«ليتل آيلاند»... 260 مليون دولار تعوم على نهر هدسون

منظر لجزيرة ليتل آيلاند التي تطفو فوق نهر هدسون (نيويورك تايمز)
منظر لجزيرة ليتل آيلاند التي تطفو فوق نهر هدسون (نيويورك تايمز)
TT

«ليتل آيلاند»... 260 مليون دولار تعوم على نهر هدسون

منظر لجزيرة ليتل آيلاند التي تطفو فوق نهر هدسون (نيويورك تايمز)
منظر لجزيرة ليتل آيلاند التي تطفو فوق نهر هدسون (نيويورك تايمز)

تظهر جزيرة «ليتل آيلاند» الجديدة على نهر هدسون فوق مجموعة من الأعمدة التي تأخذ شكل زهرة التوليب، بانتظار من يلتقط صورها وينشرها على منصة «إنستغرام». ومن الخارج، تبدو كأنها تخطف الأنظار خطفاً. أما في الداخل، فهي ذات جمال أخاذ وساحر، يخلب الألباب.
يقع المشروع العملاق الجديد للحيوانات الأليفة، من أعمال المطور العقاري باري ديلر، بقيمة تبلغ 260 مليون دولار، على مساحة تقدر بحوالي 2.4 فدان، مع المتنزه المدني، بالقرب من شارع 13 في هدسون ريفر بارك، وهو عبارة عن صورة معمارية مكافئة لما يشبه طبق آيس كريم صنداي الشهير من حيث المنظر العام مع القليل من كل شيء في مكان واحد.

صراع سنوات لمنع بناء الجزيرة
من المعروف أنه ما من شيء يُبنى في مدينة نيويورك من دون صراع مسبق، فلقد كافح المعارضون لسنوات طويلة داخل أروقة المحاكم لوقف بناء الجزيرة على نهر هدسون. وكانت فكرة الحديقة داخل المتنزه قد نشأت منذ ما يقرب من عشر سنوات كاملة كي تحل محل الرصيف رقم 54 في الجانب الغربي من حي مانهاتن. وفي عام 1912، تمكنت السفينة البخارية الشهيرة «كارباثيا» من جلب الأفراد الناجين من حادثة السفينة «تيتانيك» إلى الرصيف 54، ليتحول فيما بعد إلى مكان مشهور لإقامة الحفلات الموسيقية في الهواء الطلق خلال السنوات الأخيرة. غير أنه قد بدأ في التصدع والانهيار الجزئي، مما دفع السلطات إلى ضرورة إغلاقه في وجه الجمهور. ومن ثم، شرع مسؤولو المتنزه في التواصل مع المهندس المعماري ديلر، الذي يقع مقر شركته في منطقة مجاورة للرصيف.
وبدوره، استعان المهندس ديلر بالمهندس المعماري الإنجليزي توماس هيثرويك صاحب العلاقات الواسعة في مجال المال والأعمال. ويعرف سكان مدينة نيويورك المهندس هيثرويك من تصميمه السابق والمبتكر للسفينة الشهيرة في منطقة هدسون ياردز.
«لن أتراجع في وجه الفوضى التي أعقبت الإعلان عن إنشاء الجزيرة النهرية الجديدة»، تلك العبارة التي أطلقها قطب العقارات الكبير الذي يمتلك قدراً معتبراً من الجرأة الكافية للتواصل مع إسناد صندوق «هدسون ريفر بارك ترست»، في مواجهة سلسلة من التحديات القانونية والإجرائية المتعددة التي اتخذها سكان المدينة. وعند مرحلة من المراحل، تراجع المهندس ديلر في خضم موجة عاتية من المعارك القانونية التي بدا أنها لن تفارق قاعات المحاكم لسنوات مقبلة. غير أن صفقة جديدة كان قد توسط فيها السيد أندرو كومو، حاكم نيويورك، أسفرت عن إنقاذ المشروع، مع تقديم التزامات عامة مُرضية ومعنية بحماية موائل الحياة البرية، وتحسين أجزاء من متنزه هدسون ريفر الذي يبلغ طوله 4 أميال، وتبلغ مساحته الإجمالية 550 فداناً.
لذلك، واعتباراً لجهود المعارضين، كان من الواضح أن المهندس ديلر لم يفقد الأمل أو يستسلم على الإطلاق. وكانت صفقة رابحة للغاية من زاوية نيويورك، تلك المدينة التي تباشر أعمالها بأساليب عجيبة للغاية في بعض الأحيان.
ظل المفهوم الذي تمكن المهندس هيثرويك من تسويقه إلى ديلر وإلى صندوق «هدسون ريفر بارك ترست» من دون تغيير يُذكر إلى حد كبير منذ أن جرى الكشف عن تفاصيله للمرة الأولى في عام 2014: وهو عبارة عن منصة واحدة متموجة، ذات زراعات ونباتات وأشجار كثيفة وجميلة مع العديد من الأعشاب والأزهار، وهي منفصلة بزاوية مبهجة عن الحاجز الإنشائي مع تنظيم واضح حول مساحات التحرك، بما في ذلك المدرج المذهل من حيث الحجم، المطل على مياه النهر مباشرة، الذي يتسع لعدد 687 مقعداً، وهو مدرج مصمم خصيصاً للاستمتاع بمشاهدة غروب الشمس من تلك البقعة الفريدة.
كانت شركة «آروب» الهندسية قد توصلت لفكرة موازنة الجزيرة الجديدة بأكملها على الأعمدة. كذلك، صمم المهندس ساين نيلسن، وهو المؤسس المشارك في شركة «ماثيوز نيلسن لاندسكيب أركتيكتس»، كل المساحات الخضراء، وتوزيعات الأشجار والأعشاب والزهور.

تكاليف صيانة باهظة
لقد أصبحت، بنفسي، من المشككين في رؤى المهندس هيثرويك في الآونة الأخيرة، غير أن إسهاماته في هذا المشروع تأتي في خضم السياق المعماري لتصاميم الحدائق الإنجليزية الغناء التي اشتهر بها القرن الثامن عشر الميلادي في المملكة المتحدة. وكان منشأ شكوكي يدور حول أن جزيرة «ليتل آيلاند» النهرية الجديدة هي أشبه ما تكون لعين الناس بالملكية العقارية الحصرية الخاصة بأكثر من كونها حديقة عامة لكل سكان المدينة. ومن الواضح تماماً أن جهود الصيانة والمحافظة عليها سوف تستهلك قدرها الهائل من الأموال الكثيرة، تلك الأعباء التي يتحتم على صندوق «هدسون ريفر بارك ترست» (أي الجمهور العام من سكان مدينة نيويورك) تحملها في غياب العديد من الترتيبات المهمة الأخرى.
ولكن، من حسن الحظ، أن أعلن المهندس ديلر أن مؤسسة عائلته ستتولى تلك الأمور على مدار العشرين عاماً المقبلة. وهذا ليس إلى الأبد، غير أنه يشتمل على تكاليف البرمجة - وحتى تتمكن البرمجة (وأغلبها بالجهود المجانية وليست الربحية) من العثور على التمويل غير الهادف للربح لتستطيع المواصلة بمفردها. ويُقدر المهندس ديلر أنه ربما ينتهي به الأمر إلى إنفاق 380 مليون دولار بالكامل، مما يعد أكبر منحة خاصة مقدمة إلى حديقة عامة في تاريخ مدينة نيويورك، وربما على سطح الكوكب.
ومؤخراً، تمكنت من الصعود إلى أعلى نقطة في الجزيرة، وهي عبارة عن عش للغربان مع رؤية بانورامية عامة لكافة الأنحاء، عبر طريق عشبي جميل المنظر، ومظلل بأخشاب القرانيا والأعشاب الحمراء، تفوح منه روائح غابات الأزاليات المعطرة، التي بسببها تحولت المناظر العامة من مدينة إلى نهر ومن متنزه عام إلى أراض عشبية واسعة المساحة.
تفرض أعمدة هيثرويك نظرة خاطفة من خلال تلة هنا أو قمة هناك، غير أن تركيزك عليها ربما يتلاشى بمجرد وصولك إلى أرض الجزيرة الجديدة، على استثناء القوس الكبير الهائل من مصابيح زهور التوليب العملاقة عند مدخل الجزيرة، تلك التي استغرقت عاماً كاملاً من التغيير والإحلال والتبديل من أجل الوصول إلى درجة المنحنيات الملائمة تماماً لاستيعاب أشجار المهندس نيلسن في الأعلى.
وعندما تطأ بقدميك أرض الجزيرة الجديدة، فإن تركيزك في غالب الأمر ينصب على الأشجار، والنباتات، والمياه، وملاحظة الأفق. وكنت قد استرقت النظر في زيارة سابقة إلى بطة أم، تضع مجموعة من البيض بالقرب من عش الغراب سالف الذكر. وكانت تستقر بجسدها حاضنة بيضها بجوار زاوية جدار فولاذي يقع إلى الأسفل من قمة التل مباشرة. وتوفر منصة الجزيرة الجديدة قدراً من الدفء الطبيعي على الخلفية الهادئة للأشجار والنباتات والزهور، التي تساعد أيضاً في تمويه مكان البطة وبيضها عن أعين المتلصصين أمثالي.

كيف ستبدو مع بدء استقبال الزوار والعروض؟
هناك مخططات لعرض المئات من الحفلات الموسيقية المجانية، وأخرى بأسعار زهيدة ومتواضعة، مع برامج مخصصة فقط للأطفال خلال موسم الصيف الحالي. وكانت السيدة تريش سانتيني، المديرة التنفيذية لـ«ليتل آيلاند»، قد أخبرتني بأن فريق العمل لديها يواصل الليل بالنهار في جهود كبيرة للتواصل مع المنظمات المجتمعية في المدينة من أجل التأكد من وصول التذاكر المجانية، ومنخفضة التكلفة، إلى أيادي الفئات المحرومة من الخدمات، وإلى أطفال المدارس في الجوار.
كما أنها قد أشارت إلى المرحلة الثانية، التي أطلقت عليها اسم «غليد»، وتقع عند طرف المتحدر العشبي لدى الركن الجنوبي الشرقي من الحديقة، والمحاطة بأشجار الكريب، وأشجار البتولا، تلك المنطقة المخصصة للأطفال، وغيرها من المناسبات التعليمية. أما الساحة الرئيسية، التي يمكن فيها الجلوس لتناول الطعام على طاولات المقهى أسفل المظلات الكبيرة المصنوعة من القماش، فتأتي كمثال على المساحة الثالثة المخصصة للترفيه من الجزيرة.
تقع «ليتل آيلاند» على الطريق الرابطة بين الممرين اللذين يربطان الجزيرة الجديدة بحي مانهاتن، وعلى مرمى مسافة قصيرة من هاي لاين، وبالتالي يسهل الوصول إليها لجميع السكان. وقالت سانتيني أيضاً، إن إدارة الجزيرة تعتزم فتح باب الحجز المؤقت للحيلولة دون الازدحام والاكتظاظ بالزائرين. وستحتاج الجزيرة إلى تلك الحجوزات، كما هو متوقع.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».