ليومين ستتحول باريس إلى عاصمة أفريقية من خلال استضافتها، حضورياً، قمتين رئيسيتين: الأولى عنوانها دعم مرحلة الانتقال الديمقراطي التي يعيشها السودان، والثانية تتناول مجمل القارة الأفريقية لمساندتها في اجتياز تبعات وباء «كورونا» وتمكينها من الاستفادة من تدفقات مالية لدعم اقتصاداتها.
وتوافد إلى العاصمة الفرنسية، منذ أمس، عشرات القادة والمسؤولين للمشاركة في هاتين القمتين اللتين تنظمهما باريس بحضور كبار المسؤولين عن أكبر عشر مؤسسات مالية دولية، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.
ووصل أمس رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك في رحلتين منفصلتين مصحوبين بوفد وزاري - اقتصادي - ثقافي كبير، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني، بحيث إن الوفد يضم ما يزيد على 50 شخصاً، ما يعكس الأهمية الكبرى التي يعلقها السودان على القمة الباريسية.
وتبين لائحة غير نهائية صادرة عن قصر الإليزيه مشاركة ضيقة على مستوى رؤساء الدول وواسعة على المستوى الوزاري ومستوى رؤساء ومديري المؤسسات المالية الدولية. وعملياً، يشارك إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيفتتح القمة والبرهان وحمدوك، رؤساء مصر ورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان.
ومن أبرز الحاضرين على المستوى الوزاري، وزراء خارجية السعودية والكويت وألمانيا وإيطاليا و«وزير» خارجية الاتحاد الأوروبي والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ووزير الدولة البريطاني للشؤون الأفريقية. واللافت ضعف التمثيل الأميركي الذي سيكون على مستوى مساعد رئيس البعثة الأميركية في باريس.
أما أبرز الحضور من المنظمات الدولية والمؤسسات المالية فهم الأمين العام للجامعة العربية والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ورئيس بنك التنمية الأفريقي، فيما البنك الدولي ممثل على مستوى منخفض. ويشارك الأمين العام للأمم المتحدة في القمة عن بعد.
تنطلق الفعاليات الخاصة بالسودان، صباح اليوم، بمؤتمر اقتصادي موسع تستضيفه هيئة أرباب العمل الفرنسية تحت عنوان «منتدى الأعمال» يفتتحه حمدوك ووزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير، بحيث تكون كلماتهما منطلقاً للمداخلات والمناقشات اللاحقة التي ستركز على ثلاثة ملفات أولها صورة «السودان الجديد» وأوضاعه وتطلعاته سياسياً واقتصادياً والخطط الحكومية التي نفذت أو التي يخطط لتنفيذها، وثانيها إشكالية المديونية مع التركيز على ما ستقوله المؤسسات والدول الدائنة، وأخيراً الفرص الاستثمارية التي سيعرضها الطرف السوداني ويناقشها الحاضرون. وسترفع الخلاصات إلى القمة التي ستنطلق بعد الظهر.
ما يخطط له منظمو القمة وينتظره الطرف السوداني أن يوفر الاجتماع دعماً سياسياً للسودان وللعملية الديمقراطية التي يعيشها والتي تريدها أطراف فرنسية وغربية «نموذجاً» للانتقال الديمقراطي القائم على الحوار والشمول والتفاهم بين المؤسسات العسكرية والمدنيين، الأمر الذي يبرز من خلال حضور رئيس المجلس السيادي ورئيس الحكومة المدني صاحب الباع الطويل في المنظمات الإقليمية. وحرصت باريس على التعامل مع المسؤولين بالدرجة نفسها إذ سيتحدث كلاهما في القمة كما سيشاركان أيضاً في المؤتمر الصحافي المسائي الذي يختتمها.
وتريد باريس أن تكون القمة، من الناحية السياسية، إشارة الانطلاق لعودة السودان إلى المنظومة الدولية بعد سنوات العزل التي عانى منها بسبب الحكم والعقوبات التي فرضت عليه بسبب «دعم الإرهاب». أما في المجريات، فإن ماكرون سيفتتح القمة ليعرض الأغراض التي تسعى فرنسا لتحقيقها منها. ومن المنتظر أن يحث، بحسب مصادر الإليزيه، الأطراف المدعوة وهم مجموعة أصدقاء السودان والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية على الوقوف إلى جانب الخرطوم، إن لجهة المديونية التي تواجهها أو لجهة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الواعدة. كذلك سيتحدث البرهان وحمدوك وممثلو الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ثم مديرة صندوق النقد الدولي والدول المعنية بمساعدة السودان مالياً وأخيراً الدول الدائنة.
واستبق حمدوك وصوله إلى باريس بتصريحات صحافية شدد فيها على أن بلاده تأمل بإعفائها من الديون، خصوصاً تلك المتوجبة عليه لما يسمى «نادي باريس» التي تشكل 38 في المائة من مجمل الديون الخارجية.
وأشار حمدوك إلى أن الخرطوم دفعت المستحقات المتأخرة للبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وأنها ستسعى لتسوية إشكالية الديون المتوجبة لصندوق النقد الدولي الذي يعد ممراً إلزامياً للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية العامة والخاصة.
بيد أن رئيس الوزراء السوداني يريد أكثر من ذلك، إذ إنه يأمل باجتذاب المستثمرين الأجانب ودفعهم لتفحص الفرص الكثيرة المتوافرة من أجل النهوض الاقتصادي، فالغرض «ليس الحصول على مساعدات وهبات، بل على استثمارات مربحة للطرفين».
وفي هذا السياق، أشارت مصادر فرنسية إلى الحاجة لتحسين البيئة الاستثمارية، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أهمية توفير الاستقرار السياسي والأمن، وكلاهما ضروري لطمأنة المستثمرين. ولا شك أن الدعم السياسي والمالي والاقتصادي الإضافي الذي يمكن أن يحصل عليه السودان من شأنه أن يساعد على توفير الأمن والاستقرار.
بيد أن السودان ما زال يواجه تحديات سياسية لها اليوم عنوانان: «سد النهضة» الإثيوبي وما يمثله من تهديد للأمن المائي السوداني (والمصري) والعلاقات المتوترة على الحدود المشتركة مع إثيوبيا، فضلاً عن التحديات الداخلية.
وأفادت مصادر الإليزيه أن اجتماعات جانبية عدة ستحصل اليوم وغداً، إذ إن الأطراف الثلاثية المعنية بملف السد ستكون حاضرة في باريس وعلى أعلى المستويات، كذلك سيكون حاضراً رئيس القمة الأفريقية الحالي الذي يقوم بمساعي وساطة بينها لم تسفر بعد عن نتيجة إيجابية.
باريس تستضيف اليوم مؤتمراً لدعم الانتقال في السودان
باريس تستضيف اليوم مؤتمراً لدعم الانتقال في السودان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة