الفلسطينيون يحتفلون بـ«النصر» والإسرائيليون يتحدثون عن «تغيير المعادلة»

«حماس» تقول إن يدها «على الزناد»

فلسطينية توزع حلوى في الأقصى بمناسبة وقف النار في غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية توزع حلوى في الأقصى بمناسبة وقف النار في غزة (أ.ف.ب)
TT

الفلسطينيون يحتفلون بـ«النصر» والإسرائيليون يتحدثون عن «تغيير المعادلة»

فلسطينية توزع حلوى في الأقصى بمناسبة وقف النار في غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية توزع حلوى في الأقصى بمناسبة وقف النار في غزة (أ.ف.ب)

في الوقت الذي خرج فيه عشرات ألوف الفلسطينيين إلى الشوارع يحتفلون بالنصر ويرفعون شارات النصر بأصابعهم، وهم يقفون فوق ركام الدمار في قطاع غزة، ويعدّون وقف النار هزيمة للاحتلال، انطلقت في إسرائيل حملة حساب عسير وسط اتهامات للحكومة والجيش بالفشل وانتقادات لـ«الإسراع» في وقف النار قبل تحقيق أهداف العملية.
وأطلقت الشرطة الإسرائيلية أمس، قنابل الصوت على فلسطينيين خلال مواجهات خارج المسجد الأقصى في القدس. وقال ميكي روزنفيلد، المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، إنه جرى إلقاء الحجارة على ضباط إسرائيليين عند إحدى بوابات الأقصى و«ردت الوحدات ودخلت منطقة الحرم القدسي. وهي تتعامل مع هذه الاضطرابات بهدف احتواء الموقف». وأفاد الهلال الأحمر بالقدس بأن طواقمه تعاملت مع 20 إصابة خلال المواجهات في المسجد الأقصى.
وفي أعقاب خروج وسائل إعلام إسرائيلية وعدد من السياسيين والخبراء العسكريين بانتقادات شديدة لأداء الحكومة والجيش والمخابرات في الحرب على غزة، أشاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أمس، بما وصفها بـ«عملية نوعية حققت لإسرائيل إنجازات غير مألوفة». وأضاف أنه «عندما خرجنا لشن العملية العسكرية حددت غايتها المركزية: إعادة الهدوء من خلال ترسيخ الردع، وتوجيه ضربة شديدة للمنظمات الإرهابية. وهكذا فعلنا». وكان نتنياهو يتحدث في مؤتمر صحافي، عُقد ظهر أمس (الجمعة)، في مقر وزارة الأمن في تل أبيب، إلى جانب وزير الأمن بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، ورئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك) ناداف أرغمان.
ورد نتنياهو على الانتقادات الشديدة على أدائه منذ بداية الحرب والاتهامات له بأنه بادر إلى هذه الحرب لخدمة مصلحته الشخصية لإفشال جهود تشكيل حكومة مناوئة له، وتقوية مكانته كرئيس حكومة، وإجهاض محاكمته بمخالفات فساد جنائية، فقال: «هذه افتراءات. فقد وجّهنا ضربات كاسحة إلى (حماس) وتنظيماتها وأعدناها إلى الوراء سنين طويلة. فليس كل شيء معروف للجمهور الآن، وليس لـ(حماس) أيضاً، لكن سيتم الكشف عن مجمل إنجازاتنا بمرور الزمن». وأضاف: «في هذه المرحلة بإمكاني القول إننا نفّذنا أموراً جريئة جديدة وغير مسبوقة، من دون الانجرار إلى مغامرات غير ضرورية. ولو كانت هناك حاجة إلى اجتياح قطاع غزة ودخوله بقوات برية، لفعلنا ذلك، لكني اعتقدت هذه المرة أننا مقابل الهدف الذي وضعناه سنتمكن من تحقيق نتائج أفضل بطرق أخرى وآمنة أكثر. وألحقنا ضرراً بالغاً بـ(حماس) بالحد الأدنى من الإصابات في إسرائيل. فـ(حماس) تلقّت ضربات لم تكن تتخيل وجودها ولا في الكوابيس والأحلام».
وتفاخر نتنياهو بالعمليات النوعية التي نفّذها جيشه، والتي رأى فيها الفلسطينيون «تدميراً رهيباً» وحظيت بانتقادات في جميع أنحاء العالم، فقال: «قمنا بتدمير الأنفاق الهجومية، بطول 100 كيلومتر، وهذا إنجاز هائل لم يحقق مثله أي جيش في العالم حتى اليوم. ودمّرنا تسعة أبراج إرهابية وعشرات البيوت للقادة. ولا أحد من هذه الأهداف كان بريئاً. هذه مكاتب لـ(حماس) ومقرات قيادة ومخازن أسلحة لها. استهدفنا مصانع قذائف صاروخية ومختبرات ومخزونات أسلحة. وكل هذا من خلال حد أدنى باستهداف مدنيين غير ضالعين في القتال».
وقال نتنياهو: «لقد غيّرنا المعادلة ليس فقط في أيام العملية العسكرية وخلالها، وإنما غيّرناها للمستقبل أيضاً. وإذا اعتقدت (حماس) أننا سنتحمل تقطير القذائف الصاروخية، فإنها مخطئة. وسنردّ بقوة أخرى على أي مظاهر عدوانية ضد سكان غلاف غزة أو أي مكان آخر». وتابع: «الدمار الذي جلبوه على أنفسهم بأيديهم أصبحوا يعرفونه. وهم يعلمون أننا أعدناهم سنوات إلى الوراء».
أما وزير الأمن، بيني غانتس، رئيس حزب «كحول لفان»، فقال إن «قوات الأمن والجيش الإسرائيلي أظهروا في الأيام الأخيرة القدرات الاستخباراتية والعمليات بالغة القوة في تاريخ دولة إسرائيل. وحققنا الغايات العسكرية التي وضعناها. وجبينا ثمناً باهظاً جداً من (حماس). ودمرنا منظومة الأنفاق، وقتلنا أكثر من 200 ناشط إرهابي، بينهم قادة كبار جداً. ونجحنا في إحباط خطط (حماس) لتنفيذ عمليات تسلُّل، وإرسال طائرات مسيّرة وغير ذلك».
وأضاف: «في هذه المرحلة انتهى العمل العسكري وحان وقت العمل السياسي. والعمل السياسي لا يعني اتفاقاً خاطفاً، وإنما تحريك خطوات طويلة الأمد ستُضعف المتطرفين وتعزز وتربط بين المعتدلين وتعززهم. وأنا تكلمت اليوم مع قادة الدول العربية المعتدلة. يحظر علينا إغلاق الباب الذي فُتح. وإذا لم نعمل سياسياً بسرعة وبشكل صحيح، ستسجَّل عملية حارس الأسوار (هكذا يسمّون العملية الحربية الأخيرة على غزة) كجولة أخرى في الطريق إلى العملية العسكرية القادمة. ولا يوجد تفويض لحكومة إسرائيل بتحويل إنجاز عسكري غير مسبوق إلى إهدار فرصة سياسية».
وتكلم رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، فقال: «(حماس) ارتكبت خطأ جسيماً بإطلاقها قذائف صاروخية باتجاه دولة إسرائيل. إنها ببساطة تقرأ قوتنا بشكل صحيح واصطدمت بقوة هجومية وأنظمة دفاعية لم تشهدها ولم تتوقعها من قبل. وسيستغرق العدو وقتاً طويلاً كي يدرك حجم قوة الضربة التي تلقاها». وتابع كوخافي أنه «بالنسبة لي وللجيش الإسرائيلي، انتهى الأمر ولكنه لم يكتمل. ونحن على استعداد إلى العودة والعمل بقوة بالغة في أي وقت».
وتكلم رئيس «الشاباك»، ناداف أرغمان، فقال إن «هذه العملية العسكرية هي نتيجة استعدادات دقيقة وعمل استخباراتي ممتاز للجيش الإسرائيلي و(الشاباك). وهي ليست مشابهة لعمليات عسكرية سابقة من حيث الضربة التي تلقتها (حماس). وبإمكان هذه العملية أن تكون عملية تغيير واقع، وذلك وفقاً لأدائنا منذ الآن فصاعداً. لقد تغيرت قواعد اللعبة».
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت تقارير، صباح أمس، تحتوي على انتقادات شديدة للحكومة والجيش. وروت أن هذه الانتقادات وصلت إلى طاولة الحكومة نفسها، إذ إن عدة وزراء وجّهوا انتقادات شديدة اللهجة لأداء المؤسسة الأمنية في الحرب على غزة، فيما وجه السياسيون والخبراء انتقادات إلى الحكومة. وفي جلسة المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت)، التي عُقدت مساء الخميس، لإقرار وقف إطلاق النار. وقال الموقع الإلكتروني لصحيفة «هآرتس» إن نتنياهو والوزراء الأعضاء في الكابينيت يبدون قلقين من نتائج «العملية العسكرية» التي يُظهرها الفلسطينيون وعدد من الإسرائيليين على أنها انتصار لحركة «حماس».
وحسب تقارير عديدة في جميع وسائل الإعلام، فإن وزراء في «الكابينيت» وصفوا العملية بأنها «عديمة الفائدة، لعجزها عن طرح أهداف من شأنها (تغيير واقع الهجوم) الإسرائيلي على القطاع، ولم تحقق أي نتيجة عملياتية ناجحة». وقال أحد الوزراء إن سلاح الجو الإسرائيلي «فشل في تدمير معظم الأنفاق الدفاعية لـ(حماس)، والتي كانت إحدى المهام الرئيسية للعملية العسكرية. كما انتقدوا تجنب القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل، اجتياح القطاع وتنفيذ عملية برية، والاكتفاء بضربات معظمها جوية. وعدّوا عدم التمكن من اغتيال قيادات بارزة في حركة (حماس) بحجم يحيى السنوار أو محمد الضيف، فشلاً كبيراً للجيش الإسرائيلي».
- «حماس»: «يدنا على الزناد»
في غضون ذلك، قال عزت الرشق عضو المكتب السياسي لـ«حماس»: «اليوم تقف هذه المعركة صحيح، لكن فليعلم نتنياهو وليعلم العالم كله أن يدنا على الزناد وأننا سنبقى نُرَاكِم إمكانيات هذه المقاومة ونقول لنتنياهو وجيشه: إن عدتم عدنا». ومضى قائلاً لـ«رويترز» في الدوحة إن مطالب الحركة تتضمن أيضاً حماية المسجد الأقصى والكف عن إخراج الفلسطينيين من ديارهم بالقدس الشرقية، وهو ما وصفه الرشق بأنه «خط أحمر». وأضاف: «ما بعد معركة (سيف القدس) ليس كما قبلها، فشعبنا الفلسطيني التفّ حول المقاومة ويعلم أن المقاومة هي التي سوف تحرر أرضه وتحمي مقدساته».
أما رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، فشكر إيران أمس، على دعمها «المقاومة» الفلسطينية بالمال والسلاح، مؤكداً الاستعداد لما بعد المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل. وقال هنية في كلمة متلفزة بُثّت عبر فضائية «الأقصى» التابعة لـ«حماس»: «ما بعد معركة (سيف القدس) ليس كما قبلها (...) سنحضر أنفسنا لمرحلة بعد (سيف القدس) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى»، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال: «نعد هذه المعركة قفزة نوعية في تاريخ الصراع ونقطة تحول كبيرة جداً، سيقرأها كل صناع القرار داخل العدو».
وكان وقف إطلاق النار قد بدأ في الثانية من فجر أمس (الجمعة)، بعد أن أعلنت كل من إسرائيل والفصائل بقيادة «حماس»، الموافقة على المقترح المصري. وقال المتحدث باسم نتنياهو إن إسرائيل «وافقت على المقترح المصري لوقف إطلاق النار من الطرفين، ودون أي شروط». وفي المقابل، أعلنت كل من «حماس» و«الجهاد»، الموافقة رسمياً على المقترح المصري.
وقد أكدت القاهرة إيفاد وفدين أمنيين منفصلين، أحدهما إلى تل أبيب والآخر إلى المناطق الفلسطينية، لمتابعة إجراءات التنفيذ والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التي من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة. وفُهمت هذه الصياغة في الجانب الفلسطيني على أنها تعني التداول في موضوع القدس. فسارعت مصادر سياسية إسرائيلية إلى نفي ذلك. وقالت في تصريحات إعلامية إن «ادعاءات (حماس) بشأن وجود تفاهمات تتعلق بالقدس والحرم القدسي وحي الشيخ جراح، ضمن وقف إطلاق النار هو أمر متخيَّل ولا أساس له من الصحة».
وعلى أثر إعلان وقف النار، في الثانية فجراً، خرج عشرات ألوف الفلسطينيين إلى الشوارع في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، يطلقون زمامير السيارات ويطلقون الرصاص والألعاب النارية في الهواء ويلوّحون بأعلام فلسطين وأعلام «حماس» و«الجهاد» و«فتح» ويجوبون الشوارع بالسيارات وبمسيرات المشي ويكبّرون تكبيرات العيد الذي حُرموا من تعييده. كما خرج أطفال غزة، أمس، يرتدون ملابس العيد. ولكن الفرحة انتُزعت، حالما بدأ أصحاب البيوت المشردون يعودون إلى بيوتهم فيرونها ردماً أو حطاماً أو مصابة بأضرار تُفقدها صلاحية السكن، وأصحاب الحوانيت الذين لم يستطيعوا التعرف بسهولة على حوانيتهم من شدة الأضرار التي سبّبها القصف الإسرائيلي.
وفي المقابل، بقي الإسرائيليون سكان البلدات الجنوبية، خصوصاً المحيطة بقطاع غزة، في الملاجئ وفق تعليمات الدفاع المدني تحسباً من «خدعة فلسطينية» وتجدُّد القصف. وراح قادتها المحليون في السلطات البلدية ينتقدون الحكومة على وقف النار ويقولون إن الحكومة لا تهتم لهم وإنما تهتم فقط بسكان تل أبيب وضواحيها. وإنها أضاعت فرصة لتركيع «حماس» وقطع شرها تماماً عنهم. ولكن في تل أبيب امتلأت المطاعم والنوادي الليلية بالمواطنين.
وأجمعت الفصائل الفلسطينية أمس، على اعتبار وقف إطلاق النار نتيجة «للصمود الأسطوري» لأهل قطاع غزة. واستخدم كثيرون من قادة الفصائل في قطاع غزة كلمة انتصار. ورحب الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه محمد أشتية، بها. وأكدوا أن وقف النار لا يعني وقف النضال السلمي لأجل القدس وصد مخططات الاستيطان والتهويد الإسرائيلية إزاءها والمساس بالمسجد الأقصى المبارك.
وقد أشادت الرئاسة الفلسطينية، في بيان، بالجهود التي بذلتها مصر وقطر والأردن والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتحقيق وقف النار. ووجّهت الرئاسة «التحيات لصمود وتضحيات شعبنا في قطاع غزة، وتحدي المقدسيين للإجراءات الإسرائيلية والحراك الشعبي السلمي في الضفة، والذي جاء متزامناً من جهود مصرية وعربية وأميركية، واتصالات فلسطينية على مدار الساعة، بما في ذلك التحرك تجاه مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان».
وأصدر رئيس الوزراء الفلسطيني د.محمد أشتية، بياناً أشاد هو أيضاً «بنجاح الجهود الدولية التي بُذلت طيلة الأيام الماضية والتي قادتها جمهورية مصر العربية الشقيقة لوقف العدوان الإسرائيلي على أهلنا في قطاع غزة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.