أميركا تتعرض لضغوط دولية وداخلية لوقف النار «فوراً» في غزة

مشروع فرنسي في مجلس الأمن... وبايدن يحدد موعداً نهائياً لإسرائيل

تظاهرة غاضب في نيويورك ضد الحملة الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
تظاهرة غاضب في نيويورك ضد الحملة الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أميركا تتعرض لضغوط دولية وداخلية لوقف النار «فوراً» في غزة

تظاهرة غاضب في نيويورك ضد الحملة الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
تظاهرة غاضب في نيويورك ضد الحملة الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

تعرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمزيد من الضغوط الدولية والداخلية من أجل اتخاذ موقف أكثر حزماً يطالب بالتهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعدما شرعت فرنسا، بالتواصل مع تونس، في جهود لإصدار قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار فوراً، وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المدنيين في قطاع غزة.
وبينما توصلت المطالب داخل الولايات المتحدة من أجل الاضطلاع بدور أكثر فاعلية لوقف القتال بين إسرائيل و«حماس»، وتجنيب المدنيين الفلسطينيين المزيد من إراقة الدماء، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتمع مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وانضم إليهما عبر الفيديو الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
وتقرر على الأثر القيام بمبادرة لوقف النار، وكذلك اتصل ماكرون بنظيره التونسي قيس سعيد الذي تحتل بلاده المقعد العربي في مجلس الأمن. وانعكس ذلك تغيراً ملحوظاً في طريقة تعامل الرئيس الأميركي والمسؤولين الكبار في إدارته مع هذه الأزمة. وظهر ذلك في استخدام بايدن لغة أكثر حزماً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وخلافاً للهجة المؤيدة لإسرائيل في ثلاثة اتصالات سابقة، قال بايدن لنتنياهو إنه «يتوقع خفضاً جوهرياً لتصعيد اليوم (أمس) في سبيل وقف النار». وهذه هي المرة الأولى التي يحدد فيها الرئيس الأميركي موعداً نهائياً لكي يبدأ الجانب الإسرائيلي بخفض التصعيد.
وأكد مسؤول أميركي كبير للإسرائيليين، أن الوقت ليس في صالحهم فيما يتعلق بالاعتراضات الدولية على الضربات الجوية الإسرائيلية وصواريخ «حماس»، مضيفاً أنه من مصلحتهم إنهاء العمليات العسكرية قريباً.
وفي موازاة الضغوط الداخلية المتزايدة، وبعضها غير معتاد في الكونغرس الأميركي، من أجل اتخاذ موقف أكثر حزماً من الأزمة في غزة، واجهت الولايات المتحدة المزيد من التحركات الدبلوماسية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً اليوم يشارك فيه عدد من وزراء الخارجية، وبينهم الفلسطيني رياض المالكي، مما يرفع نسبة الضغوط الدولية على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر حزماً يطالب بوقف النار فوراً. وعلمت «الشرق الأوسط» أن لا اتجاه في الوقت الراهن لإصدار قرار من الجمعية العامة المؤلفة من 193 دولة.
وقال مصدر دبلوماسي غربي رفيع في مجلس الأمن لـ«الشرق الأوسط»، إنه بمضي أكثر من عشرة أيام على الأحداث، فإن «الوضع لا يتحسن. بل يزداد سوءاً»، مشدداً على أن الدول الغربية «تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولن تتنازل عن أمن إسرائيل». وأكد أنه «يجب أن تتوقف الصواريخ التي تطلقها (حماس)، ويجب أن يتوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي كذلك»، معبراً عن «القلق من هذا الوضع». ورحب بـ«كل المبادرات التي تدفع باتجاه الحلول الدبلوماسية والحوار، بما في ذلك المبادرات الأميركية»، لأن «الوقت حان للدبلوماسية». وإذ ذكر بأن القضية الفلسطينية موجودة على جدول أعمال المجلس، أكد أنه «ليس هناك أي سبب كي يتغاضى المجلس عن الوضع الراهن»، داعياً إلى إصدار القرار المنشود «في أسرع وقت ممكن. كلما عجّلنا، كان أفضل». ورحب بما سماه «التغيّر في الموقف الأميركي»، بعدما أعلن الرئيس بايدن تأييد الولايات المتحدة لوقف النار، لكنه حذر من أن «المماطلة يمكن أن تعطي انطباعاً بأنها رخصة للقصف وإدامة العنف»، مؤكداً أنه «من الأفضل أن يتحرك الأميركيون بعض الشيء».
وأكد دبلوماسي آخر أن المشروع يتضمن دعوة من أجل معاودة المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لإيجاد تسوية دائمة على أساس حل الدولتين، منبهاً إلى أن عدداً من الدول سيصرّ على التنديد بـ«حماس». وأكد رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، أن فرنسا أعدت مشروع قرار يدعو إلى وقف النار. وأوضح أن نظيره الفرنسي لدى نيكولا دو ريفيير أبلغ المجلس أنه يجري إعداد مشروع قرار، مؤكداً أن الصين وتونس والنرويج «لم تتخلّ عن جهودها».
وأضاف أن «مسودة البيان تبقى مطروحة على الطاولة، وسنواصل بذل جهودنا، للتأكد من أن مجلس الأمن يفي بتفويضه والمسؤوليات الملقاة على عاتقه». ولفت إلى أن دعم الرئيس بايدن لوقف النار «يتسق مع ما نقترحه في مجلس الأمن»، مشدداً على أن الصين ستدعم «كل الجهود التي تسهل وقف النار، وتسهيل إنهاء الأزمة، وإعادة السلام في الشرق الأوسط».
وتحدى المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور، إدارة بايدن، لإظهار أي نتائج مما تسميه «دبلوماسيتها الهادئة»، لوقف المعارك بين إسرائيل و«حماس»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة عرقلت مراراً اتخاذ موقف في مجلس الأمن.
وحض إدارة بايدن على فعل المزيد، وقال: «إذا تمكنت إدارة بايدن من ممارسة كل ضغوطها لإنهاء العدوان على شعبنا؛ فلن يقف أحد في طريقها».
وكان مجلس الأمن أخفق خلال أربعة اجتماعات طارئة في إقناع الولايات المتحدة بالانضمام إلى إجماع بقية الأعضاء الـ14 في المجلس على مشاريع بيانات قدمتها تونس والنرويج والصين، للمطالبة بوقف فوري للأعمال العدائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبرر المسؤولون الأميركيون هذا التعطيل بأنهم يقومون بجهود دبلوماسية مكثفة لوقف التصعيد انطلاقاً من وقف «حماس» لإطلاق الصواريخ من غزة في اتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية. ويحتاج أي بيان رسمي من مجلس الأمن إلى إجماع الدول الـ15 الأعضاء، بخلاف القرار الذي يمكن إصداره بتسعة أصوات على الأقل، وعدم استخدام حق النقض، «الفيتو»، من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».