هل يقبل الأسد بعد انتخابه «المسوّدة الروسية» للدستور؟

رجل يمر قرب أبنية مدمرة في حمص وسط البلاد وعليها صورة للرئيس بشار الأسد أمس. (رويترز)
رجل يمر قرب أبنية مدمرة في حمص وسط البلاد وعليها صورة للرئيس بشار الأسد أمس. (رويترز)
TT

هل يقبل الأسد بعد انتخابه «المسوّدة الروسية» للدستور؟

رجل يمر قرب أبنية مدمرة في حمص وسط البلاد وعليها صورة للرئيس بشار الأسد أمس. (رويترز)
رجل يمر قرب أبنية مدمرة في حمص وسط البلاد وعليها صورة للرئيس بشار الأسد أمس. (رويترز)

عندما قدمت روسيا مسوّدتها للدستور السوري في بداية عام 2016، وعندما استضافت عقد «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي في بداية 2018، وعندما دفعت لتشكيل لجنة دستورية من الحكومة والمعارضة في منتصف 2019، هل كانت تمهد للوصول في نهاية 2020 إلى القول بأن لا علاقة بين مساري الإصلاح الدستوري والانتخابات الرئاسية في 2012؟ هل يعيد تثبيت مناطق النفوذ الثلاث وانتخاب الرئيس بشار الأسد إحياء «المسوّدة الروسية» للدستور السوري؟ ما هي الصلاحيات الرئاسية التي يجري النقاش حولها في إطار «المحاصصة»؟
-- بيان ودستور
شهد عام 2012 أمرين: الأول، «بيان جنيف» الذي نص على تشكيل «هيئة حكم انتقالية من ممثلي النظام والمعارضة بصلاحيات تنفيذية كاملة»، والثاني، استفتاء على دستور تضمن تعزيزاً للنظام الرئاسي السوري وتعزيزاً لصلاحيات رئيس الجمهورية.
ومنذ التدخل العسكري الروسي نهاية 2015، تسارع تغيير موقف واشنطن إزاء دور الرئيس الأسد، من القول إن «عليه التنحي الآن» وعدم مشاركته في «هيئة الحكم» في 2012، إلى قبول الانتقال السياسي «بعيداً من الأسد»، وصولاً إلى إعلان وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري في 2016 التخلي عن «تغيير النظام» والحديث عن «سوريا المستقبلية من دون الأسد»، وانتهاء بقبول كيري موقف نظيره الروسي سيرغي لافروف بإعطاء الأولوية للدستور على حساب «الهيئة الانتقالية».
وبعد صدور القرار 2254 في نهاية 2015، اتفق الجانبان الأميركي والروسي على بدء العمل لتنفيذ القرار الدولي، الذي نص على تشكيل «حكم تمثيلي غير طائفي يصوغ دستوراً جديداً ويمهد لانتخابات»، من دون تحديد ما إذا كانت رئاسية أو برلمانية، خلال 18 شهراً. وتبين أن البدء بعملية انتقالية بموجب «بيان جنيف» لنقل بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية إلى رئيس الهيئة الانتقالية «يعني تعديل 23 مادة في دستور عام 2012».
-- صلاحيات واسعة
ما هي الصلاحيات الواردة في دستور 2012؟
- تقاسم الصلاحيات التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.
- يعين الرئيس رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه، بما في ذلك الوزراء.
- يضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها.
- يحق عقد الاجتماعات مع مجلس الوزراء وطلب تقديم التقارير.
- يوقع على القوانين التي يقرها البرلمان.
- يصدر القوانين والقرارات والأحكام.
- يعلن حالة الطوارئ.
- يتمتع رئيس الجمهورية بالسلطة المطلقة على القوات المسلحة، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة.
- يحق للرئيس حل مجلس الشعب (البرلمان) «بقرار معلل يصدر عنه».
- يتولى مهمات السلطة التشريعية في حالة عدم انعقاد البرلمان أو «في حالة الضرورة المطلقة».
- يحق اتخاذ «إجراءات سريعة» عند مواجهة الدولة خطراً كبيراً.
- يحق له «إنشاء الهيئات، والمجالس، واللجان الخاصة».
- يحق له إجراء استفتاءات حول القضايا المهمة.
- رئيس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولون أمام الرئيس.
- للرئيس الحق في إحالة رئيس الوزراء ونوابه والوزراء على المحاكم في حالة ارتكابهم جرائم جنائية.
- يتم اعتبار مجلس الوزراء مقالاً عند انتهاء ولاية الرئيس.
- يضمن الرئيس استقلال السلطة القضائية بمساعدة مجلس القضاء الأعلى.
- يدير الرئيس مجلس القضاء الأعلى.
- يدير الرئيس المحكمة الدستورية العليا.
- لا يحق للمحكمة الدستورية مراجعة القوانين التي يقرها الرئيس بعد عرضها على استفتاء والموافقة عليها.
-- المسودة الروسية
في مارس (آذار) 2016، جرى تقديم مسوّدة «الدستور الروسي»، وتقع في 24 صفحة و85 مادة، تضمنت اقتراح نظام رئاسي وبقاء الأسد رئيساً لنهاية ولايته، وقائداً للجيش السوري و«التنظيمات المسلحة» الأخرى، مع ترشحه لولاية أخرى، مقابل إعطاء صلاحيات تنفيذية أكبر لرئيس مجلس الوزراء، وأخرى تشريعية لـ«مجلس الشعب»، وصلاحيات أكبر لـ«جمعية المناطق» التي تتضمن «حكماً ذاتياً للأكراد»، إضافة إلى تخلي الأسد عن سلطته التشريعية والقدرة على إصدار قوانين خارج انعقاد البرلمان، وعن ترؤسه مجلس القضاء الأعلى وتشكيل المحكمة الدستورية العليا التي عُدِّل دورها. كما أن المسوّدة الروسية حذفت كلمة «العربية» من اسم سوريا، وباتت «الجمهورية السورية» بدل «الجمهورية العربية السورية».
وأعطت المسودة صلاحيات أوسع لمجلس الوزراء، مع احتفاظ الرئيس بتحديد «الاتجاه العام» وتنفيذ القوانين. لكن لم يعد مسؤولاً فقط أمام رئيس الجمهورية، بل أيضا أمام البرلمان الذي يتسلم «برنامج عمل الحكومة». ولم يعد «رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولين أمام رئيس الجمهورية» كما ورد في دستور 2012. ونصت المسوّدة صراحة على أنّ تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء يكون على أساس «التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية»، ورئيس المجلس «عقد معاهدات واتفاقيات تعطي الشركات الأجنبية حق الامتياز»، و«تعيين موظفي الدولة والعسكريين وفصلهم».
وبحسب المسوّدة يبقى الرئيس قائداً للجيش والقوات المسلحة و«التنظيمات المسلحة» الأخرى. لكنها اقترحت أن تكون القوات المسلحة «تحت الرقابة من قبل المجتمع، ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية، ولا تؤدي دوراً في عملية انتقال السلطة». كما أنها اقترحت السماح بـ«تشكيل قوات مسلحة وغيرها من الوحدات المسلحة». وقالت إن «بقاء الجيش خارج العمل السياسي يدعم العملية الديمقراطية، ويخفف القدرة على السيطرة على العملية، إضافة إلى اعتماد «التعددية السياسية».
-- رد دمشق
لم تكن دمشق وطهران سعيدتين بالمسوّدة الروسية وقتذاك، حيث رأت الحكومة السورية أن «المسودة الروسية صالحة لروسيا وليس لسوريا». وقدم خبراء رسميون سلسلة ملاحظات عليها، بينها إلغاء «جمعية المناطق» ومناطق «الحكم الذاتي الكردي»، والسماح بانتخاب رئيس الجمهورية الحالي لـ«ولايتين على التوالي»، ما يعني أن يترشح الرئيس الأسد لدى انتهاء ولاية جديدة لسبع سنوات، تبدأ بعد فوزه في انتخابات الغد. كما نصت التعليقات على اقتراحات كثيرة لعدم إعطاء الأكراد أي حق، بما في ذلك حذف فقرة نصت على أن «تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين»، وشطب فقرات تخص تشكيل «وحدات إدارية» واعتماد «إدارات محلية» بموجب القانون 107 للإدارة المحلية على أساس مبدأ اللامركزية.
ولدى الحديث عن صلاحيات الرئيس، حذفت دمشق فقرة نصت على أنه «يتولى مهمة الوساطة بين سلطات الدولة، وبين الدولة والمجتمع، ويحق له لغرض تسوية الخلافات بين مؤسسات الدولة استخدام الإجراءات التوافقية»، وإضافة صلاحية «تعيين كبار الموظفين». كما تمسك مسؤولون سوريون بـ«إضافة سلطة التشريع للسيد الرئيس»، إضافة إلى عقد الاتفاقات وإحالتها إلى البرلمان، و«اعتماد» رؤساء البعثات، بعد نزعها من رئيس الوزراء. ونصت المادة 60 على «إخضاع القوات المسلحة لـرئيس الجمهورية، ويتولى مهمة القائد الأعلى للقوات المسلحة والتنظيمات المسلحة».
ونصت المسوّدة على توسيع صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، الذي يمكن أن يتولى «صلاحيات رئيس الجمهورية لمدة تسعين يوماً من تاريخ شغور منصب رئيس الجمهورية أو إثبات عجزه عن أداء مهماته، وفي حال حجز رئيس الوزراء يتولى مهمات رئيس الجمهورية رئيس جمعية المناطق». لكنها أبقت للرئيس صلاحيات «تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفائهم من مناصبهم».
وفي إطار تقليص صلاحيات الرئاسة أيضاً، التي تتضمن حالياً «تشكيل مجلس القضاء الأعلى ورئاسة مجلس القضاء الأعلى»، فإن مسوّدة موسكو اقترحت أن تضم «المحكمة الدستورية العليا» سبعة أعضاء «تعيّنهم جمعية المناطق»، لكن دمشق حصرت تشكيلها برئيس الجمهورية بـ«مرسوم». وإذ نصت المسوّدة على أن من صلاحيات المحكمة الدستورية العليا «محاكمة رئيس الجمهورية المعزول في حالة خيانة عظمى أو جريمة كبرى أخرى»، لكن دمشق حذفت آخر ثلاث كلمات.
وجاء في إحدى مواد المسوّدة الروسية: «تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية. وله الحق في الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية، وتسري عليه أحكام الدستور الخاصة بمدة ولايته اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة»، أي بموجب اقتراحات التعديل في المادة 49.
وعليه، يجوز التساؤل عما إذا كانت روسيا ستعيد طرح دستورها لسوريا بعد انتخاب الأسد لولاية جديدة، خصوصاً في ظل جهود المبعوث الأممي غير بيدرسن لاستئناف عمل اللجنة الدستورية بعد الانتخابات الرئاسية، بالتوازي مع ثبات خطوط التماس بين شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي ومناطق الحكومة، ووسط أنباء عن تسخين التواصل الأميركي - الروسي واحتمال عقد صفقة إيرانية - أميركية حول الملف النووي، وسط حرص روسي على مساهمة خارجية بإعمار سوريا التي قدرت خسائرها بنصف تريليون دولار أميركي.



هدنة غزة أمام عقدة «الانتقال للمرحلة الثانية»

مبان مدمرة في مدينة غزة يوم 5 نوفمبر الحالي (رويترز)
مبان مدمرة في مدينة غزة يوم 5 نوفمبر الحالي (رويترز)
TT

هدنة غزة أمام عقدة «الانتقال للمرحلة الثانية»

مبان مدمرة في مدينة غزة يوم 5 نوفمبر الحالي (رويترز)
مبان مدمرة في مدينة غزة يوم 5 نوفمبر الحالي (رويترز)

تتعدد مطالب الوسطاء بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار» في قطاع غزة، في ظل تعقيدات ما زالت تواجهها «المرحلة الأولى» بشأن تسليم جثث الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس»، وعدم التوافق على تفاصيل المرحلة التالية، وسط مخاوف من تكرار ما حدث في اتفاق يناير (كانون الثاني) الماضي الذي نقضته إسرائيل.

وتضمن «اتفاق وقف إطلاق النار» في يناير الماضي، ثلاث مراحل، بدأت المرحلة الأولى عند التوصل إليه وانتهت في الأول من مارس (آذار) الماضي، لكن «حماس» وإسرائيل لم تتوصلا إلى اتفاق بشأن كيفية الانتقال إلى المرحلة الثانية.

في ذلك الحين، أرادت «حماس» الدخول في المرحلة الثانية، والتي كانت ستشهد انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء الذين تحتجزهم الحركة، وبدلاً من ذلك، ضغطت إسرائيل من أجل تمديد المرحلة الأولى، من دون الالتزام بإنهاء الحرب أو سحب القوات، وعادت لاستئناف الحرب في 18 مارس.

وجددت مصر «مطالبتها الأطراف المعنية بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في قطاع غزة»، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مساء الجمعة، من الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس.

وشملت المرحلة الأولى من «اتفاق أكتوبر» وقف العمليات العسكرية وانسحاباً جزئياً للجيش الإسرائيلي وصفقة تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية للقطاع، وحتى الآن سلمت الفصائل الفلسطينية بغزة 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 25 آخرين من أصل 28، فيما لم يتم فتح معبر رفح بعد، وبين الحين والآخر تقوم إسرائيل بشن ضربات على القطاع.

وقال مصدر لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إن رئيس الأركان إيال زامير «أوصى بعدم الانتقال إلى المرحلة التالية من الاتفاق مع حركة (حماس) قبل استعادة جميع جثث الأسرى الإسرائيليين في غزة، وعدم السماح بأي عملية لإعادة إعمار القطاع قبل تنفيذ عملية نزع السلاح كلياً».

تواجه المرحلة الثانية من «اتفاق غزة» عقبات سياسية، حيث ترفض إسرائيل أي إدارة فلسطينية للقطاع، وتعرقل تشكيل لجنة تكنوقراط، بينما تدفع واشنطن نحو قوة دولية، في حين لا يزال مصير إعادة إعمار غزة غير واضح، بحسب مراقبين.

امرأة وطفل يجلسان وسط أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية ليلية بجانب امرأة أخرى تراقب عملية الإنقاذ بغزة (أ.ف.ب)

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، أكرم عطا الله، أن «تقسيم الاتفاقيات مع إسرائيل على مراحل يسمح لها بنقضها، وهو ما حدث في (اتفاق يناير)، وسبق أن حدث من قبل في (اتفاق أوسلو)، وهي تتلاعب بالفلسطينيين عبر استخدام القوة العسكرية وفرض الأمر الواقع، لذا فالانتقال لأي مرحلة تالية يبدو وكأنه (عُقدة)».

وتم توقيع «اتفاقية أوسلو» والمعروفة رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، في سبتمبر (أيلول) من عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتتكون الاتفاقية من 17 بنداً بدءاً من إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية وانتهاء بتسوية المنازعات والتعاون الإسرائيلي - الفلسطيني فيما يتعلق بالبرامج الإقليمية، وفق التفاصيل المنشورة في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

وقال عطا الله لـ«الشرق الأوسط» إن «دفع إسرائيل لتنفيذ باقي مراحل (اتفاق أكتوبر) يكون عبر تحرك الوسطاء والدول العربية والإسلامية نحو الضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للالتزام بباقي بنود الاتفاق، وحتى الآن يمكن القول بأن الولايات المتحدة ما زالت حريصة على تنفيذه». لكنه تحدث أيضاً عن عقبات تواجه الاتفاق الحالي في مقدمتها «النوايا الإسرائيلية، واتجاه الأنظار نحو تفاصيل (القوة الدولية)، وإدخال تعديلات على مهامها، والسماح لإسرائيل بالحركة الأمنية داخل القطاع، وهو ما أغضب الدول الراعية للاتفاق».

ووفقاً لموقع «أكسيوس» الأميركي، مساء الاثنين الماضي، فقد وزّعت واشنطن مسودة مشروع قرار على أعضاء مجلس الأمن الدولي، تقترح فيه إنشاء قوة أمنية دولية تعمل لمدة لا تقل عن عامين قابلة للتمديد حتى نهاية عام 2027.

وترى واشنطن أن تشكيل هذه «القوة الدولية» يمثل المفتاح الأساسي للمرور إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. وتشمل هذه المرحلة من الاتفاق موضوعات الحكم والسلاح وقوات الاستقرار الدولية وإعادة الإعمار.

مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ المصرية (الرئاسة المصرية)

وقبل أيام، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر إسرائيلية أن بنيامين نتنياهو، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، يجريان مفاوضات مع الإدارة الأميركية للحصول على ورقة تفاهمات تمنح إسرائيل حرية العمل في غزة، هدفها وضع حدود لحرية التحرك الإسرائيلي وترسيخ ضمانات أميركية بشأن ما سيحدث في حال فشلت القوة الدولية في نزع سلاح «حماس».

الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء حمدي بخيت، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الانتقال إلى مراحل متقدمة لاتفاقيات وقف إطلاق النار مع إسرائيل تحولت إلى (عُقدة)، وهو سلوك اعتادت عليه الحكومات الإسرائيلية حينما تُصر على تقسيم الاتفاقيات إلى مراحل»، لافتاً إلى أن «دفع الاتفاق الحالي يقع على مسؤولية الوسطاء، كما أن الولايات المتحدة يجب أن تكون حريصة على تنفيذه باعتبارها ضامنة للاتفاق».

وأضاف «تواجه حركة (حماس) موقفاً صعباً الآن؛ لأنها سلمت جميع الرهائن الأحياء لديها وقاربت على تسليم جميع الرفات، والآن يتم التركيز على ورقة تسليم السلاح، وهي من الممكن استخدامها للانتقال إلى المرحلة الثانية وضمان التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق».

وشهدت إسطنبول التركية اجتماعاً وزارياً موسّعاً، قبل أيام بمشاركة وزراء خارجية تركيا وقطر والسعودية والإمارات والأردن وباكستان وإندونيسيا، لبحث تثبيت وقف إطلاق النار، ومتابعة تنفيذ «مبادرة ترمب» وما تلاها من «إعلان شرم الشيخ»، إضافة إلى نتائج اجتماع التحالف العالمي لتنفيذ «حل الدولتين» الذي عُقد في الرياض أخيراً.


اليمن: تنديد حقوقي وحكومي بحملات القمع الحوثية في ذمار

منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية اعتقلوا آلاف اليمنيين (رويترز)
منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية اعتقلوا آلاف اليمنيين (رويترز)
TT

اليمن: تنديد حقوقي وحكومي بحملات القمع الحوثية في ذمار

منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية اعتقلوا آلاف اليمنيين (رويترز)
منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية اعتقلوا آلاف اليمنيين (رويترز)

اتهمت منظمة حقوقية يمنية الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، بتنفيذ واحدة من أكبر حملات القمع الجماعي ضد المدنيين في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) بعد أن اختطفت 76 مواطناً وأخفتهم قسراً منذ أكثر من عشرة أيام، دون السماح لأسرهم بمعرفة أماكن احتجازهم أو التواصل معهم.

وقالت منظمة «مساواة لحقوق الإنسان» في بيان إن الجماعة شنت في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حملة مداهمات واعتقالات واسعة ومتزامنة في عدد من مديريات المحافظة، طالت أكاديميين وتربويين وشخصيات سياسية واجتماعية، في تصعيد وصفته بأنه «الأوسع منذ انقلاب الجماعة على الدولة».

وأوضحت أن مصير المختطفين لا يزال مجهولاً حتى اليوم، وبينهم مرضى وكبار في السن، وسط غياب أي معلومات رسمية أو إنسانية عن أماكن احتجازهم أو أوضاعهم الصحية.

وأكدت المنظمة الحقوقية في بيانها أن استمرار الجماعة في إخفاء هؤلاء المختطفين يمثل «جريمة إخفاء قسري مكتملة الأركان، وانتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف الأربع والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية».

الحوثيون يقمعون السكان في مناطق سيطرتهم خشية تزايد الأصوات المناهضة لانقلابهم (رويترز)

وأضاف البيان أن هذه الممارسات «ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية»؛ كونها تأتي ضمن سياسة ممنهجة تستهدف المدنيين لبث الرعب في المجتمع وإسكات الأصوات الحرة. وحمّلت المنظمة قيادة الميليشيات الحوثية في ذمار المسؤولية القانونية والجنائية الكاملة عن سلامة جميع المختطفين وحياتهم.

ودعت منظمة «مساواة» الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الحوثيين للكشف عن مصير المختطفين والإفراج عنهم فوراً ومن دون شروط، كما حثّت المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية على توحيد الجهود لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.

انتهاكات ممنهجة

أدانت السلطة المحلية في ذمار، والمعيّنة من قبل الحكومة اليمنية الشرعية، بشدة حملة الاختطافات الواسعة التي نفذتها الجماعة الحوثية بحق العشرات من أبناء المحافظة، مؤكدة أن تلك الاعتقالات طالت أكاديميين وسياسيين ووجهاء وشخصيات اجتماعية؛ فقط لأنهم مارسوا حقهم في التعبير أو احتفوا بالمناسبات الوطنية، وعلى رأسها ذكرى «ثورة 26 سبتمبر» التي أطاحت بأسلاف الجماعة في 1962.

وقالت السلطة المحلية، في بيان، إنها تتابع بقلق بالغ ما تشهده المحافظة من مداهمات للمنازل واحتجاز تعسفي للمواطنين، معتبرة أن ما تقوم به الجماعة «انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومبادئ الدستور والقوانين النافذة، واعتداء سافر على الحريات العامة وكرامة المواطنين».

وأضاف البيان أن هذه الممارسات «لن تسقط بالتقادم»، وأن مرتكبيها سيخضعون للمساءلة القانونية يوماً ما، مؤكداً أن أبناء ذمار «سيظلون متمسكين بمبادئ الثورة والجمهورية، ورافضين لكل أشكال الاستبداد والعنف الذي تمارسه الميليشيات بحقهم لمجرد التعبير عن آرائهم».

عناصر حوثيون خلال تجمع للتعبئة العسكرية في أوساط القبائل (إ.ب.أ)

وطالبت السلطة المحلية الجماعة بسرعة الإفراج عن جميع المختطفين والمعتقلين تعسفاً، ووقف انتهاكاتها فوراً، محمّلة إياها كامل المسؤولية عن تبعات هذه الممارسات التي «تهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، وتزرع بذور الفتنة والكراهية بين أبناء المحافظة».

كما دعا البيان المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وكافة القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، إلى إدانة هذه الانتهاكات والضغط من أجل إطلاق سراح جميع المختطفين والمخفيين قسراً، وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم التي تعكس، بحسب البيان، «طبيعة المشروع القمعي الذي تمارسه الميليشيات بحق اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها».


أموال التهريب تدفع الحوثيين للتنكيل بالمهاجرين الأفارقة

محافظة شبوة استقبلت أكثر من ألف مهاجر غير شرعي خلال شهر واحد (إعلام حكومي)
محافظة شبوة استقبلت أكثر من ألف مهاجر غير شرعي خلال شهر واحد (إعلام حكومي)
TT

أموال التهريب تدفع الحوثيين للتنكيل بالمهاجرين الأفارقة

محافظة شبوة استقبلت أكثر من ألف مهاجر غير شرعي خلال شهر واحد (إعلام حكومي)
محافظة شبوة استقبلت أكثر من ألف مهاجر غير شرعي خلال شهر واحد (إعلام حكومي)

تعرض المئات من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن لعمليات تنكيل على يد مسلحي الجماعة الحوثية في أطراف محافظة صعدة الحدودية (شمال)، في وقت أعلنت فيه السلطات اليمنية استمرار تدفق المئات منهم أسبوعياً إلى سواحل محافظة شبوة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية على بحر العرب.

وذكرت مصادر حقوقية في محافظة صعدة أن الحوثيين نفذوا حملة مطاردة للمهاجرين غير الشرعيين في منطقة سوق القهر التابعة لمديرية منبه، واستخدموا خلالها الأسلحة بعد اشتباكات محدودة، قبل أن يسيطروا على الوضع.

وأرجعت المصادر أسباب الهجوم إلى خلافات نشبت بين المشرفين الحوثيين في المنطقة وعدد من المهاجرين الذين يعملون في تهريب القات والمخدرات.

وأوضحت المصادر أن الحوثيين، الذين يفرضون سيطرتهم الكاملة على المحافظة، ساعدوا على وصول أعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة إلى المناطق الحدودية، خصوصاً إلى سوق القهر، وقدموا لهم الدعم والسكن، بل شيدوا لهم مقرات لإعادة تغليف وتهريب المخدرات والحشيش، وأشرفوا على تلك الأنشطة بشكل مباشر.

جانب من تجمعات المهاجرين غير الشرعيين في أطراف محافظة صعدة (إعلام محلي)

ورجّحت المصادر أن يكون سبب الخلاف إحساس قادة مجموعات التهريب من المهاجرين بأنهم لا يحصلون إلا على القليل من عائدات التهريب، بينما تذهب الحصة الكبرى إلى المشرفين الحوثيين، الأمر الذي دفعهم إلى التمرد، بدعم من مهربين أفارقة كبار اقترحوا العمل بشكل مستقل عن الحوثيين، وهو ما دفع الأخيرين إلى تنفيذ حملة دهم عنيفة لطردهم من المنطقة.

شبكة تهريب

اعترافات سابقة لخلايا تهريب كشفت عن وجود شبكة واسعة تدير عمليات تهريب المهاجرين من السواحل اليمنية وحتى محافظة صعدة، بإشراف مباشر من قيادات حوثية. وتقوم هذه الشبكة بتسهيل انتقال المهاجرين داخل الأراضي اليمنية مقابل مبالغ مالية، كما يتم استغلال بعضهم في الأعمال العسكرية أو في المزارع، بينما يُدفع بالبقية نحو المناطق الحدودية لاستخدامهم في تهريب المخدرات ونبتة «القات» التي تمضغ في اليمن على نطاق واسع والمصنفة ضمن المواد المخدرة في أغلب دول العالم.

وفي تطور آخر، نفذت الجماعة الحوثية بقيادة المشرف الأمني المدعو مشتاق السرايا حملة مطاردة في منطقة جبلية تُعرف باسم «المجمع»، استهدفت مجموعة من العمال اليمنيين وعدداً من المهاجرين الأفارقة بعد خلافات بينهم حول تشغيل مطاعم ومقاهٍ لخدمة المهاجرين.

وبحسب المصادر، فإن يمنيين كانوا يديرون مطعماً ومقهى في تلك المنطقة بإذن من المشرفين الحوثيين لتقديم الوجبات للمهاجرين والمهربين، لكن خلافاً مالياً نشب بينهم استدعى تدخل الحوثيين، الذين داهموا المكان وأحرقوا المطعم والمقهى، ودمروا المعدات، وأجبروا اليمنيين على مغادرة المنطقة، فيما أقاموا حاجزاً أمنياً لحماية المهاجرين غير الشرعيين الذين يُستخدمون في أنشطة التهريب والأعمال العسكرية هناك.

تدفق متزايد

تواصلت موجات تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، حيث استقبلت سواحل محافظة شبوة خلال اليومين الماضيين مئات المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي، ليضافوا إلى أكثر من ألف وصلوا خلال الشهر الماضي فقط.

ووفقاً لتقرير صادر عن مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية، فقد وصل إلى ساحل كيدة في مديرية رضوم بمحافظة شبوة 255 مهاجراً غير شرعي على متن قارب تهريب، بينهم 208 رجال و44 امرأة، جميعهم من الجنسية الإثيوبية، باستثناء عدد قليل من الصوماليين.

وأوضح التقرير أن شرطة المحافظة اتخذت الإجراءات القانونية الممكنة حيالهم وفقاً للإمكانات المتاحة، مشيراً إلى أن هذا العدد يضاف إلى نحو ألف مهاجر وصلوا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

الحوثيون شكّلوا شبكة لتهريب المهاجرين من السواحل إلى الحدود اليمنية (إعلام حكومي)

ومنذ مطلع العام الحالي، استقبلت محافظة شبوة آلاف المهاجرين غير الشرعيين، بعد أن أصبحت سواحلها الواقعة على بحر العرب قبلة للمهربين، عقب تشديد الإجراءات الأمنية في سواحل محافظة لحج الواقعة غرب عدن، التي كانت أهم منفذ لاستقبال المهاجرين بسبب قربها من سواحل جيبوتي على الضفة الأخرى من البحر الأحمر.

ويحذر مراقبون من أن استمرار تدفق المهاجرين عبر السواحل اليمنية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في البلاد، خاصة في ظل استغلال الحوثيين لهذه الفئة في أعمال التهريب والتجنيد القسري، ما يهدد بزيادة معدلات الجريمة وتنامي شبكات الاتجار بالبشر عبر الحدود.