«حزب الله» يحتفظ بفائض القوة دعماً لإيران في مفاوضات فيينا

يضبط إيقاع حملات التضامن مع «حماس» و«الجهاد الإسلامي»

شبان يرفعون علم فلسطين على الشريط الحدودي في جنوب لبنان (رويترز)
شبان يرفعون علم فلسطين على الشريط الحدودي في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حزب الله» يحتفظ بفائض القوة دعماً لإيران في مفاوضات فيينا

شبان يرفعون علم فلسطين على الشريط الحدودي في جنوب لبنان (رويترز)
شبان يرفعون علم فلسطين على الشريط الحدودي في جنوب لبنان (رويترز)

لم يسبق لجبهة الجنوب اللبناني أن بقيت هادئة كما هو حاصل اليوم، فيما تدور المواجهات المتنقلة على امتداد ساحة فلسطين بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي وكأنه أريد لها بأن تتحول إلى منصة سياسية لإطلاق رسائل التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن موقف «حزب الله» الذي يتمتع بنفوذ سياسي في المنطقة الجنوبية والذي يكتفي برعايته للتجمّعات الاحتجاجية الوافدة إليه والتي تقف على مرمى حجر من الحدود الدولية للبنان مع الاحتلال الإسرائيلي.
فـ«حزب الله» يكتفي حالياً - كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط» - بتشغيل محركاته لدعم التحركات الاحتجاجية وتزخيمها تحت سقف حصرها بتوجيه رسائل التضامن إلى الداخل في فلسطين المحتلة من دون أن تتطور حتى إشعار آخر باتجاه إشعال الجبهة في الجنوب لما لديه من حسابات تتجاوز الساحة اللبنانية إلى الإقليم مع استمرار المفاوضات النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين إيران برعاية أوروبية والتي لن تتوقف في فيينا، برغم أن الاستعدادات جارية في طهران لخوض الانتخابات الرئاسية.
ويؤكد المصدر السياسي أن «حزب الله» يكاد يكون المشغّل الأول للتحرّكات الشعبية من فلسطينية ولبنانية الوافدة إلى المنطقة الحدودية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال الإسرائيلي والتي تبقى تحت السيطرة بقرار من الحزب بالتنسيق مع الجيش اللبناني والقوات الدولية «يونيفيل» المنتشرة في جنوب الليطاني.
ويلفت إلى الدور الاستيعابي للجيش اللبناني الذي سمح بالتوافد إلى ساحة الاحتجاج أمام بوابة فاطمة في بلدة كفركلا الحدودية من دون أن يترتب على ردود الفعل ما يهدد الاستقرار في منطقة العمليات المشتركة للجيش اللبناني و«يونيفيل» لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701، ويؤكد أن الجيش بالتناغم مع «حزب الله» تمكّن من السيطرة على الوضع ونجح في تنفيس فورة الغضب التي عبّرت عنها التجمّعات الزاحفة إلى هذه المنطقة.
ويضيف المصدر السياسي أن «حزب الله» اعتاد في السابق على تمرير رسائل عسكرية إلى إسرائيل في ظروف أقل سخونة من الظروف الأمنية والعسكرية التي تسيطر على المواجهات في فلسطين المحتلة، وهذا ما لم يفعله اليوم مع احتدام المواجهات وتصاعدها بشكل غير مسبوق، إذا ما استثنينا صواريخ الغراد التي أُطلقت من خراج بلدة القليلة في قضاء صور والتي لم يكن لها من مفاعيل تدميرية وكانت بمثابة التعبير عن «فشة خلق» أراد من أطلقها تثبيت مشاركته الرمزية في المواجهات.
ويؤكد المصدر السياسي أن الوجه الآخر لتصاعد المواجهات يكمن في أن لدى حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» حسابات أخرى تتعلق بتصفية خلافاتهما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) على خلفية قراره بتأجيل الانتخابات وصولاً إلى اجتياحه سياسيا على الأقل من وجهة نظرهما في ظل الخلافات التي تعصف بحركة «فتح» من جهة وانضمام الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى هذه المواجهات بذريعة أنه يخوض أكبر الحروب الوجودية بعد أن امتد التهديد الإسرائيلي إلى عرب عام 1948 الذين يتصدّون لوضع اليد على أملاكهم تمهيداً لتهويدها.
في المقابل - بحسب المصدر - فإن رئيس وزراء إسرائيل المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو يخوض حالياً حرباً مزدوجة، الأولى ضد «حماس» و«الجهاد الإسلامي» مع أنه أخفق في حصر مواجهته ضدهما، والثانية في مواجهة خصمه لتشكيل الحكومة بعد أن نزع منه الرئيس الإسرائيلي تكليفه بتشكيلها لانقضاء المهلة القانونية لتأليفها على أمل أن يسترد التكليف بعد أن تبين أنه يواجه مشكلة بانسحاب اليمين المتطرّف من تأييده والذي يمكن أن ينسحب على الأعضاء في اللائحة العربية لتفادي إحراجهم في ظل استمرار العدوان الذي يستهدف الشعب الفلسطيني.
لذلك، فإن المواجهات تجري حالياً على إيقاع إمكانية إعادة خلط الأوراق على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية وصولاً إلى الدخول جدياً في لعبة تصفية الحسابات، وهذا ما يفسّر استمرارها، خصوصا أن إيران ستحصد انتصاراً في حال انتهت إلى إضعاف الرئيس الفلسطيني ومحاصرته أولاً من داخل «فتح» التي قد تضطر إلى إعادة النظر في تأييده.
وعليه، فإن إيران ومن خلالها حليفها «حزب الله» يراقبان حالياً ما سيترتب من تداعيات سياسية من جراء المواجهات الجارية في فلسطين المحتلة والتي تعتبر غير مسبوقة منذ التوقيع على اتفاقية «أوسلو» بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وإسرائيل، وبالتالي فإن الحزب لا يرى من مبرر لفتح جبهة الجنوب والدخول طرفاً في المواجهة ما دام أن حليفيه «الجهاد الإسلامي» و«حماس» يستمران في الصمود ولا حاجة - كما يقول المصدر - لرافعة عسكرية من خارج فلسطين المحتلة.
كما أن «حزب الله» الذي يتصرف بارتياح لوضعيته السياسية في الداخل بخلاف الآخرين، بعد أن أعد خطة للصمود توفّر لحاضنته الشعبية ما تتطلبه من احتياجات على المستويين المعيشي والاجتماعي لن يغامر بفائض القوة الذي أتاح له الإمساك إلى حد كبير بالقرار الداخلي ويبادر إلى حرق أوراقه مجاناً بلا أي ثمن سياسي، خصوصاً أن حليفه الذي يقود محور الممانعة في المنطقة والمقصود به إيران يبدو مرتاحاً في الساحة اللبنانية وأن ليس هناك من يهدد إمساكه بالورقة اللبنانية التي يصر على صرفها سياسيا في مفاوضات فيينا.
وفي هذا السياق، يقول المصدر السياسي إن تعاطي «حزب الله» بهدوء من دون أن يقدم على رد فعل عسكري حيال المواجهات الدائرة في فلسطين المحتلة ينم عن أن إيران مرتاحة على وضعها التفاوضي وأن ليس هناك ما يدعوها للقلق، وإلا فإن جبهة الجنوب لكانت اشتعلت منذ أن تصاعدت المواجهات وبلغت ذروتها.
ويؤكد أن الحزب لن يغامر ويبادر إلى حرق أوراق القوة التي يحتفظ بها، وبالتالي فإن إيران الداعمة له لن تصرف ما جنته من استثمارها في لبنان منذ انطلاق الثورة في طهران مجاناً بلا أي مقابل، وبالتالي فهي تتطلع لتدعيم موقفها في المفاوضات بالإبقاء على الورقة اللبنانية على الطاولة بدلاً من أن تشعلها في فتح جبهة الجنوب التي ستؤدي إلى تشظي الحزب سياسيا لغياب الغطاء السياسي لدخوله في المواجهات، وبالتالي يكتفي بتشغيل محركاته لتوفير الدعم الإعلامي والسياسي لحليفيه «حماس» و«الجهاد الإسلامي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».