المدارس الإسلامية في الهند تسعى لمواءمة العصر

تدرس الإنجليزية والكومبيوتر.. وعدد الهندوس المهتمين في تزايد

إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
TT

المدارس الإسلامية في الهند تسعى لمواءمة العصر

إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)

تفتح المدارس الهندية الإسلامية صفحة جديدة في تاريخها، من خلال إدخال جوانب تعليمية حديثة وتكنولوجية في المناهج التي تقوم بتدريسها، بالإضافة إلى زيادة الأماكن المخصصة لاستقبال الطلاب من الديانات المختلفة. تأتي تلك الخطوة بعد أن كان معروفا عن تلك المدارس تدريسها التعليم الإسلامي فقط للمسلمين.
وبعد أن كانت تتميز في يوم من الأيام بطبيعة دينية محافظة، يشهد ما يقرب من ثمانية آلاف مدرسة دينية مسجلة في الهند تغييرا سريعا، حيث بدأ الطلاب دراسة جميع المناهج التعليمية تقريبا، بما في ذلك اللغة الإنجليزية والكومبيوتر، على عكس ما كان يحدث في الماضي عندما كان حفظ القرآن الكريم هو المنهج الرئيس في تلك المدارس.
ويساعد التحاق الطلاب الذين يبدون اهتماما بتعلم اللغة الأردية واللغة العربية، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية، على تغيير الصورة النمطية لتلك المدارس. وقد كشف تقرير حديث عن أن ما يصل إلى 15 في المائة من الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الإسلامية التقليدية في الهند هم في حقيقة الأمر من الهندوس.

وخلال زيارتي مدرسة البوابة الكشميرية في نيودلهي، قابلت «سنيها»، طفلة هندوسية ترتدي «شلوار قميص» (الزي الهندي التقليدي) بلونيه الأبيض والأزرق، التي قامت بترجمة جملة من اللغة العربية من كتاب الدراسات الإسلامية الذي تدرسه إلى اللغة الأردية. وعلى مقربة منها، تجلس «بوجا»، الفتاة ذات الخمس عشرة سنة، التي استطاعت أن تحفظ القرآن الكريم عند سن الحادية عشرة فبدت كأنها مسلمة.
وبالإضافة إلى الأعداد المتزايدة للطلاب الهندوس الملتحقين بالمدارس الإسلامية، التي تشهد تطورا سريعا حيث يجري تدريس المواد العلمية جنبا إلى جنب مع كتب الدراسات الإسلامية، هناك طفرة كبيرة في أعداد الطلاب غير المسلمين من الديانات الأخرى الذين بدأت أسماؤهم تحتل أماكن متقدمة على لوحة الشرف الخاصة بتلك المدارس.
ومن بين أولئك الطلاب، تأتي الطالبة «أنجالي راج»، من مدرسة عماد العلوم، التي تحقق تفوقا كبيرا في المدارس الإسلامية، حيث احتلت الصدارة في اختبارات الصف العاشر وصارت من أشهر الطالبات في تلك المدرسة. وهناك أيضا الطالبة «هيمالات»، البالغة من العمر اثنتي عشرة سنة. وتنتظم «هيمالات» في مدرسة كاجول، وتعد أول من يحفظ القرآن الكريم من غير المسلمين في ولاية بيهار، كما أنها ليست الوحيدة التي تقرأ القرآن في عائلتها الهندوسية، حيث يستطيع شقيقها قراءة القرآن أيضا.
كما استطاع طالب هندوسي أن يعتلي أخيرا قمة لوحة الشرف للطلاب المتفوقين في جميع المدارس الإسلامية بولاية غرب البنغال.
في عام 2007، أصبحت ولاية غرب البنغال، التي تقع في شرق الهند، الأولى بين الولايات التي تبدأ تنفيذ خطة تحديث المدارس الإسلامية التقليدية، وكانت تلك الخطوة جزءا من برنامج يضم 15 نقطة يتبناه رئيس الوزراء ويهدف إلى تنمية الأقليات.
وبعد تطبيق تلك الخطة بعامين، حظيت عملية تحديث المدارس في ولاية غرب البنغال بإشادة دولية واسعة، حيث قام خبراء التعليم من باكستان وبنغلاديش والولايات المتحدة ودول أخرى بجولة في بعض المدارس التي جرى تحديثها في الولاية خلال السنوات الأخيرة وأثنوا بشدة على عملية التحديث.
كما أشاد معهد بروكينغز في واشنطن بعملية التطوير والتحديث، مستشهدا بمدارس ولاية غرب البنغال كنماذج على كيفية تطوير العملية التعليمية وأوصى باكستان بأن تقوم بنقل تلك التجربة إلى مدارسها.
وقال غياث الدين صديق رئيس هيئة غرب البنغال لمدارس التعليم الديني، إن عملية تحديث المدارس الدينية أفادت المجتمع بشكل كبير، لذلك ستستمر تلك العملية. وأضاف أنه كان من الصعب في الماضي على خريجي تلك المدارس التفكير في عمل أي شيء خارج نطاق العمل في المساجد أو المؤسسات الدينية. أما الآن، فيمكن لخريج المدارس الدينية التي جرى تطوير وتحديث مناهج التعليم الخاصة بها الالتحاق بكليات الطب والهندسة وإدارة الأعمال، أو أي حقل من حقول التعليم الجامعي الأخرى. ومن ثم، أصبح من السهل معرفة السبب وراء اكتساب المدارس الدينية لتلك الشعبية في صفوف الطلاب الطموحين الذين يبحثون عن الانخراط في مسيرة تعليمية حديثة هذه الأيام. وبدأت عملية التغيير والتحديث تعم غالبية المدارس الإسلامية التقليدية بالهند في الوقت الحالي.
وتوفر الكثير من الكليات بولاية تاميل نادو، الواقعة في جنوب الهند، نظام تعليم مزدوج، حيث تتهيأ الفرصة للطلاب لتلقي التعليم الديني والتعليم الحديث في نفس المكان. وبعد إنهاء فترة الدراسة التي تستغرق سبع سنوات، يحصل الطالب المتخرج على شهادة في إدارة الأعمال أو بكالوريوس التجارة. ويحصل جميع الطلاب على دورات تعليمية في الكومبيوتر واللغة الإنجليزية. يقول مازود جمالي مدير كلية العالم البخاري للغة العربية، إن طريقة التعليم المتبعة في المدارس الدينية التقليدية يعود تاريخها إلى ما بين 400 و500 سنة مضت، مضيفا: «لقد قمنا بتسهيل طريقة التدريس، فالكلية تدرس نفس المواد التي يجري تدريسها في المدارس الدينية التقليدية، لكننا نستمد الكتب الدراسية من الهيئات التعليمية في مكة وجامعة الأزهر في القاهرة». هناك ثورة تحديث وتطوير صامتة تحدث في تلك المدارس، التي لم تعد تخرج جيوشا من العلماء في الدين الإسلامي فقط، بل تخرج أيضا أطباء ومهندسي برمجيات والكثير من التخصصات الأخرى.
يقول دكتور هومايون كبير، وهو طبيب أطفال مشهور تخرج في إحدى المدارس الدينية بولاية غرب البنغال ويعمل حاليا في دلهي: «عندما أخبرت زملاء الدراسة في كلية الطب بأنني تلقيت تعليمي ما قبل الجامعي في إحدى المدارس الدينية لم يصدقوني. ففي تلك المدرسة، درست المواد العلمية وأعددت نفسي لاختبار القبول بكلية الطب».
بالمثل، كانت فترة الطفولة الحافلة بتنشئة قائمة على الانضباط الصارم هي ما دفعت محمد أمجد، (25 سنة)، أحد خريجي مدرسة الجامعة السلفية في مدينة بيناريس، إلى العمل بجد للدخول في مجال الكومبيوتر والتمويل.
ويعمل أمجد حاليا محللا ماليا في شركة برمجيات، حيث يقوم بمتابعة أعمال الشركة في منطقة الشرق الأوسط.
ويعد أمجد من أهم العاملين في الشركة، حيث يقوم بترجمة البيانات من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، كما يقوم بإعداد وتجهيز البرامج للعملاء في العالم العربي. ويقول إعجاز أحمد رئيس هيئة مدارس التعليم الديني في ولاية بيهار، إن «الأمر الإيجابي هو أن أولياء أمور هؤلاء الطلاب المتفوقين يشعرون بأن نظام التعليم في المدارس الدينية أفضل من نظيره في المدارس العامة، حيث يجعل أولادهم أكثر التزاما وانضباطا».
ويقول أبو القاسم، الذي يروج لتدريس مناهج دراسية عن الديانات الأخرى في مدرسته: «تعد المدارس الدينية ثروة قومية لأن تعليم الأخلاق يمثل واحدا من أهم العناصر في المناهج التي يجري تدريسها في تلك المدارس».
ويرى أحد الداعمين لنظام التعليم في المدارس الدينية، وهو البروفسور عبد الحميد نعماني، عضو جماعة علماء الهند، أن تحديث المدارس الدينية سيمهد الطريق أمام الجميع في المجتمع الهندي على اختلاف دياناتهم لفهم أفضل لبعضهم البعض بشكل عام، ولفهم الإسلام بشكل خاص.
ومع سعيها لإعادة اكتشاف نفسها حتى تستطيع مسايرة العصر الحديث، تدرس إحدى المدارس الإسلامية منهجا موسعا من العلوم والكومبيوتر، والأهم من ذلك أنها تعد مؤسسة تعليم فني متنوع توفر للطلاب فرصة تنمية مهاراتهم الفنية.
وجرى إنشاء مدرسة الإصلاح منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وتحديدا في عام 1908 بمدينة ساريمير في التقسيم الإداري «أعظم كره» المجاور لدلهي، وتعد واحدة من أقدم المدارس الدينية في الإقليم. وبالإضافة إلى القرآن الكريم، يدرس الطلاب في مدرسة الإصلاح اللغة الإنجليزية واللغة الهندية والعلوم والرياضيات والعلوم السياسية والاقتصاد وعلوم الحاسب الآلي.
وتعتقد إحدى خريجات مدرسة الإصلاح، وهي اشتياق أحمد زيلي، أستاذة تاريخ متقاعدة من جامعة عليكرة الإسلامية، أن نظام التعليم في مدرسة الإصلاح نظام عملي وفريد من نوعه. وتخرجت زيلي في مدرسة الإصلاح في عام 1962 ثم قامت بعمل بحث في تاريخ الهند في القرون الوسطى.
ويقول نازيش احتشام، الذي درس الطب اليوناني في جامعة همدرد، إن «مدرسة الإصلاح ساعدتني في أن أحقق قفزة كبيرة في مسيرتي العملية، حيث وفر لي نظام التعليم المتبع فيها أفضل طريقة لدراسة اللغة العربية والعلوم الأخرى». ويعمل احتشام مفتشا طبيا في هيئة بلديات دلهي.
وتخرج مدرسة المحمدية المنصورة في مدينة ماليغاون، ولاية ماهاراشترا بغرب الهند، أطباء ممارسين، حيث تعد العلوم الطبية من أهم المناهج المميزة التي يجري تدريسها في تلك المدرسة.
وبعد أن قبلت المدارس الإسلامية في بعض الولايات الهندية إضافة مناهج التعليم الهندية القومية في نظام تعليمها، اكتسبت تلك المدارس سمعة جيدة بنجاحها في تدريس ليس فقط علوم الدين الإسلامي، بل أيضا علوم الرياضيات واللغة الإنجليزية والأحياء والفيزياء.
وبدأت عملية تحديث المدارس الإسلامية بالهند في عام 2007، غير أن تلك الفكرة لاقت احتجاجا شديدا من كثير من المعارضين، حيث يتوجس الكثير من العلماء الإسلاميين خيفة من سعي الحكومة إلى حرمان تلك المدارس من استقلاليتها تحت غطاء التحديث. ويعلق أطياب صديقي، المستشار القانوني لجامعة الملية الإسلامية والخبير الدستوري في شؤون المجتمعات المسلمة، على عملية تحديث المدارس الإسلامية في الهند بقوله: «إنها خطوة كبيرة للتعليم الإسلامي»، مضيفا أن خطة التحديث ستمكن الطلاب في شتى أنحاء الهند من الحصول على الوظائف التي يرغبون فيها.
وستساعد عملية تحديث المناهج التعليمية في المدارس الإسلامية على منح الشباب المسلم نظرة اجتماعية سياسية، كما ستساعدهم على الحصول على وظائف، وكذلك الاندماج في قصة النجاح الهندية. وتعد المدارس الإسلامية بديلا مثاليا للعائلات الفقيرة، حيث تقوم الدولة بتمويلها، كما أنها لا تفرض أي مصروفات على الطلاب الدارسين فيها الذين تقدم لهم ملابس ووجبات مجانية.
وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من المدارس التي ما زالت غير مستعدة لتطبيق عملية إصلاح وتحديث أنظمتها التعليمية.
يتساءل مولانا عبد الخالق، نائب رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند: «على مدى أعوام طويلة، لم يبد على الحكومة أي انزعاج من المدارس الإسلامية، فلماذا الآن (المطالبات بتحديث تلك المدارس)؟ لقد وصفت وسائل الإعلام المدارس الإسلامية بغير وجه حق بأنها أوكار للإرهاب. وتحت اسم مساعدة مجتمعنا الإسلامي، تريد الحكومة أن تفرض رقابة على ما يجري في المدارس الإسلامية».
ربما يقول أحدهم إن عملية تحديث المدارس الإسلامية لا ينبغي أن تكون مصدر قلق لأنها تسير بخطى بطيئة. غير أنه على الجانب الآخر، لا ينبغي تجاهل تلك العملية تماما. وأعلنت وزارة تنمية الموارد البشرية الهندية أخيرا أنه سيجري معاملة الشهادات التي تمنحها المدارس الإسلامية بأثر رجعي نفس معاملة الشهادات التي تمنحها الهيئة المركزية للتعليم الثانوي في الهند، مما يعني أنه يمكن لنحو 400 ألف طالب يدرسون في المدارس الإسلامية المعتمدة الالتحاق بالجامعات، ومن ثم تأهيل أنفسهم للحصول على وظائف حكومية أو حتى وظائف في القطاع الخاص.
ولدى سماعه ذلك القرار، علق عبد الله، الطالب بالسنة النهائية في مدرسة الجامعة الإسلامية سنابل بنيودلهي، بحماس قائلا: «هل هذا يعني أنه يمكنني الحصول على أي فرصة عمل مهما كان نوعها؟» ويعترف عبد الله بأنه يشعر بالإثارة لأن بإمكانه إعادة النظر في خططه المستقبلية، حيث يشير إلى أنه بدأ بالفعل الانتقال لتنفيذ الخطة البديلة، حيث يقول: «في البداية، سأسعى للحصول على بكالوريوس تجارة حتى يمكنني الحصول على فرصة عمل في شركة متعددة الجنسيات. وإذا زاد فضل الله علي، فيمكنني عمل رسالة ماجستير في إدارة الأعمال».
تبدو ابتسامة عريضة على وجه أنور، زميل عبد الله في الدراسة، وهو يعلق على حديث عبد الله بقوله: «لقد تداعت الكثير من الخيارات في مخيلتي! فأنا أفكر الآن في أنه يمكنني الالتحاق بكلية الهندسة أو الطب أو الحصول على شهادة جامعية أخرى». ويواصل أنور حديثه، بينما ينظر إلى عبد الله: «لقد استسلمت لفكرة أنه ليس لدي خيار في اختيار مجال التدريس، لذلك كبحت جماح طموحاتي بسبب انعدام الوسائل واعتقدت ساعتها أن أحلامي قد ماتت، لكن يبدو أنه يمكنني إحياء تلك الأحلام مرة أخرى». غير أن قرار الهيئة المركزية للتعليم الثانوي ربما لا يجعلهم مؤهلين بالقدر الكافي للتقدم لوظائف القطاع الخاص. لكن لحسن حظ هؤلاء الشباب، تعد مدرستهم من المدارس القليلة في الهند التي تدرس التاريخ واللغة الهندية واللغة الإنجليزية والرياضيات.
ومن المنتظر أن يجري إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية التي ستوفر تمويلا للمدارس الدينية التي ستنضم إليها، لكن العمل تحت مظلتها سيكون اختياريا.
وكانت الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، التي تتمتع باستقلالية الإدارة وقادت مسيرة المدارس الإسلامية في الهند منذ عام 1866، من أوائل الهيئات التي عارضت إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية. ورغم أن الانضمام إلى تلك الهيئة سيكون اختياريا، فإن دار العلوم تعتقد أن «النوايا غير المخلصة» للحكومة سوف تضع الكثير من الضغوط على المدارس الإسلامية. يقول مولانا عبد الخالق، نائب رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند: «إنهم يريدون أن يتشابه نظام التعليم في المدارس الإسلامية مع نظام التعليم في المدارس العادية، لكننا لا نقبل ذلك». ويشير أرشاد علم، المدرس المساعد بمركز نهرو للدراسات في جامعة الملية الإسلامية في نيودلهي، إلى أن الكثيرين يعارضون تدخل الحكومة، ليس فقط بسبب القلق من حدوث تدخل في مناهج المدارس الإسلامية التعليمية، بل لأسباب أخرى كثيرة، مضيفا أن «معارضي التحديث يخشون أن يخسروا الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المدارس الإسلامية. في الوقت الحالي، تعتمد المدارس الإسلامية على المساهمات المالية من المسلمين، ولا أحد يسأل عن كيفية إنفاق تلك الأموال. ومن ثم، إذا ما جرى إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية، فإنها سوف تقوم بمراجعة والإشراف على حسابات تلك المدارس».



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».