حنة آرنت... الفيلسوفة التي رفضت الانتماء إلى الفلاسفة

أثارت الجدل بجرأتها على التفكير ودعواتها للحوار بأسلوب نقدي وحر

حنة آرنت... الفيلسوفة التي رفضت الانتماء إلى الفلاسفة
TT

حنة آرنت... الفيلسوفة التي رفضت الانتماء إلى الفلاسفة

حنة آرنت... الفيلسوفة التي رفضت الانتماء إلى الفلاسفة

حياة حافلة بالمفاجآت والمغامرات العاطفية والإنجاز الفلسفي اللافت عاشتها المفكرة الألمانية «حنه آرنت»، صاحبة كتابي «تفاهة الشر» و«أصول الشمولية»، ورغم هذا ظلت طيلة حياتها ترفض أن يطلق عليها لقب «فيلسوفة»، مفضلة لقب «المنظرة السياسية»؛ لأنها ترى أن العمل في إطاره يركز على البشر كمجموع وليس الإنسان المفرد.
عن شخصيتها وأفكارها المثيرة للجدل يأتي كتاب «حنه آرنت» لمؤلفه سايمون سويفت، وهو محاضر في مادة النظرية الثقافية والنقدية بجامعة ليدز بإنجلترا، وله بحوث وكتابات مهمة عن الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، والرومانسية وعلم الجمال، وفلسفة التنوير والنظرية النقدية. وقد صدر الكتاب حديثاً عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة بترجمة علي الغفاري.
بداية يرى سويفت أن أعمال حنه آرنت تجعلنا مشتبكين نقدياً مع الأزمات الثقافية والفلسفية التي اجتاحت أوروبا في منتصف القرن العشرين، لكن كتاباتها وآراءها لا تزال محتفظة بأهميتها في الفكر المعاصر، خصوصاً دعوتها إلى «خلق مجال عام ثري بالفكر والحوار بأسلوب نقدي وحر».
يوضح المؤلف أن «حنه آرنت» كانت تثير الجدل دائماً، وتعرضت إلى هجوم كبير أثناء حياتها وبعدها، ولكن «لماذا كل هذا الهجوم؟»، الإجابة بسيطة، كما يقول المؤلف، لأن حنه آرنت كانت «تجرؤ على التفكير وتجرؤ على أن تكون شخصاً متفرداً، وتجرؤ على أن تكون إنساناً أولاً قبل أي أن تكون منتمية إلى حزب أو جنسية».
أما المترجم علي الغفاري، فيعزو هذا الهجوم في تقديمه للكتاب إلى أن «آرنت» تسير على خطى كانط الذي كتب مقالته الشهيرة رداً على سؤال: «ما التنوير؟» الذي يحثنا فيها على الخروج من قصورنا وعدم قدرتنا على استخدام فهمنا بعيداً عن قيادة الغير، وأن قصورنا قد لا يكون بسبب غياب الفهم، بل يرجع إلى غياب الجرأة على التفكير لأنفسنا وبأنفسنا، وافتقادنا الجرأة على استخدام فهمنا الخاص. وهذا الجبن والكسل عن التفكير يجعلان الكثير من الناس يظلون عن طيب خاطر يعانون من هذا القصور الذي فرضوه على أنفسهم «حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم من كل قيادة خارجية، وهو الأمر الذي يجعل من السهل على آخرين أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الناس».

- آلة القتل
ترى آرنت في سياق تساؤلاتها حول ما عرف بـ«المحرقة النازية»، أن السبب في ذلك يرجع إلى تحويل البشر إلى آلات فاقدة للقدرة على التفكير بنفسها ولنفسها، وعلى الحكم على الأشياء، وافتقارها للخيال الذي يجعل الشخص يرى من منظور شخص آخر فينمي بذلك ملكة التعاطف الإنساني، ومن هنا تحولت كتل من البشر إلى تروس عادية تافهة في آلة بيروقراطية تنفذ الأوامر بدم بارد ولا تكاد تشعر بأنها تقتل إنساناً مثلها(؟!)... ولهذا السبب، بحسب الكتاب، وصفت آرنت الشر بأنه عادي ومبتذل وتافه. وكانت تقول: «الشر إذن ينبع من داخلنا جميعاً حين نرفض أن نفكر ونجد أنفسنا منصاعين وراء الآخرين فنتقبل آيديولوجية شمولية بأعين مغمضة فنرتكب أبشع الفظائع دون أن يطرف لنا جفن! المجرم ليس فرداً شيطانياً شاذاً نقتله ونستريح؛ إذ إن الإجرام فكر ومبدأ سياسي يحولان البشر العاديين التافهين إلى سفاحين يقتلون بدم بارد».
بنفس هذا المنطق الإنساني أحبت آرنت الإنسان والأصدقاء والأفراد لا العشيرة أو الكيان، وحين اتهمها البعض بأنها كارهة لنفسها ولا تحب شعبها ردت على هذا الاتهام بقولها: «لا يهزني أي حب من هذا النوع لسببين، لم أحب في حياتي أي شعب أو تجمع، لا الشعب الألماني ولا الفرنسي ولا الأميركي ولا الطبقة العاملة ولا أي شيء من هذا القبيل، ولكنني أحب أصدقائي وحدهم ونوع الحب الوحيد الذي أعرفه وأؤمن به هو حبي للأشخاص».
تفاهة الشر
يرى المؤلف أن لحنه آرنت أهمية حاسمة لكل من يريد أن يفهم القصة المأساوية لتاريخ أوروبا في القرن العشرين وكل من يؤمن بصفة عامة بأن التفكير يهدف إلى إضاءة العالم حولنا، فهي تتمتع بمكانة معترف بها في مجالات النظرية السياسية والفلسفة والتاريخ الحديث والدراسات الثقافية، ولها مكانتها داخل سياق الدراسات النقدية التي ساعدتنا على معرفة دور الأدب، خصوصاً السرد الأدبي، في فهم التاريخ وفهم هويتنا الثقافية والسياسية. لقد كانت، كما يقول سايمون سويفت، تعلي من شأن السرد القصصي فوق التفكير الفلسفي. ولقد وفر الأدب لها مصدراً مهماً يسمح لها بانتهاج أسلوب مختلف عن التراث الفلسفي المعتاد. تقول في إحدى مقالاتها المتأخرة: «لا يمكن لأي فلسفة أن تقارن بقصة نسردها جيداً بكل كثافتها وثراء معناها».
وحول محاولتها فهم القطيعة مع التراث الفلسفي تقول: «إننا محتاجون للعودة إلى مفهوم أقدم عن الشر الجذري نأخذه من الميتافيزيقا أو الدين فليس ثمة طريقة أخرى نفهم بها نظاماً يؤدي إلى انحطاط مطلق تفقد فيه الحياة البشرية كل قيمة وتصبح فائضاً». تقول في رسالة لأحد معارفها اتهمها بأنها صنعت من تعبير «عادية الشر» وتفاهته شعاراً كالشعار التجاري، إن للشر سمة من الفساد تبدو على السطح كما في حالة تحلل المواد الطبيعية، و «إنني أرى الآن بالفعل أن الشر ليس جذرياً على الإطلاق وأنه فقط متطرف وليس له عمق ولا أبعاد شيطانية، ويمكنه أن يتضخم تضخماً بالغاً فيبيد العالم بأسره وذلك بالضبط لأنه ينتشر مثل الفطر على سطح الأشياء. إنه يتحدى الفكر كما قلت لأن الفكر يحاول أن يصل إلى بعض العمق ﻻ أن يصل إلى الجذور وحالما يهتم بالشر يشعر بالإحباط لأنه لا يجد شيئاً وهذا معنى عاديته».

- معاداة المرأة
وحول اتهام صاحبة كتاب «في العنف» بعدم مناصرة قضايا المرأة، بل حتى معاداتها، يوضح المؤلف أن أعمال «آرنت» تناولت باهتمام كبير موضوعات مثل الإنجاب والأدائية والجسد، تلك الموضوعات التي كانت أيضاً من المجالات الرئيسية التي تشغل مفكري نصرة المرأة. ويورد الكتاب وصف الشاعرة آدريان ريتش تجربتها في قراءة كتاب «الوضع البشري» لحنه آرنت بقولها: «إن حجب المرأة عن الاشتراك في الحياة النشطة وارتباط هذا بالإنجاب ليس شيئاً تغض الطرف عنه بقدر ما تنظر من خلاله دون أن ترى، وأن تقرأ هذا الكتاب الذي كتبته امرأة ذات روح كبيرة وثقافة ضخمة يمكن أن يصيبك بالألم لأنه يجسد مأساة عقل أنثى تغذى على آيديولوجيات ذكورية».



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.