جهود أممية لمخرج «مقبول أميركياً» للتهدئة في غزة

جلسات مكثفة في الأمم المتحدة... وواشنطن «لا تقف في طريق الدبلوماسية»

متظاهرون في القدس الشرقية يطلقون الأناشيد أمس ضد الاحتلال الإسرائيلي والحملة على غزة (أ.ف.ب)
متظاهرون في القدس الشرقية يطلقون الأناشيد أمس ضد الاحتلال الإسرائيلي والحملة على غزة (أ.ف.ب)
TT

جهود أممية لمخرج «مقبول أميركياً» للتهدئة في غزة

متظاهرون في القدس الشرقية يطلقون الأناشيد أمس ضد الاحتلال الإسرائيلي والحملة على غزة (أ.ف.ب)
متظاهرون في القدس الشرقية يطلقون الأناشيد أمس ضد الاحتلال الإسرائيلي والحملة على غزة (أ.ف.ب)

واصلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ابتعادها عن استخدام الآليات المتعددة الأطراف وأبرزها مجلس الأمن، مفضلةً تحركاتها الدبلوماسية المكثفة مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، أملاً في التوصل إلى وقف للنار بين إسرائيل و«حماس». بينما شرع دبلوماسيون ومسؤولون دوليون في جهود لإيجاد «مخرج مقبول أميركياً»، لوضع حد للأزمة الدامية التي دخلت يومها العاشر وأدت إلى سقوط أكثر من 200 قتيل أكثرهم من الأطفال والنساء والمدنيين وعدد أكبر بكثير من المصابين في قطاع غزة.
وكثّف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ونائب مساعده للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية هادي عمرو، اتصالاتهما مع المسؤولين العرب والفلسطينيين والإقليميين بالإضافة إلى الإسرائيليين، ولكن من دون ضغط جدي يؤدي إلى وقف فوري للعمليات العدائية الضارية بين القوات الإسرائيلية من جهة ومقاتلي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وغيرهما من الفصائل الفلسطينية في غزة.
وخلال رحلة غير ذات صلة ركزت على روسيا ودول الشمال الأوروبي، واصل بلينكن دفاعه عن نهج إدارة بايدن حيال أسوأ أزمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ حرب عام 2014، وقرارها عرقلة الإجماع بين أعضاء مجلس الأمن على المطالبة بوقف القتال، والتعبير عن القلق من وقوع خسائر فادحة بين المدنيين وفي المنشآت المدنية، حتى بعدما عبّر بايدن نفسه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن دعمه العام لوقف إطلاق النار، من دون أن يصل إلى حد الانضمام إلى عشرات المشرّعين الديمقراطيين في المطالبة بوقف العمليات العسكرية فوراً.
وقال بلينكن: «يظل هدفنا إنهاء دورة العنف الحالية» ثم العودة إلى عملية يمكن من خلالها تحقيق سلام دائم، مضيفاً أنه تحدث إلى وزيري الخارجية المغربي ناصر بوريطة والبحريني عبد اللطيف الزياني، بعد اتصالات مماثلة مع وزراء الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، والمصري سامح شكري، والأردني أيمن الصفدي، والقطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والفرنسي جان إيف لودريان، والتونسي عثمان الجرندي، بالإضافة إلى الإسرائيلي غابي أشكنازي، علماً بأن المبعوث الأميركي هادي عمرو كان قد توجه إلى رام الله وعقد اجتماعاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وفي إشارة إلى تغيّر في موقف بايدن الذي أعلن «دعم وقف النار»، أكد بلينكن أن الولايات المتحدة «لا تقف في طريق الدبلوماسية» المتعددة الأطراف، معتبراً أن بيان الأمم المتحدة لن يعزز هدف إنهاء العنف. وقال: «إذا فكرنا وإذا اعتقدنا أن هناك أمراً ما، بما في ذلك في الأمم المتحدة يمكن أن يؤدي إلى تقدم الوضع، سنكون معه». في شأن متصل، أفاد بلينكن بأن إسرائيل أعطت الولايات المتحدة معلومات عن قصفها مبنى في غزة يضم وكالة «أسوشييتد برس» ووسائل إعلامية أخرى. وقال: «تلقينا بعض المعلومات الإضافية من خلال القنوات الاستخبارية»، رافضاً وصف طبيعة هذه المعلومات.
وعلمت «الشرق الأوسط» من دبلوماسيين، أن الجلسة الطارئة المغلقة الرابعة لمجلس الأمن، واصلت مناقشة الأزمة بطلب من تونس والنرويج والصين. وقال المندوب الدائم لدولة فلسطين المراقبة لدى الأمم المتحدة رياض منصور، إنه باستثناء الولايات المتحدة، فإن الأعضاء الـ14 في مجلس الأمن «متوافقون على اتخاذ موقف موحد يدعو إلى وقف العدوان على غزة وعلى التعبير عن القلق الشديد على الضحايا المدنيين بين الفلسطينيين»، مضيفاً أن «مجلس الأمن مشلول بشكل معيب بسبب الموقف الأميركي». ولفت إلى أن إدارة بايدن «لا تعترض على مضمون مشروع البيان، بل على اتخاذ موقف رسمي في مجلس الأمن من هذه القضية». وقال دبلوماسي آخر لـ«الشرق الأوسط»، إن دبلوماسيين ومسؤولين أمميين يحاولون إيجاد «مخرج لحال الشلل التي أصابت المجلس بسبب الاعتراض الأميركي على التركيز على إسرائيل، وإغفال حقيقة أن (حماس) هي التي بدأت هذه الدورة من العنف في غزة».
وتشهد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً بصورة شخصية غداً يشارك فيه عدد من وزراء الخارجية، وبينهم الفلسطيني رياض المالكي. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية عن مسؤول طلب عدم نشر اسمه، أن قرار التعبير عن دعم وقف إطلاق النار وعدم المطالبة به صراحةً «كان متعمداً»، لأن بايدن وكبار مساعديه «قلقون من تصاعد إراقة الدماء وفقدان أرواح الأبرياء»، لكنهم مصممون على «دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد (حماس)».
وفي انعكاس لهذا النهج، عطّلت الولايات المتحدة مجدداً، أمس، محاولة تونس والنرويج والصين في مجلس الأمن الذي عقد جلسة طارئة هي الرابعة له منذ بداية الأزمة، لإصدار بيان جديد يدعو إلى وقف النار ويعبّر عن «القلق البالغ» من سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، ولا سيما الأطفال.
وبالإضافة إلى أن أعضاء في المجتمع الدولي بدأوا يشككون في صدقية إدارة بايدن في كلامها المتكرر عن تعددية الأطراف في حل المشكلات والأزمات الكبرى، تعرضت الإدارة، لضغوط غير معتادة من الكونغرس، إذ انضم زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى عشرات المشرعين في حزبه وأحد الجمهوريين وأحد المستقلين والسيناتور بيرني ساندرز، في الدعوة إلى وقف النار من الجانبين. وضغط رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الديمقراطي آدم شيف للانخراط بشكل أكبر في الجهود لوقف القتال.
لكن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، هاجم النواب لمشاركتهم في مطالبة إسرائيل بوقف النار. وقال إن مطالبة «الجانبين» بخفض التصعيد «يقلل أهمية مسؤولية الإرهابيين عن بدء النزاع في المقام الأول، ويشير إلى أنه لا يحق للإسرائيليين الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الصاروخية المستمرة». وكذلك يستعد السيناتور الجمهوري ريك سكوت مع 19 سيناتوراً من حزبه، لتقديم مشروع قرار الأسبوع المقبل يدعم إسرائيل في الحرب.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.