للمفكر التونسي عبد المجيد الشرفي، الذي يكتب بالفرنسية، صدرت ترجمة عربية لكتاب «الفكر الإسلامي: القطيعة والوفاء» عن «دار الجنوب للنشر»، وكان النص الأصلي قد صدر سنة 2008.
ويدعو المؤلف في هذا الكتاب إلى ضرورة مواكبة جديد البحوث العلمية المتنوعة؛ لأن درب التقدّم في نظره مرتهن بـ«الثورة المعرفيّة الداحضة للوعي الأسطوري»، والتشخيص العلمي الصارم للواقع من أجل تحقيق ثنائيّة التقدّم والتنميّة رفضاً منه للحلول الخياليّة، مع تأكيده على ضرورة توطيد سلطة الشعب؛ لأن «القضايا الحقوقيّة هي جوهر المواطنة، وليست مجرّد شعارات تسويقيّة أو هدية يتكرّم بها سادة الحكم».
ثم يتطرّق المؤلّف إلى إشكالات الثقافويّة والشوفينيّة، ومعضلات ما يسميه «الوعي التسليمي - القطيعي»، والتحالفات بين قوى التسلّط المعادية للتأويل والاجتهاد والتنشئة التربويّة ذات المضامين العلميّة.
ويشير الشرفي إلى أن النبيه والحصيف؛ أي صاحب العقل اليقظ، «لا يجب أن يرفع رأيه الشخصي إلى مستوى القطعيات الدغمائيّة» (ص19) فكل أطروحة تتضمن التأويلات والقراءات البشريّة المرتهنة بخلفيات فكريّة وبنسيج قيمي ودوافع سيكولوجيّة وقناعات آيديولوجيّة وسياقات سياسيّة ودينيّة واجتماعيّة، وبالتالي لا تمتلك مشروعيّة تقديم نفسها على أنّها الحقيقة القطعيّة، وهذا ما اختزله المؤلّف بقوله: «التأويلات البشريّة يتسرّب إليها الخطأ، وواقعة تحت شتّى المؤثّرات. وعليه؛ يكون الخلاص من هذا التكلّس الذهني المعيق لأي ازدهار معرفي مشروطاً بزعزعة الأحكام الجاهزة والمغلقة».
وهنا يشدد الباحث على القيمة التنويريّة التي أساسها حريّة التأويل أو ما يعبّر عنه الفيلسوف الألماني كانط بـ«الاستعمال العام والعلني للعقل». لكن صاحب كتاب «لبنات» (وهو عنوان أحد كتبه) يرفض إضفاء القداسة على أي مشروع تأويلي من أجل «تطوير الفكر المبني على التساؤل ليحلّ محلّ الدغمائيّة الإكراهيّة» (ص45)، ولن يتحقّق ذلك في نظره إلا في سياقات تشمل تطوّرات في البنى السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ لأن بنية التفكير مرتبطة عضوياً بأطر تتداخل فيها مؤثّرات موضوعيّة لا ينكرها إلا أصحاب التصوّرات المثاليّة والأسطوريّة، أي الوعي السجين للخرافة والمسلّمات التجريديّة غير القادرة على استكناه التحليل العلمي، فحتى المعتقدات بالنسبة إليه ديناميكيّة ولا يمكن التعاطي معها على أنّها «معتقدات منفصلة ومعايير مجمّدة»(ص66) انسجاماً مع قصديّة «النص لا ينطق؛ بل ينطق به الرجال».
عوائق كل مظاهر التقدّم في رأيه مرتبطة بالداخل أساساً على خلاف بعض الأطروحات الثقافويّة المنصّبة نفسها حامية للهويّة والأصالة والمقاربات التبريريّة المهووسة بمنطق المؤامرة ومشتقّات المكيدة، فلا تنتج هذه التيارات إلا الانغلاق والتعصّب، لذلك هو يدعو إلى قطيعة مع كل هذه الممارسات التقديسيّة والمعياريّة والماضويّة والتضييقيّة ومرجعيّات القوالب الجاهزة، ويتم ذلك من خلال الاستثمار في صناعة العقول، والمراهنة على التحكّم في التكنولوجيات الحديثة، والإسهام في المنجز المعرفي الكوني؛ لأن «حصانة المجتمعات تستوجب ترسيخ الذات المفكّرة المتشبّثة بكافّة مكوّنات مواطنتها والوفيّة لانتمائها الإنساني المتحرّر من أوهام المركزيّة والشوفينيّة والثقافويّة».
زعزعة الأحكام الجاهزة شرط لأي ازدهار معرفي
https://aawsat.com/home/article/2982456/%D8%B2%D8%B9%D8%B2%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%B2%D8%A9-%D8%B4%D8%B1%D8%B7-%D9%84%D8%A3%D9%8A-%D8%A7%D8%B2%D8%AF%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%8A
زعزعة الأحكام الجاهزة شرط لأي ازدهار معرفي
«الفكر الإسلامي: القطيعة والوفاء» لعبد المجيد الشرفي
- تونس: عز الدين العامري
- تونس: عز الدين العامري
زعزعة الأحكام الجاهزة شرط لأي ازدهار معرفي
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة