المدارس الإسلامية في الهند تسعى لمواءمة العصر

تدرس الإنجليزية والكومبيوتر.. وعدد الهندوس المهتمين في تزايد

إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
TT

المدارس الإسلامية في الهند تسعى لمواءمة العصر

إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)

تفتح المدارس الهندية الإسلامية صفحة جديدة في تاريخها، من خلال إدخال جوانب تعليمية حديثة وتكنولوجية في المناهج التي تقوم بتدريسها، بالإضافة إلى زيادة الأماكن المخصصة لاستقبال الطلاب من الديانات المختلفة. تأتي تلك الخطوة بعد أن كان معروفا عن تلك المدارس تدريسها التعليم الإسلامي فقط للمسلمين.
وبعد أن كانت تتميز في يوم من الأيام بطبيعة دينية محافظة، يشهد ما يقرب من ثمانية آلاف مدرسة دينية مسجلة في الهند تغييرا سريعا، حيث بدأ الطلاب دراسة جميع المناهج التعليمية تقريبا، بما في ذلك اللغة الإنجليزية والكومبيوتر، على عكس ما كان يحدث في الماضي عندما كان حفظ القرآن الكريم هو المنهج الرئيس في تلك المدارس.
ويساعد التحاق الطلاب الذين يبدون اهتماما بتعلم اللغة الأردية واللغة العربية، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية، على تغيير الصورة النمطية لتلك المدارس. وقد كشف تقرير حديث عن أن ما يصل إلى 15 في المائة من الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الإسلامية التقليدية في الهند هم في حقيقة الأمر من الهندوس.

وخلال زيارتي مدرسة البوابة الكشميرية في نيودلهي، قابلت «سنيها»، طفلة هندوسية ترتدي «شلوار قميص» (الزي الهندي التقليدي) بلونيه الأبيض والأزرق، التي قامت بترجمة جملة من اللغة العربية من كتاب الدراسات الإسلامية الذي تدرسه إلى اللغة الأردية. وعلى مقربة منها، تجلس «بوجا»، الفتاة ذات الخمس عشرة سنة، التي استطاعت أن تحفظ القرآن الكريم عند سن الحادية عشرة فبدت كأنها مسلمة.
وبالإضافة إلى الأعداد المتزايدة للطلاب الهندوس الملتحقين بالمدارس الإسلامية، التي تشهد تطورا سريعا حيث يجري تدريس المواد العلمية جنبا إلى جنب مع كتب الدراسات الإسلامية، هناك طفرة كبيرة في أعداد الطلاب غير المسلمين من الديانات الأخرى الذين بدأت أسماؤهم تحتل أماكن متقدمة على لوحة الشرف الخاصة بتلك المدارس.
ومن بين أولئك الطلاب، تأتي الطالبة «أنجالي راج»، من مدرسة عماد العلوم، التي تحقق تفوقا كبيرا في المدارس الإسلامية، حيث احتلت الصدارة في اختبارات الصف العاشر وصارت من أشهر الطالبات في تلك المدرسة. وهناك أيضا الطالبة «هيمالات»، البالغة من العمر اثنتي عشرة سنة. وتنتظم «هيمالات» في مدرسة كاجول، وتعد أول من يحفظ القرآن الكريم من غير المسلمين في ولاية بيهار، كما أنها ليست الوحيدة التي تقرأ القرآن في عائلتها الهندوسية، حيث يستطيع شقيقها قراءة القرآن أيضا.
كما استطاع طالب هندوسي أن يعتلي أخيرا قمة لوحة الشرف للطلاب المتفوقين في جميع المدارس الإسلامية بولاية غرب البنغال.
في عام 2007، أصبحت ولاية غرب البنغال، التي تقع في شرق الهند، الأولى بين الولايات التي تبدأ تنفيذ خطة تحديث المدارس الإسلامية التقليدية، وكانت تلك الخطوة جزءا من برنامج يضم 15 نقطة يتبناه رئيس الوزراء ويهدف إلى تنمية الأقليات.
وبعد تطبيق تلك الخطة بعامين، حظيت عملية تحديث المدارس في ولاية غرب البنغال بإشادة دولية واسعة، حيث قام خبراء التعليم من باكستان وبنغلاديش والولايات المتحدة ودول أخرى بجولة في بعض المدارس التي جرى تحديثها في الولاية خلال السنوات الأخيرة وأثنوا بشدة على عملية التحديث.
كما أشاد معهد بروكينغز في واشنطن بعملية التطوير والتحديث، مستشهدا بمدارس ولاية غرب البنغال كنماذج على كيفية تطوير العملية التعليمية وأوصى باكستان بأن تقوم بنقل تلك التجربة إلى مدارسها.
وقال غياث الدين صديق رئيس هيئة غرب البنغال لمدارس التعليم الديني، إن عملية تحديث المدارس الدينية أفادت المجتمع بشكل كبير، لذلك ستستمر تلك العملية. وأضاف أنه كان من الصعب في الماضي على خريجي تلك المدارس التفكير في عمل أي شيء خارج نطاق العمل في المساجد أو المؤسسات الدينية. أما الآن، فيمكن لخريج المدارس الدينية التي جرى تطوير وتحديث مناهج التعليم الخاصة بها الالتحاق بكليات الطب والهندسة وإدارة الأعمال، أو أي حقل من حقول التعليم الجامعي الأخرى. ومن ثم، أصبح من السهل معرفة السبب وراء اكتساب المدارس الدينية لتلك الشعبية في صفوف الطلاب الطموحين الذين يبحثون عن الانخراط في مسيرة تعليمية حديثة هذه الأيام. وبدأت عملية التغيير والتحديث تعم غالبية المدارس الإسلامية التقليدية بالهند في الوقت الحالي.
وتوفر الكثير من الكليات بولاية تاميل نادو، الواقعة في جنوب الهند، نظام تعليم مزدوج، حيث تتهيأ الفرصة للطلاب لتلقي التعليم الديني والتعليم الحديث في نفس المكان. وبعد إنهاء فترة الدراسة التي تستغرق سبع سنوات، يحصل الطالب المتخرج على شهادة في إدارة الأعمال أو بكالوريوس التجارة. ويحصل جميع الطلاب على دورات تعليمية في الكومبيوتر واللغة الإنجليزية. يقول مازود جمالي مدير كلية العالم البخاري للغة العربية، إن طريقة التعليم المتبعة في المدارس الدينية التقليدية يعود تاريخها إلى ما بين 400 و500 سنة مضت، مضيفا: «لقد قمنا بتسهيل طريقة التدريس، فالكلية تدرس نفس المواد التي يجري تدريسها في المدارس الدينية التقليدية، لكننا نستمد الكتب الدراسية من الهيئات التعليمية في مكة وجامعة الأزهر في القاهرة». هناك ثورة تحديث وتطوير صامتة تحدث في تلك المدارس، التي لم تعد تخرج جيوشا من العلماء في الدين الإسلامي فقط، بل تخرج أيضا أطباء ومهندسي برمجيات والكثير من التخصصات الأخرى.
يقول دكتور هومايون كبير، وهو طبيب أطفال مشهور تخرج في إحدى المدارس الدينية بولاية غرب البنغال ويعمل حاليا في دلهي: «عندما أخبرت زملاء الدراسة في كلية الطب بأنني تلقيت تعليمي ما قبل الجامعي في إحدى المدارس الدينية لم يصدقوني. ففي تلك المدرسة، درست المواد العلمية وأعددت نفسي لاختبار القبول بكلية الطب».
بالمثل، كانت فترة الطفولة الحافلة بتنشئة قائمة على الانضباط الصارم هي ما دفعت محمد أمجد، (25 سنة)، أحد خريجي مدرسة الجامعة السلفية في مدينة بيناريس، إلى العمل بجد للدخول في مجال الكومبيوتر والتمويل.
ويعمل أمجد حاليا محللا ماليا في شركة برمجيات، حيث يقوم بمتابعة أعمال الشركة في منطقة الشرق الأوسط.
ويعد أمجد من أهم العاملين في الشركة، حيث يقوم بترجمة البيانات من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، كما يقوم بإعداد وتجهيز البرامج للعملاء في العالم العربي. ويقول إعجاز أحمد رئيس هيئة مدارس التعليم الديني في ولاية بيهار، إن «الأمر الإيجابي هو أن أولياء أمور هؤلاء الطلاب المتفوقين يشعرون بأن نظام التعليم في المدارس الدينية أفضل من نظيره في المدارس العامة، حيث يجعل أولادهم أكثر التزاما وانضباطا».
ويقول أبو القاسم، الذي يروج لتدريس مناهج دراسية عن الديانات الأخرى في مدرسته: «تعد المدارس الدينية ثروة قومية لأن تعليم الأخلاق يمثل واحدا من أهم العناصر في المناهج التي يجري تدريسها في تلك المدارس».
ويرى أحد الداعمين لنظام التعليم في المدارس الدينية، وهو البروفسور عبد الحميد نعماني، عضو جماعة علماء الهند، أن تحديث المدارس الدينية سيمهد الطريق أمام الجميع في المجتمع الهندي على اختلاف دياناتهم لفهم أفضل لبعضهم البعض بشكل عام، ولفهم الإسلام بشكل خاص.
ومع سعيها لإعادة اكتشاف نفسها حتى تستطيع مسايرة العصر الحديث، تدرس إحدى المدارس الإسلامية منهجا موسعا من العلوم والكومبيوتر، والأهم من ذلك أنها تعد مؤسسة تعليم فني متنوع توفر للطلاب فرصة تنمية مهاراتهم الفنية.
وجرى إنشاء مدرسة الإصلاح منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وتحديدا في عام 1908 بمدينة ساريمير في التقسيم الإداري «أعظم كره» المجاور لدلهي، وتعد واحدة من أقدم المدارس الدينية في الإقليم. وبالإضافة إلى القرآن الكريم، يدرس الطلاب في مدرسة الإصلاح اللغة الإنجليزية واللغة الهندية والعلوم والرياضيات والعلوم السياسية والاقتصاد وعلوم الحاسب الآلي.
وتعتقد إحدى خريجات مدرسة الإصلاح، وهي اشتياق أحمد زيلي، أستاذة تاريخ متقاعدة من جامعة عليكرة الإسلامية، أن نظام التعليم في مدرسة الإصلاح نظام عملي وفريد من نوعه. وتخرجت زيلي في مدرسة الإصلاح في عام 1962 ثم قامت بعمل بحث في تاريخ الهند في القرون الوسطى.
ويقول نازيش احتشام، الذي درس الطب اليوناني في جامعة همدرد، إن «مدرسة الإصلاح ساعدتني في أن أحقق قفزة كبيرة في مسيرتي العملية، حيث وفر لي نظام التعليم المتبع فيها أفضل طريقة لدراسة اللغة العربية والعلوم الأخرى». ويعمل احتشام مفتشا طبيا في هيئة بلديات دلهي.
وتخرج مدرسة المحمدية المنصورة في مدينة ماليغاون، ولاية ماهاراشترا بغرب الهند، أطباء ممارسين، حيث تعد العلوم الطبية من أهم المناهج المميزة التي يجري تدريسها في تلك المدرسة.
وبعد أن قبلت المدارس الإسلامية في بعض الولايات الهندية إضافة مناهج التعليم الهندية القومية في نظام تعليمها، اكتسبت تلك المدارس سمعة جيدة بنجاحها في تدريس ليس فقط علوم الدين الإسلامي، بل أيضا علوم الرياضيات واللغة الإنجليزية والأحياء والفيزياء.
وبدأت عملية تحديث المدارس الإسلامية بالهند في عام 2007، غير أن تلك الفكرة لاقت احتجاجا شديدا من كثير من المعارضين، حيث يتوجس الكثير من العلماء الإسلاميين خيفة من سعي الحكومة إلى حرمان تلك المدارس من استقلاليتها تحت غطاء التحديث. ويعلق أطياب صديقي، المستشار القانوني لجامعة الملية الإسلامية والخبير الدستوري في شؤون المجتمعات المسلمة، على عملية تحديث المدارس الإسلامية في الهند بقوله: «إنها خطوة كبيرة للتعليم الإسلامي»، مضيفا أن خطة التحديث ستمكن الطلاب في شتى أنحاء الهند من الحصول على الوظائف التي يرغبون فيها.
وستساعد عملية تحديث المناهج التعليمية في المدارس الإسلامية على منح الشباب المسلم نظرة اجتماعية سياسية، كما ستساعدهم على الحصول على وظائف، وكذلك الاندماج في قصة النجاح الهندية. وتعد المدارس الإسلامية بديلا مثاليا للعائلات الفقيرة، حيث تقوم الدولة بتمويلها، كما أنها لا تفرض أي مصروفات على الطلاب الدارسين فيها الذين تقدم لهم ملابس ووجبات مجانية.
وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من المدارس التي ما زالت غير مستعدة لتطبيق عملية إصلاح وتحديث أنظمتها التعليمية.
يتساءل مولانا عبد الخالق، نائب رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند: «على مدى أعوام طويلة، لم يبد على الحكومة أي انزعاج من المدارس الإسلامية، فلماذا الآن (المطالبات بتحديث تلك المدارس)؟ لقد وصفت وسائل الإعلام المدارس الإسلامية بغير وجه حق بأنها أوكار للإرهاب. وتحت اسم مساعدة مجتمعنا الإسلامي، تريد الحكومة أن تفرض رقابة على ما يجري في المدارس الإسلامية».
ربما يقول أحدهم إن عملية تحديث المدارس الإسلامية لا ينبغي أن تكون مصدر قلق لأنها تسير بخطى بطيئة. غير أنه على الجانب الآخر، لا ينبغي تجاهل تلك العملية تماما. وأعلنت وزارة تنمية الموارد البشرية الهندية أخيرا أنه سيجري معاملة الشهادات التي تمنحها المدارس الإسلامية بأثر رجعي نفس معاملة الشهادات التي تمنحها الهيئة المركزية للتعليم الثانوي في الهند، مما يعني أنه يمكن لنحو 400 ألف طالب يدرسون في المدارس الإسلامية المعتمدة الالتحاق بالجامعات، ومن ثم تأهيل أنفسهم للحصول على وظائف حكومية أو حتى وظائف في القطاع الخاص.
ولدى سماعه ذلك القرار، علق عبد الله، الطالب بالسنة النهائية في مدرسة الجامعة الإسلامية سنابل بنيودلهي، بحماس قائلا: «هل هذا يعني أنه يمكنني الحصول على أي فرصة عمل مهما كان نوعها؟» ويعترف عبد الله بأنه يشعر بالإثارة لأن بإمكانه إعادة النظر في خططه المستقبلية، حيث يشير إلى أنه بدأ بالفعل الانتقال لتنفيذ الخطة البديلة، حيث يقول: «في البداية، سأسعى للحصول على بكالوريوس تجارة حتى يمكنني الحصول على فرصة عمل في شركة متعددة الجنسيات. وإذا زاد فضل الله علي، فيمكنني عمل رسالة ماجستير في إدارة الأعمال».
تبدو ابتسامة عريضة على وجه أنور، زميل عبد الله في الدراسة، وهو يعلق على حديث عبد الله بقوله: «لقد تداعت الكثير من الخيارات في مخيلتي! فأنا أفكر الآن في أنه يمكنني الالتحاق بكلية الهندسة أو الطب أو الحصول على شهادة جامعية أخرى». ويواصل أنور حديثه، بينما ينظر إلى عبد الله: «لقد استسلمت لفكرة أنه ليس لدي خيار في اختيار مجال التدريس، لذلك كبحت جماح طموحاتي بسبب انعدام الوسائل واعتقدت ساعتها أن أحلامي قد ماتت، لكن يبدو أنه يمكنني إحياء تلك الأحلام مرة أخرى». غير أن قرار الهيئة المركزية للتعليم الثانوي ربما لا يجعلهم مؤهلين بالقدر الكافي للتقدم لوظائف القطاع الخاص. لكن لحسن حظ هؤلاء الشباب، تعد مدرستهم من المدارس القليلة في الهند التي تدرس التاريخ واللغة الهندية واللغة الإنجليزية والرياضيات.
ومن المنتظر أن يجري إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية التي ستوفر تمويلا للمدارس الدينية التي ستنضم إليها، لكن العمل تحت مظلتها سيكون اختياريا.
وكانت الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، التي تتمتع باستقلالية الإدارة وقادت مسيرة المدارس الإسلامية في الهند منذ عام 1866، من أوائل الهيئات التي عارضت إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية. ورغم أن الانضمام إلى تلك الهيئة سيكون اختياريا، فإن دار العلوم تعتقد أن «النوايا غير المخلصة» للحكومة سوف تضع الكثير من الضغوط على المدارس الإسلامية. يقول مولانا عبد الخالق، نائب رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند: «إنهم يريدون أن يتشابه نظام التعليم في المدارس الإسلامية مع نظام التعليم في المدارس العادية، لكننا لا نقبل ذلك». ويشير أرشاد علم، المدرس المساعد بمركز نهرو للدراسات في جامعة الملية الإسلامية في نيودلهي، إلى أن الكثيرين يعارضون تدخل الحكومة، ليس فقط بسبب القلق من حدوث تدخل في مناهج المدارس الإسلامية التعليمية، بل لأسباب أخرى كثيرة، مضيفا أن «معارضي التحديث يخشون أن يخسروا الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المدارس الإسلامية. في الوقت الحالي، تعتمد المدارس الإسلامية على المساهمات المالية من المسلمين، ولا أحد يسأل عن كيفية إنفاق تلك الأموال. ومن ثم، إذا ما جرى إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية، فإنها سوف تقوم بمراجعة والإشراف على حسابات تلك المدارس».



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.