«تشريح صحن الحمص»... 260 رسمة كاريكاتورية تترجم الواقع

يعدّ صحن الحمص بالطحينة من أشهر أطباق المازة على المائدة اللبنانية. فهو يلفت السائح بمذاقه، كما يطلبه اللبناني بصورة دائمة، لأنّه يعتبره رمزاً من رموز طعامه اليومي.
الرسام الكاريكاتوري برنار الحاج اتخذ من هذا الطبق عنواناً لكتابه بالإنجليزية «تشريح صحن الحمص» (Anatomy of a Hummus plate)، ليلقي الضوء من خلاله على أحداث شهدها لبنان منذ انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، مروراً بالجائحة والأزمة الاقتصادية، وصولاً إلى انفجار بيروت.
لماذا اختار صحن الحمص؟ يرد الحاج في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لأننا كلبنانيين نختبئ وراءه كي نخفي عيوبنا ومشكلاتنا اليومية. وأطلقت على الكتاب هذا الاسم، لأنني أشرّح من خلاله مجتمعنا السياسي والمدني، وكيف نتلقف أزماتنا في لبنان. تخيلت أنّ هذا الطبق يتألف من طبقات تتراكم فوق بعضها، وكلما تجاوزت واحدة منها وغصت في عمقها، تطالعني مشكلة أخطر من سابقتها».
يشرح الفنان اللبناني أنّ هذا الطبق يفتخر به اللبناني إلى حدّ أتاح له دخول موسوعة غينيس العالمية، من خلال «أكبر صحن حمص». وقد أنجزه يومها (في عام 2010) الشيف رمزي فسجّل مع عدد من الأشخاص رقماً قياسياً، بحجمه الذي يزن 10452 كيلوغراماً، كاسراً بذلك الرقم الذي كانت حققته إسرائيل. ويتابع برنار الحاج في سياق حديثه: «الهدف من هذا الكتاب هو الدلالة على السطحية المنغمس فيها اللبناني. فهو يفتخر بصنع أكبر صحن حمص، بدل أن يحقق إنجازات أهم وعلى أصعدة أخرى، من اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها. وهو بذلك يلهي الآخر بأسلوب الضيافة، الذي يتقنه وبمذاق هذا الطبق. ويحدثك عن شهرته العالمية، متناسياً كل المشكلات التي يعاني منها. فيخبئ وراء صحن الحمص مشكلات الفساد والرشوة وعمليات الإفلاس والسرقات وغيرها من معاناة شعب بأكمله».
ومن خلال 260 رسمة كاريكاتورية منشورة على نحو 300 صفحة يتألف منها كتاب «تشريح صحن الحمص» تحكي عن الأوضاع اللبنانية، ترتسم الابتسامة على شفاه مطالعه لا شعورياً. فمحتوى الكتاب شبيه إلى حدّ كبير بأسلوب الكوميديا السوداء، يضع الأصبع على الجرح بسخرية لافتة، يضحك لها مشاهدها على مضض.
ويتحدث برنار الحاج المشهور فنياً باسم «ذا آرت أوف بو» عن محتوى كتابه ويقول: «لقد نشرته بالإنجليزية كي يستطيع الوصول إلى أكبر عدد من الناس، لا سيما الموجودين خارج لبنان. فهم من خلال بعض الشروحات المرفقة للرسومات، سيكوّنون فكرة واضحة عما أقصده من هذا التشريح التفصيلي عن حياة اللبناني. فالسائح الذي يزور لبنان ينبهر بمائدته الغنية، وبطبيعة مناخه المعتدل، وبجبله وبحره. ولكن كل هذه المظاهر تخفي وراءها فضائح كبيرة. فخلال زيارته القصيرة هذه إلى لبنان، لن يتمكن من معرفة خبايا الحياة فيه. ومع هذا الكتاب سيكتشف أموراً يجهلها، فيتعرف إلى الواقع وحقيقته كما هو ومن دون تجميل».
ولكنك بذلك تشوه صورة لبنان وتترك لدى قارئ الكتاب انطباعاً سلبياً عنه؟ يوضح: «إنه الانطباع الصحيح والحقيقي. فمع الأسف نحن نعيش هذه المساوئ والمشكلات، وكل ما قمت به هو أنني طرحتها كما هي، وعلى الناس أن تقرر في النهاية طبيعة الرأي الذي يناسبها».
وقّع برنار الحاج كتابه «تشريح صحن الحمص» في متحف سرسق وجرى نشره بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، والمورد الثقافي. وأُطلق بالتعاون مع السفارة البلجيكية في لبنان.
ويتابع الفنان المعروف بموهبته الكاريكاتورية: «الكتاب هو بمثابة دعوة للنظر إلى أوضاعنا بموضوعية. فنقيمها من وجهة نظر مختلفة ونقرأها بوضوح أكبر. تتألف مكونات هذه الدعوة على الطبق، من مشكلات زحمة السير، وانقطاع التيار الكهربائي، والتزوير في الانتخابات، وكل ما عشناه منذ اندلاع الثورة لغاية اليوم.

هذه الحقبة التاريخية التي تعود إلى نحو سنتين، جمعتها على طريقتي في الكتاب، معترفاً بالأخطاء التي ارتكبناها. فلكي نحسّن أداءنا وننجح في تحقيق أحلامنا، علينا أولاً أن نعترف بما اقترفناه من أخطاء، فتكون بمثابة الخطوة الأولى من قبلنا لتصحيحها».
ويروي برنار الحاج كيف ولدت عنده فكرة الكتاب ويقول: «كنت أتحدث مع إحدى الصديقات الأجنبيات عن لبنان. وكانت تعبر لي عن إعجابها وحبها الكبير للبلد، وأنا بدوري أشرح لها تناقض مشاعري تجاهه من حب وكره. وأذكر أني قلت لها: «إنك ترين الأمور من الخارج وتحكمين على المظاهر، ولكن مأساتنا هي أكبر من صحن الحمص الذي تحبين طعمه. وهكذا تطورت الفكرة معي وقررت أن آخذ من هذا الطبق عنوانا لكتابي». وفي المقابل، يعترف برنار الحاج بحبه لطبق الحمص بالطحينة ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «إنه من الأطباق اللبنانية التي أعشقها وأعتبره من أطيب وألذ الأكلات».