ضغط الشارع في أميركا يكسر «تابو فلسطين»

سياسيون يرددون صدى هتافاته

مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك امتدت لولايات أميركية عدة السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك امتدت لولايات أميركية عدة السبت (أ.ف.ب)
TT

ضغط الشارع في أميركا يكسر «تابو فلسطين»

مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك امتدت لولايات أميركية عدة السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك امتدت لولايات أميركية عدة السبت (أ.ف.ب)

ما كان محرماً بالأمس أصبح مجازاً اليوم؛ «فلسطين» التي كانت كلمة محرمة الذكر، ممنوعة من التداول في السياسة الأميركية لأعوام طويلة، تجلب لناطقها الويل عندما يذكرها في مبنى الكونغرس، لم تعد كذلك بعد اليوم، بل هي اليوم موضوعاً أساسياً تلتف حوله التكتلات والتوجهات من كل الأطياف السياسية.
ضغط الشارع الأميركي والمظاهرات العارمة التي اجتاحت المدن والولايات الكبرى في الأيام الأخيرة غيرت من مجرى المعادلة السياسية التي كانت على مدار أعوام طويلة ثابتة معروفة في واشنطن، وأصبح صدى تلك الهتافات يتردد في جنبات مجلس الكونغرس، ويرغم الإدارة الرسمية على التعامل مع مطالباتهم، وأخذ القضية الفلسطينية بعين الاعتبار.
تاريخياً، في عام 1988، عندما دفع جيمس زغبي، مؤسس المعهد العربي الأميركي، الديمقراطيين لإدراج ذكر السيادة الفلسطينية في برنامجهم، رد قادة الحزب بتحذير واضح: «النطق بهذه الكلمة سوف يفجر الجحيم»، وظلت القضية وكلمة «فلسطين» حبيسة الأدراج دون أي تصويت. غير أن التغيير الأخير لم يقتصر فقط على الدفاع عن الفلسطينيين، بل تحول إلى هجوم على إسرائيل، وأصبحت كلمات مثل «الاحتلال» و«الاستيطان» و«عودة اللاجئين» حاضرة النقاش مقبولة السمع في واشنطن، ولم يعد الديمقراطيون اليساريون يخجلون من قولها.
وفي حين أن إدارة بايدن تتعامل مع الصراع المتنامي باعتباره تحدياً دبلوماسياً شديد الحساسية، يشمل حليفاً قديماً لا يمكن التخلي عنه، فإن اليسار الصاعد ينظر إليه على أنه قضية عدالة وعنصرية شديدة الارتباط مع سياسات الولايات المتحدة ضد الفلسطينيين.
بالنسبة لهؤلاء الناشطين سياسياً، ومن يقودون موجة الغضب العامة في الشوارع والمدن الرئيسية الأميركية من أجل فلسطين، مثل حركة «حياة السود مهمة» وغيرها، فإن الحقوق الفلسطينية والصراع المستمر منذ عقود على الأراضي في الشرق الأوسط ترتبط لديهم ارتباطاً وثيقاً بمشكلاتهم الاجتماعية، وتذكرهم بأسباب مثل سوء تعامل الشرطة، وظروف المهاجرين على الحدود الأميركية - المكسيكية، وغيرها من الملفات والقضايا الداخلية.
ومع وجود الرئيس بايدن في البيت الأبيض، فإن الدعم الأميركي التقليدي لإسرائيل بالكاد يكون موضع تساؤل من منظور السياسة. فعلى الرغم من أن بايدن أوضح دعمه لإسرائيل طوال ما يقرب من 50 عاماً في الحياة العامة، فإن شروط النقاش تتغير في الأوساط الديمقراطية اليوم عن ما كانت عليه قبل 50 عاماً.
ويستند قادة أكبر جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في البلاد، أي لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية، المعروفة بـ«إيباك»، على دعم البيت الأبيض ومبنى الكابيتول هيل (الكونغرس)، مشيرين إلى استمرار دعم أميركا بعدة مليارات من الدولارات في صورة مساعدات لإسرائيل سنوياً. ومع ذلك، فإنه حتى السيناتور روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، قدم توبيخاً نادراً يوم السبت الماضي، حيث أدان الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي قتلت مدنيين فلسطينيين، ودمرت مكاتب إعلامية. وقالت النائبة كوري بوش، من ميسوري، وهي ناشطة في برنامج «حياة السود مهمة» في فترة ولايتها الأولى في الكونغرس، في خطابها يوم الخميس: «نحن نعارض إرسال أموالنا المخصصة لتمويل الشرطة العسكرية والاحتلال وأنظمة القمع والصدمات العنيفة»، وقالت أيضاً: «إلى أن يصبح جميع أطفالنا آمنين، سنواصل النضال من أجل حقوقنا في فلسطين وفيرغسون».
بدورها، قالت النائبة رشيدة طليب، من ميشيغان، وهي فلسطينية - أميركية من ديترويت، إن قضية الفلسطينيين موجودة بالفعل في الكونغرس، وإنهم بشر يستحقون الدفاع عنهم كغيرهم من المظلومين، قبل أن تدين «حكومة الفصل العنصري الإسرائيلية».
ويعكس الجدل داخل الحزب الديمقراطي انقساماً طويل الأمد بين اليهود الأميركيين، وهم مجموعة ديمقراطية علمانية في الغالب، إذ يرى الجيل الأكبر أن إسرائيل شريان حياة أساسي وسط تزايد معاداة السامية العالمية، بينما يناضل الناخبون الشباب للتوفيق بين السياسات اليمينية للحكومة الإسرائيلية وقيمهم الليبرالية.
وأظهر استطلاع نشر في الأسبوع الماضي من قبل مركز «بيو للأبحاث» أن ثلثي اليهود الأميركيين البالغين 65 عاماً فما فوق وصفوا أنفسهم بأنهم مرتبطون عاطفياً بإسرائيل، مقارنة بـ48 في المائة من البالغين اليهود دون سن الثلاثين.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.