الكرملين مستعد لتدخل أوسع إذا فشلت الجهود الأميركية

موسكو تتحدث عن «جهود كبرى» للتهدئة

كرة من النار ترتفع من حي الرمال بمدينة غزة بعد قصف إسرائيلي كثيف أمس (أ.ف.ب)
كرة من النار ترتفع من حي الرمال بمدينة غزة بعد قصف إسرائيلي كثيف أمس (أ.ف.ب)
TT

الكرملين مستعد لتدخل أوسع إذا فشلت الجهود الأميركية

كرة من النار ترتفع من حي الرمال بمدينة غزة بعد قصف إسرائيلي كثيف أمس (أ.ف.ب)
كرة من النار ترتفع من حي الرمال بمدينة غزة بعد قصف إسرائيلي كثيف أمس (أ.ف.ب)

مع دخول المواجهات الفلسطينية - الإسرائيلية أسبوعها الثاني، برزت تساؤلات حول الموقف الروسي الذي بدا «متوارياً» خلف نشاط اللجنة الرباعية وتحركات المبعوثين الأميركيين.
ولفتت تقارير إلى أن الكرملين يواجه، بسبب التدهور الحاد في المنطقة، صعوبات جدية واختباراً لقدرة موسكو على التأثير على الأطراف المختلفة، خصوصاً مع حرص روسيا على المحافظة على التوازن الدقيق الذي أقامته في علاقاتها مع الأطراف الإقليمية لإنجاح مهمتها في سوريا، وتعزيز حضورها في المنطقة.
وفي هذا الصدد، بدا تأخر الكرملين لافتاً في إرسال مبعوثين إلى المنطقة، أو الإعلان عن خطوات محددة يقوم بها لتخفيف حدة التوتر، ما أوحى بأن موسكو فضلت ترك هذه المهمة للطرف الأميركي. لكن مصدراً مقرباً من وزارة الخارجية الروسية أوضح، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، جانباً من تفاصيل التحرك الروسي الذي وصفه بأنه كان نشطاً فعالاً منذ اليوم الأول للأزمة الحالية.
وقال المصدر الدبلوماسي إن موسكو شرعت منذ بداية الأزمة في «اتصالات مكثفة مع أعضاء اللجنة الرباعية، وتم توجيه تعليمات محددة لممثل روسيا في اللجنة بتكثيف التحركات، كما تم توجيه تعليمات للسفراء الروس في الدول المعنية بإطلاق نشاط مكثف على المستوى الثنائي مع كل بلد».
فضلاً عن ذلك، قال المصدر إن المستوى الدبلوماسي الروسي أقام اتصالات متواصلة نشطة مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مشيراً إلى احتمال أن يتم تتويج هذا التوجه باتصالين ينتظر أن يجريهما الرئيس فلاديمير بوتين مع القيادتين في غضون اليومين المقبلين، علماً بأن هذا الأمر أشار إليه، أمس، الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، عندما قال إن بوتين سوف يجري اتصالات مباشرة مع الطرفين في أسرع وقت إذا لزم الأمر.
وعلى الرغم من ذلك، أقر المصدر الدبلوماسي بأنه «من الواضح في هذه الأزمة أن قدرات التأثير الأميركي أكبر، نظراً إلى أن واشنطن لديها أدوات مباشرة للتأثير على الإسرائيليين، وبما أن إسرائيل هي المتحكم الأكبر باستخدام القوة على الأرض، لأنه لا يمكننا المساواة بين حجم القوة العسكرية الإسرائيلية والقوة المتوافرة للفصائل الفلسطينية».
وأوضح أن «هذه الأزمة جاءت في وقت حرج لعلاقاتنا مع واشنطن، خصوصاً بعد إدراج الولايات المتحدة على لائحة الدول غير الصديقة لروسيا. وعلى الرغم من ذلك، فإن الاتصالات على مستوى المندوبين في نيويورك متواصلة».
وزاد المصدر أن كل المبادرات التي جرت في اجتماعين طارئين للجنة الرباعية، والدعوة إلى نقاش الملف في مجلس الأمن، صدرت عن موسكو، و«للأسف، قوبلت مواقفنا باعتراض أميركي، وأبلغتنا واشنطن بأنه لا يمكن التأثير على الأحداث بسبب غياب الطرف الفلسطيني، وباعتبار أن حركة حماس لا يمكن التعامل معها».
وقال الدبلوماسي إن موسكو أبلغت الجانب الأميركي بأنها «لا تتفق مع هذا الطرح، ودعت إلى تبني بيان اللجنة الرباعية في مجلس الأمن، لكن هذه الدعوة قوبلت برفض كامل من جانب واشنطن التي سعت إلى عرقلة عقد جلسة مجلس الأمن، لولا الإصرار الصيني على عقد الجلسة، بصفتها رئيس الدورة الحالية».
ولفت المصدر إلى أن موسكو «تأمل في أن يتخذ الأميركيون، على الرغم من موقفهم المتعنت من إصدار بيان أممي، خطوة جدية لوقف التدهور، وأن يتم الإعلان في غضون يومين أو 3 أيام عن اتفاق على وقف إطلاق النار»، مشيراً إلى أن «هذه أولوية بالنسبة إلينا».
كان الكرملين قد أعرب، أمس، عن «قلق بالغ» بسبب تزايد عدد الضحايا في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولفت بيسكوف إلى «جهود كبرى تُبذل لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في إطار اللجنة الرباعية، وكذلك من طرف كثير من البلدان، ومن خلال القنوات الثنائية»، وزاد أنه «من المهم جداً عدم السماح بتطور سيناريو العنف».
وفي الوقت ذاته، كشف بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية بعض نتائج الاجتماع الطارئ للجنة الرباعية للوسطاء الدوليين (روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) الذي عقد عبر تقنية الفيديو كونفرانس أول من أمس.
وأفاد البيان بأن الأطراف ناقشت «الخطوات العملية التي يمكن أن تتخذها اللجنة الرباعية بهدف تخفيف حدة التوتر في أقرب وقت ممكن في مناطق المواجهة العسكرية الفلسطينية - الإسرائيلية، وإقرار نظام لوقف النار وحماية السكان المدنيين».
وقال البيان إن «الجانب الروسي شدد على أنه، إلى جانب الجهود المبذولة لإنهاء المواجهة المسلحة على الفور، من المهم البدء في أقرب وقت ممكن في تهيئة الظروف المواتية لفتح آفاق سياسية لحل الأزمة، واستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المباشرة من أجل تسوية قضايا الوضع النهائي على أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة، وكذلك مبدأ الدولتين».
واللافت أنه خلافاً للمواقف الرسمية المعلنة، بدت تغطيات وسائل الإعلام الروسية منحازة لإسرائيل بشكل شبه مطلق، وبرزت دعوات على شاشات القنوات الحكومية لقطع الكهرباء والماء عن غزة، و«سحق الإرهابيين بقوة كبيرة». وحمل معلقون في البرامج التلفزيونية، غالبيتهم من أنصار إسرائيل في روسيا أو مسؤولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين، الجانب الفلسطيني مسؤولية التصعيد، وزعموا أن إسرائيل «تستهدف فقط المنشآت التابعة للإرهابيين، والأنفاق المستخدمة في تصنيع ونقل الأسلحة». في المقابل، لم تستضف القنوات الحكومية الروسية أي معلق خلال الأسبوع الماضي يبرز وجهة النظر الأخرى في الصراع.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.