وفود لبنانية تزور السفارة السعودية مستنكرة «إساءة وهبة»

بخاري ينفي «سعي المملكة لترحيل اللبنانيين عن أراضيها}

وفود لبنانية تزور السفارة السعودية مستنكرة «إساءة وهبة»
TT

وفود لبنانية تزور السفارة السعودية مستنكرة «إساءة وهبة»

وفود لبنانية تزور السفارة السعودية مستنكرة «إساءة وهبة»

غصّ مقر إقامة السفير السعودي في لبنان بالوفود اللبنانية المتضامنة مع المملكة، بعد الإساءة التي وجّهها وزير الخارجية المستقيل شربل وهبة للمملكة ودول الخليج، فيما نفى السفير وليد بخاري «كل ما يحكى عن سعي المملكة لترحيل اللبنانيين عن أراضيها»، معتبراً أن السعودية «لديها لغة وخطاب سياسي واحد في العلن وفي السر وهو ما أكسبها احترام المجتمع الدولي».
وأشار بخاري، خلال استقباله الوفود إلى أنه في خضم حرب الخليج لم ترحل بلاده أحداً عن أراضيها، لأنها بنيت على أسس إنسانية، ولفت على سبيل المثال إلى أنه عندما توجه إلى المملكة لتلقي لقاح كورونا وجد عائلات لبنانية تنتظر دورها قبله، بعد أن سجلت أسماءها، الأمر الذي أسعده، لأن الدولة لم تفرق بين مواطن ومقيم، بالنسبة إلى الانتظار في الدور، وبالنسبة لنوع اللقاح.
وزارت أمس السفير السعودي وفود لبنانية سياسية وشعبية للتعبير عن تضامنها مع المملكة بعد الإساءة التي صدرت عن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الذي اتهم في مقابلة تلفزيونية دول الخليج بتمويل «تنظيم داعش»، واستقبل بخاري الوفود في خيمة عربية في منزله حيث كان مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان أوّل الواصلين.
وأكّد دريان أن زيارته تأتي تعبيراً عن تضامنه مع المملكة وسائر الدول الخليجية التي ما تخلت أبداً عن لبنان، معتبراً أن ما صدر أخيراً من كلام عن وهبة لا يشكل إساءة لدول شقيقة فقط، بل إساءة للبنانيين أيضاً. وشدّد دريان على أن ما صدر من إساءة مرفوض ومدان ومستهجن، آملاً اجتياز هذه الأزمة مع التعويل على حكمة الدول الشقيقة، وآملاً أن يكون هناك إجراء جدي وجذري بحق وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة.
بدوره، أدان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي ما صدر بحق المملكة، مشيراً إلى أن السعودية هي صمام أمان لكل الدول العربية، ومن بينها لبنان. وقال فهمي بعد لقائه بخاري إن «الخيمة تعني ‏القوة والعزة والكرامة ‏والشهامة»، وإنه «جاء بصفة شخصية، ولم يترك التضامن الحكومي».
وزار بخاري وفد من «تيار المستقبل» برئاسة النائبة بهية الحريري التي أكّدت الوفاء «لمملكة الخير على وقوفها إلى جانب لبنان عبر عقود طويلة، وليس اليوم فقط» وقالت إن المملكة ودول الخليج لم يتركوا لبنان، ولم يميزوا بين اللبنانيين مطلقاً. ورأت الحريري أن الاستنكار لا يكفي، وأن زيارة وفد «المستقبل» جاءت لتحمّل السفير السعودي الاعتذار إلى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وحكومة المملكة والشعب السعودي كله وشعب الخليج عن الكلام المسيء الذي لا يمثل رأي اللبنانيين، مضيفة: «نحن كتلة تيار المستقبل على الأرض كلها، وعموم اللبنانيين، لا نحمل للمملكة إلا كل خير، فالمملكة وقفت إلى جانب لبنان في محنته خلال الحرب الأهلية والاجتياحات الإسرائيلية، وفي إعادة الإعمار كانت في المقدمة لحفظ استقرار لبنان وانتظامه، وصولاً إلى فرص العمل التي أتاحتها لكل الشعب اللبناني من دون استثناء ومن دون أي تمييز».
وفي إطار التضامن أيضاً، زار بخاري وفد من «تكتل الجمهورية القوية» (يضم نواب القوات اللبنانية) برئاسة النائب بيار بو عاصي الذي شدّد على أن الاستنكار ليس للكلام الذي صدر عن الوزير وهبة فقط، بل لاستسهال السياسيين في لبنان أكثر وأكثر لتدمير العلاقات والجسور بين الشعوب التي بناها الأجداد والآباء والجيل الجديد، ليقوم من هو في موقع المسؤولية ومؤتمن على تعزيز هذه العلاقات والجسور بتدميرها بكلام سطحي، لا يشبه اللبناني بشيء، فيضرب بذلك صميم هوية لبنان بكلام عنصري يؤذي مصالح لبنان وهويته وعلاقته بالمملكة وبدول مجلس التعاون الخليجي الصديقة والشقيقة.
واعتبر بو عاصي أن ضرب علاقة لبنان بالدول الشقيقة، كما الإخلال بالواجب الوظيفي وضرب المصلحة الوطنية العليا ومصلحة اللبنانيين في العالم عموماً وفي الخليج العربي والسعودية في هذه الحالة خصوصاً، يستأهل المحاكمة، كاشفاً أن «القوات» بصدد التفكير بشكل جدي في الاتهام والمحاكمة إلا أن القرار النهائي لم يؤخذ بعد.
وأكّد النائب تيمور جنبلاط، بعد زيارته دارة بخاري، على رأس وفد من كتلة «اللقاء الديمقراطي» (تضم نواب الحزب التقدمي الاشتراكي)، رفض الإساءة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج التي أفضالها كثيرة تاريخياً على لبنان، معتبراً أن الكلام الذي صدر عن وزير خارجية لبنان غير مسؤول وغير أخلاقي.
وفي السياق نفسه، أكّد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن على دور المملكة العربية السعودية في دعم لبنان وصونه من الأخطار ومن خلخلة الأمن والاستقرار، مستنكراً ما حصل، لأنه خارج عن عادات وتقاليد وآداب لبنان.
كما زار النائب نهاد المشنوق بخاري، لافتاً إلى أنه جاء ليؤكد المؤكد، وأن الغيمة السوداء انقشعت، وأظهرت محبة الشعب اللبناني واحترامه وتقديره للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي التي كان دورها دائماً خيراً وبنّاء وصادقاً وإيجابياً تجاه اللبنانيين، متمنياً ألا يسمح بتكرار مرور هذه الغيمة، أياً كان الثمن أو الضغوط والمتغيرات.
يُشار إلى أن البخاري استقبل أيضاً وفوداً شعبية واقتصادية ونقابية، منها وفد من نقابة الصحافة، على رأسه نقيب الصحافة عوني الكعكي، ووفد من طرابلس وعكار برئاسة مفتي عكار السابق الشيخ زيد زكريا، وقاضي طرابلس الشيخ سمير كمال الدين، ورئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، ورئيس «مجلس الأعمال اللبناني السعودي» رؤوف أبو زكي على رأس وفد من المجلس.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.