوات المعارضة. مؤكداً أن معركة مكافحة الفساد ليست سهلة في الظروف الاستثنائية الحالية، لكنها ضرورية لضمان الحفاظ على مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة والمساءلة.

ووصف بن مبارك الفساد في زمن الحرب بأنه «خيانة عظمى»؛ لأنه يضر بمصلحة الدولة في مواجهة ميليشيا الحوثي. واتهم بعض المؤسسات بعدم التعاون مع جهاز الرقابة والمحاسبة، ولكنه أكد أن مكافحة الفساد ستستمر رغم أي ممانعة. ونبه إلى أن المعركة ضد الفساد ليست من أجل البطولات الإعلامية، بل لضمان محاسبة الفاسدين والحفاظ على المؤسسات.

الصعوبات الاقتصادية في اليمن تفاقمت منذ مهاجمة الحوثيين مواني تصدير النفط (إعلام محلي)

وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة قد سَلَّمَ رئيس الحكومة تقارير مراجعة أعمال «المنطقة الحرة عدن»، وشركة «مصافي عدن»، و«المؤسسة العامة لموانئ خليج عدن»، وشركة «النفط اليمنية» وفروعها في المحافظات، و«مؤسسة موانئ البحر العربي»، والشركة «اليمنية للاستثمارات النفطية»، و«الهيئة العامة للشؤون البحرية»، و«الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية»، و«الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري»، والشركة «اليمنية للغاز مأرب»، إضافة إلى تقييم الأداء الضريبي في رئاسة مصلحة الضرائب ومكاتبها، والوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين وفروعها في المحافظات.

ووجه رئيس الحكومة اليمنية الوزارات والمصالح والمؤسسات المعنية التي شملتها أعمال المراجعة والتقييم من قِبَل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالرد على ما جاء في التقارير، وإحالة المخالفات والجرائم الجسيمة إلى النيابات العامة لمحاسبة مرتكبيها، مؤكداً على متابعة استكمال تقييم ومراجعة أعمال بقية المؤسسات والجهات الحكومية، وتسهيل مهمة فرق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للقيام بدورها الرقابي.

وألزم بن مبارك الوزارات والمؤسسات والمصالح والجهات الحكومية بالتقيد الصارم بالقوانين والإجراءات النافذة، وشدد على أن ارتكاب أي مخالفات مالية أو إدارية تحت مبرر تنفيذ التوجيهات لا يعفيهم من المسؤولية القانونية والمحاسبة، مؤكداً أن الحكومة لن تتهاون مع أي جهة تمتنع عن تقديم بياناتها المالية ونتائج أعمالها للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، لمراجعتها والعمل بشفافية ومسؤولية، وتصحيح كل الاختلالات سواء المالية أو الإدارية.

وكانت الدول المانحة لليمن قد طالبت الحكومة باتخاذ إجراءات عملية لمحاربة الفساد وإصلاحات في قطاع الموازنة العامة، وتحسين موارد الدولة وتوحيدها، ووقف الجبايات غير القانونية، وإصلاحات في المجال الإداري، بوصف ذلك شرطاً لاستمرار تقديم دعمها للموازنة العامة للدولة في ظل الصعوبات التي تواجهها مع استمرار الحوثيين في منع تصدير النفط منذ عامين، وهو المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد.