حرب صواريخ بين إسرائيل وغزة... ومواجهات في 27 نقطة في الضفة

بوادر انتفاضة جديدة... والسلطة الفلسطينية تتهم الدولة العبرية بتنفيذ عمليات قتل وحشية مبرمجة

الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

حرب صواريخ بين إسرائيل وغزة... ومواجهات في 27 نقطة في الضفة

الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتعاظم فيه الجهود العربية والدولية للتوصل إلى تهدئة توقف حرب الصواريخ بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، يسعى كلا الطرفين لمسابقة الزمن في سبيل توجيه ضربات نوعية تُسجِّل له ما تعرف في اللغة العسكرية بـ«صورة انتصار». وتباهى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أمس، بأن قواته الجوية نفّذت منذ منتصف الليلة الماضية عمليات شاركت فيها نحو 160 طائرة من نحو 6 قواعد جوية، واستخدمت 450 صاروخاً وقذيفة للإغارة على نحو 150 هدفاً خلال نحو 40 دقيقة. وفي الوقت نفسه شاركت القوات البحرية والبرية بقصف مواقع أخرى وضربت نحو 500 هدف. وقال إن قواته تمكنت من توجيه ضربة قوية إلى المصالح تحت الأرضية، التي سمّاها «مترو (حماس)» الموجود تحت الأحياء الشمالية والشرقية في محيط مدينة غزة وتمتد لعدة كيلومترات. وقال إن «الأنفاق تعد كنزاً استراتيجياً لـ(حماس)».
وقال وزير المخابرات، إيلي كوهن، إن القوات الإسرائيلية تلاحق قادة الفصائل الفلسطينية لاغتيالهم، وأضاف: «لا أحد منهم خارج حساباتنا. سنضرب جميع قادة (حماس) و(الجهاد)، بما في ذلك يحيى السنوار (رئيس حركة حماس في قطاع غزة) ومحمد شيف (قائد الذراع العسكرية)».
في المقابل، أعلنت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» عن شن هجمات صاروخية جديدة على أهداف إسرائيل، على خلفية استمرار التصعيد العسكري الحاد حول قطاع غزة. وأن الهجوم الأخير على عسقلان هو الأعنف من نوعه وأنه ترافق مع قصف صاروخي في العمق الإسرائيلي وصل حتى بئر السبع وهرتسليا. ووجه أبو حمزة، الناطق باسم «سرايا القدس» التابعة لـ(الجهاد)، رسالة للاحتلال الإسرائيلي قائلاً: «نجدد التأكيد للعدو الأحمق أن غزة هي المكان الذي ستندم على أنك فكّرت به وبالإمكان سؤال غسان عليان وجنوده عما حصل بهم عندما فكروا بالتقدم عبر معركة برية إلى غزة. فالمجاهدون ومعهم فصائل المقاومة ما زالوا يسطرون أروع معاني الإصرار والتحدي والمواجهة، ويبدعون في ميادين القتال ويقدمون القادة قبل الجند».
وشدد الناطق باسم السرايا على أن «المقاومة ستظل قائمة قادرة، رغم مئات الغارات وحجم الدمار الكبير نتيجة الهمجية الصهيونية التي لن تُسقط حقنا في الدفاع عن أبناء شعبنا». وحذر من عملية اجتياح بري قائلاً: «نقول للعدو إنه إذا فكرت بالمعركة البرية فهذا سيكون بالنسبة لنا أقصر الطرق إلى النصر الواضح الأكيد وسنريك كيف نحاكي وننفّذ مناوراتنا البرية واقعاً، وسيكون مصير جنودك ما بين قتيل وأسير فلا تهددنا بما هو نصر لنا».
وشهدت الضفة الغربية الفلسطينية، أمس، أوسع مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ الانتفاضة الثانية في سنة 2000، وذلك غضباً على ممارساته في القدس وقصفه الشرس لقطاع غزة. وفي 27 موقعاً مختلفاً، دخلت جماهير غفيرة في صدامات مباشرة مع قوات الاحتلال التي تطوِّق المدن الفلسطينية وتنصب حواجز عسكرية على مداخلها. وقمعت هذه القوات المتظاهرين الفلسطينيين مستخدمةً أدوات البطش والرصاص الحي والمعدني. وقتلت سبعة أشخاص منهم وأصابت المئات بجراح. وقد أدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هذه الهجمة واتّهم إسرائيل بتعمد قتل المتظاهرين.

وقالت الرئاسة الفلسطينية إن «إسرائيل تقوم بتنفيذ عمليات قتل وحشية مبرمجة ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس»، وحمّلت الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الخطير وهذا التوتر وهذه الدماء التي سالت من أبناء الشعب الفلسطيني. وحذرت الرئاسة من استمرار هذه الممارسات الإجرامية، وطالبت الإدارة الأميركية بالتدخل الفوري والسريع لوقف هذا العدوان الإسرائيلي كي لا تخرج الأمور عن السيطرة. وأشادت الرئاسة بـ«صمود وصبر شعبنا في كل أماكن وجوده، وبخاصة في القدس وفي قطاع غزة، الذي يتعرض منذ عدة أيام لهجمة شرسة أدت إلى قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت والأبراج السكنية، وهو الأمر الذي يجب أن يتوقف فوراً، والذي لا يمكن السكوت عنه». وطالبت الرئاسة بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وسحب جميع المستوطنين والجنود الإسرائيليين من القدس المحتلة، عاصمة دولة فلسطين. كما دعت الرئاسة مجلس الأمن الدولي وأطراف الرباعية الدولية والمنظمات الإقليمية والدولية إلى تحمل مسؤولياتها لوقف هذه الاعتداءات حفاظاً على الأمن والسلم وفقاً أحكام القانون الدولي.
كانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت عن وقوع سبعة شهداء فلسطينيين، أمس (الجمعة)، حتى ساعات المساء. وعُلم أن أحد الشهداء هو وكيل النيابة في محافظة سلفيت، عيسى برهم، والذي تلقى رصاصة في الصدر من جندي احتلالي خلال مواجهات اندلعت في منطقة «جبل صبيح» جنوب بلدة بيتا جنوب نابلس. وقالت الوزارة إن طواقمها الطبية في مختلف مراكز العلاج تعاملت مع 15 إصابة في رام الله بينها 2 خطيرة، و3 إصابات في أريحا و27 إصابة في نابلس بينها 5 خطيرة، و5 إصابات في بيت لحم، و8 إصابات في جنين، و8 إصابات في سلفيت، و12 إصابة في طولكرم، و5 إصابات في قلقيلية بينها إصابة خطيرة بالرصاص الحي في الشريان الرئيسي. وأضافت أن معظم الإصابات بالرصاص الحي.
وقال الناطق بلسان حركة «فتح» إن «ألوف الفلسطينيين خرجوا في مسيرات سلمية احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على القدس وأهلها وأقدس أقداسها الأقصى الشريف، وتضامناً مع غزة الجريحة المحاصرة، ولكن الاحتلال الجبان خاف هذا المشهد وهو يتكرر في 27 موقعاً مختلفاً من الضفة الغربية فراح يوجّه ضربات خائف قاتلة». ودعا المشاركون في المسيرات والمظاهرات إلى الوحدة الوطنية ورص الصفوف في مواجهة اعتداءات الاحتلال، كما طالبوا بحماية قطاع غزة من قصف الاحتلال المتواصل، موجّهين التحية إلى المقاومة الفلسطينية.
من جهتها، وجّهت حركة «حماس»، «التحية للمواقف البطولية والشجاعة للجماهير الفلسطينية في مدن وقرى الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، التي أكدت فيها وحدة الدم والمصير، والتلاحم الكبير بين كل أبناء شعبنا في ربوع الوطن كافة، رفضاً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تتعرض لها غزة والقدس والمسجد الأقصى المبارك». وقال فوزي برهوم الناطق باسم الحركة، إن «هذا الحراك يدل على أن زمن الاستفراد الإسرائيلي بالقدس وغزة وأي مكان في فلسطين قد ولّى، وأن مسيرة التضحيات دفاعاً عن الدم الفلسطيني والمقدسات مستمرة ومتصاعدة وبكل قوة مهما بلغت التضحيات».
من جهته كشف المحرر العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، أن «إسرائيل معنية بقطع الكهرباء عن قطاع غزة وإبقائه في الظلام لعدة أيام». ورأى فيشمان أن أزمة الكهرباء قد تدفع قيادة حركة «حماس» إلى تعجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، معتبراً أن «ذلك سيدفع الحركة إلى تصعيد عملياتها يومي الجمعة والسبت، لتحقيق إنجاز عسكري كبير، قد يؤثر على الرأي العام في إسرائيل ويسرّع بوقف إطلاق النار». وأشار إلى «مراهنة» إسرائيلية على أن تتسبب الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها المواطنون الغزيون في ضغوطات شديدة على حركة «حماس» قد تدفعها إلى تعجيل التوصل إلى تهدئة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».