لبنان: خطة ترشيد الدعم لن تشمل الفلسطينيين

التعويل على مساعدة دولية خاصة بهم

TT

لبنان: خطة ترشيد الدعم لن تشمل الفلسطينيين

على بُعد أيام من انتهاء شهر مايو (أيار) الذي تنفد معه أموال الاحتياط الأجنبي من مصرف لبنان، كما أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، لا تزال خطة ترشيد الدعم عن المواد الأساسية غير واضحة المعالم، ولكن ما بات مؤكداً أنها لن تشمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فهؤلاء الذين وسّعت الأزمة الاقتصادية رقعة الفقر بينهم لتصل إلى حدود الـ90% سيفقدون قريباً ما تبقى من قدرتهم الشرائية إلا إذا وجدوا دعماً خاصاً بهم من مصادر دولية.
ينظر البعض إلى استثناء الفلسطينيين من خطة الدعم على أنه استكمال للنهج الذي اتبعته الحكومة اللبنانية في التعامل معهم بدءاً من التضييق عليهم ومنعهم من العمل في كثير من المجالات مروراً بحرمانهم من عدد كبير من حقوقهم كلاجئين تنص عليها الاتفاقيات الدولية وصولاً إلى حرمان اللبنانية من إعطاء جنسيتها لأولادها بحجة أن عدداً من هؤلاء الأولاد فلسطينيون وإعطاء الجنسية يعني بطريقة غير مباشرة توطينهم، بينما يقارب آخرون الموضوع من زاوية اقتصادية بحتة باعتبار أن لبنان بلد غير قادر على تأمين حياة كريمة لأبنائه فكيف للاجئين على أراضيه.
وفي هذا الإطار يرى رئيس «لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني» الوزير السابق حسن منيمنة أنه ومن حيث المبدأ كان من الطبيعي وربما من الواجب أن تشمل الخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية لترشيد الدعم كل المقيمين على الأراضي اللبنانية من دون أي استثناء تماماً كما حصل في خطة التلقيح ضد وباء «كورونا»، وبالتالي كان يجب أن تشمل الفلسطينيين المعترف بهم من الحكومة كلاجئين لا سيما في ظل انعكاس الأزمة الاقتصادية السياسية الاجتماعية التي يعاني منها البلد على هذه الفئة، وتَرافُق ذلك مع الأزمة المتمادية التي تعاني منها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) المتمثلة بالعجز المالي على الرغم من عودة الولايات المتحدة ولو جزئياً إلى دعمها.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى «أونروا» في لبنان أكثر من 460 ألف لاجئ، بينما تشير أرقام إدارة الإحصاء المركزي اللبنانية لعام 2017 إلى وجود 174 ألفاً و422 لاجئاً فلسطينياً يتوزعون على 12 مخيماً و156 تجمعاً. ويقيم نحو 45% من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات مقارنةً مع 55% منهم يعيشون في التجمعات الفلسطينية والمناطق المحاذية، مع تركز في منطقة صيدا (جنوب لبنان) بواقع 35.8% تليها منطقة الشمال بواقع 25.1% وفي بيروت بواقع 13.4%.
ولا توجد إحصائيات رسمية حديثة عن نسب البطالة والفقر بين اللاجئين الفلسطينيين ولكن الخبراء يقدّرون أن نسبة الفقر بينهم تجاوزت الـ90% بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، بينما يقدّرون نسبة البطالة بـ80%.
وينطلق هؤلاء من دراسة أجرتها «أونروا» والجامعة الأميركية في بيروت في عام 2015 أشارت إلى أن 65% من الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة البطالة عند الفلسطينيين بلغت 56%، وكانت دراسة أعدّتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) قد أشارت إلى تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان العام الماضي.
ويضيف منيمنة في حديث مع «الشرق الأوسط» أن لبنان يعيش على حافة انهيار اقتصادي شامل وواسع وحكومته عاجزة عن تأمين أدنى الاحتياجات الأساسية للبنانيين، وربما كان هذا من العناصر الأساسية التي دفعتها إلى حصر تقديم الدعم للبنانيين انطلاقاً من قلة الإمكانيات الداخلية وضعف الدعم الخارجي، مشيراً إلى عامل آخر وهو اعتبار المسؤولين اللبنانيين أن مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين تقع على عاتق «أونروا» التي يُفترض أن تهتم بإغاثتهم وتشغيلهم.
وانطلاقاً من هذا الواقع يوضح منيمنة أن اللجنة ركزت ومن خلال الاجتماع مع كل من المفوض العام لوكالة «أونروا» فيليب لازاريني، ونائبته اللذين زارا لبنان مؤخراً، على ضرورة إعلان حالة طوارئ خاصة باللاجئين الفلسطينيين وإيجاد جهد خاص أو إضافي لتأمين الدعم لهم لا سيما أن البطالة المتفشية بينهم تعدت الـ80%.
وأوضح منيمنة أن هناك سعياً لتقديم «أونروا» مساعدات عينية ومباشرة وتأمين كل ما يلزم لسد هذه الثغرات الناتجة عن تدهور الأوضاع في لبنان، فضلاً عن السعي مع «أونروا» لتأمين دعم مباشر خاص للاجئين الفلسطينيين في لبنان من الدول المانحة من خارج نطاق موازنة «أونروا» ومساهمتها.
ويرى أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت والمشرف على مرصد الأزمة ناصر ياسين، أنه يجب على المعنيين مقاربة موضوع ترشيد الدعم بطريقة صحيحة لأن أي نوع من التمييز كاستثناء الفلسطينيين من خطة الدعم أو عدم استثنائهم على حساب اللبنانيين قد يولّد توترات وحساسيات، لذلك لا بد من إيجاد طريقة لدعم الفلسطينيين الموجودين في لبنان ربما عن طريق التعاون مع «أونروا» والمجتمع الدولي لا سيما أن الفلسطينيين بوصفهم لاجئين يجب أن يبقوا تحت الحماية الدولية.
وفي حين يقدّر ياسين أن تكون تكلفة البطاقات التمويلية المخصصة للفلسطينيين (لو كان الدعم سيشملهم) نحو 5 ملايين دولار شهرياً، وهذا مبلغ ليس بسيطاً في ظل ما يعانيه لبنان وهو الذي يبحث عن تمويل الدعم بين مساعدات وقروض خارجية وبين مصرف لبنان، يؤكد ضرورة تأمين مساعدات مباشرة للفلسطينيين من جهات دولية حتى لا يفقدوا ما تبقى لديهم من قدرة شرائية.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.