باريس وكيغالي تسعيان لقلب صفحة مجازر «التوتسي» قبل 27 عاماً

ماكرون يستقبل الرئيس الرواندي بول كاغاميه في الإليزيه يوم الثلاثاء الماضي إبان انعقاد القمة الأفريقية (رويترز)
ماكرون يستقبل الرئيس الرواندي بول كاغاميه في الإليزيه يوم الثلاثاء الماضي إبان انعقاد القمة الأفريقية (رويترز)
TT

باريس وكيغالي تسعيان لقلب صفحة مجازر «التوتسي» قبل 27 عاماً

ماكرون يستقبل الرئيس الرواندي بول كاغاميه في الإليزيه يوم الثلاثاء الماضي إبان انعقاد القمة الأفريقية (رويترز)
ماكرون يستقبل الرئيس الرواندي بول كاغاميه في الإليزيه يوم الثلاثاء الماضي إبان انعقاد القمة الأفريقية (رويترز)

ثمة ملفات تحرص السلطات في أي دولة من الدول أن تبقيها بعيدة عن الأنظار، خصوصاً تلك التي تنقض السردية الوطنية. وفي التاريخ القريب والمعاصر الكثير من الأمثلة التي تؤكد هذه النزعة. ولا تشذ فرنسا عن هذه القاعدة. فما قامت به البلاد في حقبات الاستعمار الطويلة لا أحد يريد التوقف عنده وأكبر دليل على ذلك استعمار فرنسا للجزائر وما ارتكبته القوات الفرنسية والمجموعات المساندة لها من مجازر خلال حرب الاستقلال. وما زال الملف متفجراً. فباريس لا تريد طلب الغفران من الجزائر التي تصر عليه كما تصر على معرفة تفاصيل التجارب النووية التي قامت بها فرنسا حتى بعد استقلال الجزائر. وثمة ملف آخر أقرب إلينا زمنياً «يزعج» السلطات الفرنسية وهو أداء القوات الفرنسية أثناء المجزرة التي شهدتها رواندا في ربيع عام 1994 التي دامت مائة يوم وقضت على 800 ألف ضحية، وفق تقارير الأمم المتحدة، أكثريتهم الساحقة من قبائل «التوتسي» فيما الجلادون كانوا من قبائل «الهوتو» الذين كانوا يمسكون بتلابيب السلطة في البلاد المدنية منها والعسكرية. لا يمكن فهم مغزى الزيارة التي سيقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى رواندا يوم 26 الجاري من غير فهم الخلفية التاريخية والحضور الفرنسي في هذا البلد الذي لم يكن يوماً مستعمرة فرنسية بل بلجيكية. وللحقيقة، يتعين القول إن ماكرون يريد أن يصفي إشكالية الإرث الذي وصل إليه من أسلافه في قصر الإليزيه وهو لا يخاف من ذلك. وزيارته إلى كيغالي، عاصمة رواندا، تأتي بعد استقباله الرئيس بول كاغاميه في الإليزيه يوم الثلاثاء الماضي بمناسبة القمة الأفريقية التي استضافتها فرنسا. بداية، ثمة شكوك قوية حول سياسة فرنسا إزاء رواندا والدور الذي لعبته قواتها في إطار ما يسمى «عملية توركواز». وليس سراً أن علاقات قوية كانت تربط باريس بكيغالي زمن الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران الذي بقي في الإليزيه 14 عاماً «1981 - 1995». فبين الطرفين اتفاقيات تعاون عسكرية واقتصادية وثقافية. وفي الميدان العسكري، كانت باريس المصدر الأول للأسلحة للقوات الرواندية وكان ضباطها وخبراؤها وعملاؤها جزءاً من الهرمية العسكرية بحيث إنه لا يصح الجدل لجهة معرفة باريس بما كانت تحوله السلطات الرواندية بالنسبة لجماعة «التوتسي» الذين أعلنوا الحرب، بقيادة بول كاغاميه، على نظام الرئيس جوفينال هابياريمانا. وكانت نقطة البداية للمجازر واسعة النطاق إسقاط كطائرة الرئيس لدى عودته من زيارة للخارج بواسطة صاروخ اتهمت السلطات جماعة «التوتسي» بالمسؤولية عنها. وجاء في تقرير أعده مركز «ليفي فايرستون ميوز» الأميركي، بناء على تكليف من كيغالي، أن فرنسا لعبت دوراً مهماً في المجازر. اعتبر التقرير، وفق حرفية إحدى أهم فقراته أن «خلاصتنا أن الدولة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة لأنها أتاحت حصول مجزرة كان منتظراً وقوعها».
ويضيف معدو التقرير أن المسؤولين الفرنسيين استمروا في تقديم الدعم لنظام هابياريمانا رغم وضوح نياته في القضاء على «التوتسي». كذلك فإنهم يبدون تعجبهم من امتناع السلطات الفرنسية عن الاعتراف بدورها أو تقديم الاعتذار من الشعب الرواندي. وتتناغم هذه الخلاصات مع تقرير طلب ماكرون إعداده من المؤرخ الفرنسي فانسان دوكليرت الذي رفعه إليه نهاية مارس (آذار) الماضي وفيه يؤكد أن فرنسا «تتحمل مسؤوليات ثقيلة وكاسحة» في مأساة المجزرة خصوصاً لأنها «غضت النظر عن التحضير للمجزرة». لكن معد التقرير يشير إلى أن باريس كانت «شريكة» في المجزرة رغم أن مصادر عديدة تؤكد أنها استمرت في تقديم السلاح للقوات الرواندية المسؤولة مع الميليشيات القريبة من النظام ورئيسه وزوجته بعد انطلاق عمليات الإبادة. هذان التقريران لقيا استحسان الرئيس الرواندي الحالي. وفي معرض تقديمها لزيارة ماكرون إلى كيغالي، قالت مصادر الرئاسة إنه يريد «فتح صفحة جديدة» من العلاقات بين فرنسا ورواندا. وسبق للرئيس الرواندي أن أعلن خلال إقامته في باريس بداية الأسبوع الماضي أن البلدين يملكان حالياً «قاعدة صلبة» لإعادة إطلاق علاقاتهما وأنهما «راغبان في السير إلى الأمام معاً».
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية بينهما قد قطعت ما بين عام 2006 و2009. ومنذ مجيء ماكرون إلى السلطة في عام 2017، بدأت مسيرة التقارب بينهما. وقالت المصادر الرئاسية إن ماكرون الذي سينتقل من رواندا إلى جنوب أفريقيا سيركز على المسائل السياسية والاقتصادية والصحية «كوفيد 19» والرقمية والبيئية. إلا أنها امتنعت عن الإشارة إلى احتمال أن يقدم الرئيس الفرنسي اعتذاراً رسمياً باسم بلاد لأهالي الضحايا التي سقطت إبان المجزرة الواسعة. ولدى سؤال كاغاميه عما إذا كان يطالب بتقديم الاعتذار رد بأنه يتمنى ذلك من غير المطالبة به.
تمثل الكلمة التي سيلقيها ماكرون في النصب التذكاري «جيسوزي» محطة رئيسية. وقالت المصادر الرئاسية إنها «تتمنى العثور على الكلمات المناسبة» للحديث إلى ذوي الضحايا. وما يريده ماكرون هو «تصالح الذاكرتين» الفرنسية والرواندية من أجل الذهاب إلى الأمام.
تأتي زيارة ماكرون بعد 27 عاماً على مجازر عام 1994. وما تريده باريس «تطبيع» العلاقات مع كيغالي. من هنا، فإن باريس سوف تقترح تعيين سفير فرنسي في العاصمة الرواندية. ومن المقرر أن يدشن ماكرون «المركز الثقافي الفرنكوفوني» الذي سيكون دوره الترويج للثقافة الفرنسية إلى جانب الترويج الإنتاج الثقافي والفني الفرنكوفوني».
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الفرنكوفونية العالمية ترأسها الرواندية لويز موشيكيوابو.
- باريس تعتبر تقرير الأمم المتحدة «متحيزاً» ضد قوة برخان في مالي
ندد رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال فرنسوا لوكوانتر السبت بما اعتبره «تحيزاً» بحق قوة برخان الفرنسية إثر تحقيق للأمم المتحدة بشأن غارة قتل فيها 19 مدنياً كانوا مجتمعين لحضور حفل زفاف في وسط مالي. وقال لوكوانتر في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية «بوضوح شديد، يتصل الأمر بهجوم على الجيش الفرنسي، على عملية برخان، على مشروعية التزاماتنا». واعتبر أن «الأخطاء» التي وردت في تقرير إدارة حقوق الإنسان التابعة لبعثة الأمم المتحدة في مالي وما تضمنه من «تحيز»، «تنبع في جزء منها من عملية تلاعب». وخلص التحقيق، كما نقلت الصحافة الفرنسية، إلى أن ضربة جوية قادها الجيش الفرنسي استهدفت مدنيين مجتمعين في حفل زفاف قرب بونتي بوسط البلاد، وليس فقط متشددين وفق تأكيد باريس التي تقول إنها لم ترتكب أي خطأ. وأضاف لوكوانتر: «أعتقد أننا سنواجه في شكل منهجي محاولات مماثلة سعياً إلى إعاقة عملنا وتشويه صورتنا ونزع المشروعية عما نقوم به وتحريض السكان ضد عملنا». ومنذ عمليات تمرد انفصالية في 2012 في شمال البلاد، تواجه مالي اضطرابات متعددة الشكل خلفت آلاف القتلى من مدنيين ومقاتلين ومئات آلاف النازحين رغم تدخل قوات أممية وأفريقية وفرنسية.



وفاة زعيم محلي في مالي اختطفه تنظيم «القاعدة»

تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)
تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)
TT

وفاة زعيم محلي في مالي اختطفه تنظيم «القاعدة»

تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)
تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)

أعلن تنظيم «القاعدة» أن زعيم مجموعة محلية يتمتع بنفوذ واسع في مالي ومنطقة غرب أفريقيا توفي حين كان رهينة بحوزة مجموعة تابعة للتنظيم، في حادثة أثارت ردود فعل غاضبة، ومطالب شعبية في مالي والسنغال بالانتقام من التنظيم الإرهابي.

وكانت «جبهة تحرير ماسينا» التي تتبع تنظيم «القاعدة» وتنشط في وسط دولة مالي قد اختطفت الزعيم تييرنو أمادو تال، قبل أكثر من أسبوع حين كان يتحرك في موكب من أتباعه على متن عدة سيارات، على الحدود مع موريتانيا.

ويعد تال زعيم طريقة صوفية لها امتداد واسع في مالي والسنغال وموريتانيا، وعدة دول أخرى في غرب أفريقيا، ويتحدر من قبائل «الفلاني» ذات الحضور الواسع في الدول الأفريقية.

أمادو كوفا زعيم «جبهة تحرير ماسينا» الذي خطف أمادو تال... وأعلن عن وفاته (متداول- موقع «القاعدة»)

واشتهر تال بمواقفه المعتدلة والرافضة للتطرف العنيف واستخدام القوة لتطبيق الشريعة، كما كان يركز في خطبه وأنشطته على ثني شباب قبائل «الفلاني» عن الانخراط في صفوف تنظيم «القاعدة».

تال يتحدر من عائلة عريقة سبق أن أسست إمارة حكمت مناطق من مالي والسنغال وغينيا، خلال القرن التاسع عشر، وانهارت على يد الفرنسيين، ولكن العائلة ظلت حاضرة بنفوذها التقليدي.

تشير مصادر محلية إلى أن تال ظهر مؤخراً في موقف داعم للمجلس العسكري الحاكم في مالي، وخاصة رئيسه آسيمي غويتا، وكان ذلك السبب الذي دفع تنظيم «القاعدة» إلى استهدافه.

ولكن مصادر أخرى تشير إلى أن التنظيم الإرهابي كان ينوي اختطاف تال واستجوابه من أجل الحصول على معلومات تتعلق بالحرب الدائرة ضد الجيش المالي المدعوم من «فاغنر»، ولكن الأمور سلكت مساراً آخر.

ونشر أمادو كوفا، زعيم «جبهة تحرير ماسينا»، مقطعاً صوتياً جرى تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن فيه وفاة تال بعد عملية الاختطاف «أثناء نقله إلى موقع كان من المقرر استجوابه فيه».

وأشار زعيم الجماعة الإرهابية إلى أنهم كانوا ينوون تقديم تال للمثول أمام «محكمة» بخصوص تهمة «العمالة» لصالح السلطات المالية، مؤكداً أنه أثناء نقله نحو مكان المحاكمة «فارق الحياة»، وذلك بعد أن تعرض للإصابة خلال محاولة الاختطاف، وتسببت هذه الإصابة في وفاته بعد ذلك.

وكان التنظيم ينفي بشكل ضمني أن يكون قد «أعدم» زعيم طريقة صوفية لها انتشار واسع في دول غرب أفريقيا، ولكن الظروف التي توفي فيها لا تزالُ غامضة، وتثير غضب كثير من أتباعه الذين يقدرون بالملايين.

وقال أحد أفراد عائلة تال إنهم تأكدوا من صحة خبر وفاته، دون أن يكشف أي تفاصيل بخصوص الظروف التي توفي فيها، وما إن كانوا على تواصل بتنظيم «القاعدة» من أجل الحصول على جثمانه.

وتثير وفاة تال والظروف التي اكتنفتها مخاوف كثير من المراقبين، خاصة أنه أحد أبرز الشخصيات النافذة في قبائل «الفلاني»، وتوفي حين كان بحوزة أمادو كوفا الذي يتحدر من نفس القبائل، ويعد أحد أكبر مكتتبي شباب «الفلاني» في صفوف «جبهة تحرير ماسينا»، مستغلاً إحساس هذه القبائل بالغبن والتهميش.

ويزيد البعد القبلي من تعقيد تداعيات الحادثة، وسط مخاوف من اندلاع اقتتال عرقي في منطقة تنتشر فيها العصبية القبلية.

في هذه الأثناء لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة المالية حول الحادثة التي أسالت الكثير من الحبر في الصحافة المحلية، كما حظيت باهتمام واسع في السنغال المجاورة.