سنوات السينما

علاقة متناقضة: «الرحلة الكبرى»
علاقة متناقضة: «الرحلة الكبرى»
TT

سنوات السينما

علاقة متناقضة: «الرحلة الكبرى»
علاقة متناقضة: «الرحلة الكبرى»

- الرحلة الكبرى (2004)
- ★★★
- الطريق إلى الحج
واحد من الأفلام العربية القليلة التي طرحت مفهوم التباين بين جيلين يقف كل منهما على طرف النقيض عموماً وفي تفاعله مع الإسلام على الأخص. حققه المغربي إسماعيل فرّوخي وبعض المراجع تقول إنه مستوحى من تجربة شخصية.
تنطلق الأحداث من باريس حيث يعيش الأب المهاجر (محمد مجد) وابنه (نيقولا غزالي). الأب من مواليد المغرب وما زال يحفظ تقاليده وعاداته ويلتزم بتعاليم الدين الحنيف، أما ابنه فقد وُلد في باريس وخرج عن تلك التعاليم بحيث لم يعد يفقه منها شيئاً. في مطلع الفيلم يقرر الأب السفر إلى الحج ويقرر طريقة السفر: سوف سيقطع المسافة من فرنسا إلى المملكة العربية السعودية بالسيارة لأن في ذلك الجهد بركة. على ابنه أن يقوده إلى مقصده بسيارته الحمراء القديمة شاء أو أبى. وهو أبى لكنه في النهاية انصاع.
من البداية هي رحلة في اتجاهين متعاكسين: اتجاه يسعى للآخرة واتجاه يريد الدنيا لأنه لا يعرف سواها. وهناك الكثير من المناسبات على هذا الطريق الطويل لتفجير عبوات التناقض بين الأب وابنه.
الرحلة بحد ذاتها شائكة وصعبة حتى ولو كانا على صفحة واحدة. كل منهما يعارض الآخر في كل تفصيل وكل لفتة والأب سريعاً ما يرمي هاتف ابنه المحمول في الماء. بوصولهما إلى تركيا، ينفجر الوضع مرّة أخرى إذ وقعا في خديعة رجل تركي سرقهما والابن هو الذي وثق به.
تستفيد المشاهد الواقعة في الثلث الأول من الفيلم من الطبيعة الخاصة للمناطق الباردة والثلجية التي يمرّان بها. بعد ذلك، في تركيا، يدخل الفيلم في معطيات الشخصية التركية وما جلبته إليهما من متاعب. لكن حين دخول الفيلم سوريا يصل الخلاف إلى ذروته. سجالات عديدة لكنها تميد لذوبان الجليد بينهما وقد قاربا دخول السعودية. ربع الساعة الأخيرة مهمّة جداً لكل ما سبق وللعلاقة التي محّصها المخرج بين الأب وابنه، لكنها كان يمكن لها أن تأتي أفضل تنفيذاً.
نوايا الفيلم، ومخرجه، لا غبار عليها. لكن فرّوخي شغل نفسه أكثر بالخلافات بحيث منع عن الفيلم البحث عن هوية خاصة به. كان يحتاج إلى سيناريو يمنع عن الفيلم قدراً مشهوداً لا من تكرار المواقف والحوارات. يتوقع المرء حدوث تطوّر من نوع أن يفهم كل منهما الآخر باكراً وبالتدرّج المريح لئلا يكون الانقلاب مباغتاً وبلا مبرر.
‫كان «الرحلة الكبرى» فيلم مخرجه الأول. إنتاج فرنسي - مغربي تناوله مهرجان فينيسيا في عرض عالمي أول ومنحه جائزة لويجي دي لارونتيس كأفضل فيلم أول. بعده انصرف لفيلم «طفولات» (Enfances) بعد ثلاث سنوات. ذاك كان فيلماً فرنسياً بالكامل إنتاجاً وموضوعاً. بعده عاد المخرج (سنة 2011) لموضوع البحث عن الهوية والعلاقات الشائكة في «رجال أحرار» حول جزائري يعيش في باريس خلال الحرب العالمية الثانية ينضم إلى جيش التحرير الفرنسي ويتعرّف على يهودي يقاتل في الجبهة ذاتها. هذا الفيلم جمع عدداً من الممثلين العرب المهاجرين مثل محمد شلبي ولبنا أزابال وطاهر رحيم (في دور البطولة) كما لعب الراحل ميشيل لونسدال دور رجل عربي اسمه سي قادر.‬
في العام الماضي حقق فروخي فيلمه الرابع «ميكا» الذي شهد عرضاً محدوداً بطيعة الحال (نسبة لانتشار كورونا) لكن المستوحى من ملخّصه المنشور هو أنه يتناول أوضاع مغاربة وجزائريين لديهم طموح احتراف كرة القدم.

★ ضعيف| ★ ★ : وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.