الإنترنت شبكة عالمية من المعلومات والبيانات والمتاجر الإلكترونية بشتى أنواعها – الحقيقية والزائفة - تعجّ، كما في العالم الحقيقي، بكافة الطيبات والكثير من الموبقات، فهي تقدم أفضل ما تمتلكه البشرية من معارف وخدمات لشتى متصفحيها من «عابري السبيل»، إلا أنها ملآى بشبكات الاحتيال التي تقدم العديد المتزايد من الخدمات المشبوهة، التي يروج لها النصابون واللصوص.
وهناك العشرات من الاحتيالات الإلكترونية: الاحتيال على البطاقات المصرفية وسرقة الهوية الشخصية بهدف انتحالها، وتسويق أدوية طبية زائفة، ومستحضرات تجميل، وأخرى ضد الشيخوخة كاذبة، والاحتيال في قطاع الأعمال، وجمع التبرعات الوهمية للفقراء أو أثناء الكوارث، واستهداف المسنين بهدف الكسب غير المشروع لأموالهم إضافة إلى اجتذاب الرواد إلى نوادي القمار غير الشرعية والابتزاز وطلب الفدية مقابل إعادة الملفات المحتجزة، وأخيرا الابتزاز الجنسي... ووصل الأمر بالمحتالين حتى إلى سرقة أموال خدمات دفن الموتى، وفقا لموقع مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي «إف بي آي» الذي يستعرض أكثر من 30 نوعا من الاحتيالات!
أحد الكتب الجديدة التي استعرضتها الصحافة البريطانية حديثا كتاب طريف بعنوان: «هايب» Hype الذي يمكن ترجمته: التضخيم أو التهويل أو مجازا في هذه الحالة - الخداع.
كتاب «الخداع: كيف استطاع المخادعون والنصابون والمحتالون أن يهيمنوا على الإنترنت - ولماذا كنا نتبعهم؟» للكاتبة الصحافية الأميركية غابرييل بلوستون الحاملة لشهادة جامعية في القانون، يتحدث بأسلوب صحافي مشوق - ومن دون التعمق في التحليل - عن وقائع النصب والاحتيال وكيف يقع آلاف الناس، ومن بينهم الأغنياء الباحثون عن الشهرة، ببساطة في أفخاخ المحتالين، التي ينصبونها بحذاقة متناهية.
تورد الكاتبة قصة مهرجان «فاير» الموسيقي الذي أعلن عن إقامته عامي 2016 و2017 في جزر البهاما، الذي وعد منظموه المشاركين فيه بإقامة من الطراز الأول، وبطعام متميز وحضور عدد من المشاهير. وإن أحب أي مشارك أن يستأجر لنفسه يختا مع طاه ممتاز فسيكون عليه أن يدفع 250 ألف دولار.
ورغم ضخامة مشروع ذلك المهرجان فإن منظمه بيلي مكفارلاند المدير التنفيذي لشركة «فاير ميديا» لم يكن يملك أي مؤهلات في ميدان تنظيم الاحتفالات. لكن ذلك لم يقلل من مشاعر الإثارة لدى الأغنياء الباحثين عن المتعة الذين اشتروا تذاكر المهرجان من الموقع الإلكتروني الحافل بصور عارضات الأزياء والذي لم يقدم أي تفاصيل وافية عن فقرات المهرجان، الذي تحمست وسائل الإعلام للترويج له.
وما أن تقاطر المشاركون إلى الجزيرة التي كان يقام المهرجان فيها حتى وجدوا أنفسهم في «لجّة من الفوضى» بدلا من تلك التجارب المتوقعة التي كان يرويها «المؤثرون» الإنترنتيون عما سوف يجري في المهرجان.
كانت هناك خيام «مهلهلة» للسكن، ولم يقابل المشاركون أي مشاهير ولم يروا يخوتا أو يتمتعوا بأي طعام فاخر... وأرسل أحدهم رسالة عبر «تويتر» انتشرت كالهشيم في النار، مع صورة لساندويتش من الجبن أعطي له بدلا من وجبة فخمة.
غابرييل بلوستون إضافة إلى عملها الصحافي تعمل أيضا كمنتجة أفلام، وقد أشرفت على إنتاج فيلم وثائقي حول نفس الحدث بعنوان «فاير Fyre: الحفلة التي لم تُقَمْ أبدا» لصالح شركة «نتفليكس». وهي تقول إن مئات من المشاركين في المهرجان دفعوا آلاف الدولارات من دون أن يتمتعوا بأية خدمات. ورغم تقديم مكفارلاند منظم مهرجان «فاير» إلى القضاء إلا أنه عاد ليمارس احتيالاته مجددا.
النتيجة التي تتوصل إليها الكاتبة أن مهرجان «فاير» ليس حدثا وحيدا في مجال تنظيم الأنشطة والفعاليات، بل إن قصتنا اليوم مع الإنترنت تتمثل في أنها «نهاية طبيعية لمجتمع يؤمن بأحاسيسه ومشاعره أكثر من ثقته بالحقائق الموضوعية الموثوقة».
والأمر الأكثر إثارة للدهشة أنه وبينما كان «المؤثرون» الكبار على منصات التواصل الاجتماعي الذين تلقوا مبالغ مالية من منظمي المهرجان، يروجون له، تبرع المروجون الأصغر شأنا - رغبة منهم للحاق بالأحداث ولتلميع صورتهم - بالترويج له أيضا.
وترى الكاتبة أن حقيقة المنصات الاجتماعية تتجلى اليوم باعتبارها مواقع مليئة بـ«المرايا والدخان» - منصات المخادعة، التي يحاول كل فرد فيها الظهور بصفات لا يملكها: الغنى والثروة، الأناقة والجمال، والمنصب والعلاقات الأقوى - لتسويق نفسه أو للترويج لشيء ما. تورد الكاتبة أمثلة عديدة عن أعمال الخداع الإنترنتي، فالسيدة كاولاين كالاواي قدمت نفسها على منصة «إنستغرام» بوصفها نجمة بعد أن دفعت أموالا لأشخاص لكتابة شروح لصورها، ومن ثم هبط عليها فجأة عقد بقيمة 500 ألف دولار لكتابة كتاب عن حياتها الملهمة بوصفها سيدة أميركية في أوروبا.
أما الروسية أنّا سوروكين فهي إمبراطورة الخداع والمكر إذ قدمت نفسها باسم «أنّا ديلفي» بوصفها سليلة عائلة ألمانية غنية. وظلت على مدى أربع سنوات تعيش حياة مرفهة بأموال الآخرين... فقط لأنها أوحت لهم بأنها ثرية. وقد ساعدها محاميها في اختراق البنوك لتحصل على قروض بمبلغ 100 ألف دولار، لكنها وقعت في قبضة العدالة وحكم عليها بالسجن بين 4 و12 سنة.
وتتساءل الكاتبة: لماذا يقع الناس في فخ هؤلاء النصابين؟ وتجيب أن أحد الأسباب يكمن ربما في أن مكفارلاند نفسه كان يحلم بنفس أحلام الأشخاص الذين سرق أموالهم. «لقد كان يجمع الأموال بنجاح من هنا وهنا، وكان يبيع للآخرين نفس الأشياء التي كان يبحث هو عنها: وهي فرصة العيش تحت أضواء الشهرة لأشخاص خاسرين»!
ويشير الكتاب إلى خلاصة مفادها أن الإنترنت تجعلنا ضعفاء أمام أمثال مكفارلاند حول العالم، «إذ وكما يعتقد، فإن النصابين والمحتالين ظهروا منذ عصور ما قبل التاريخ... إلا أن أمرا عظيما حدث أخيرا - هو توظيفهم للتكنولوجيا الحديثة كعامل قوي لدعم أعمالهم». ومع ذلك فإن سحر شخصية المحتالين لا تزال تمثل محور نشاطهم. ومثال أنا سوروكين شاهد على ذلك.
وأخيرا، فالأمر الأسوأ من كل ذلك أن المحتالين والنصابين لا يلاقون الردع الكافي... لأن الضحايا أنفسهم يسارعون إلى الوقوع في أفخاخهم المشبوهة.
الخداع:
كيف استطاع المخادعون والنصابون والمحتالون أن يهيمنوا على الإنترنت - ولماذا كنا نتبعهم؟
Hype: How Scammers، Grifters، Con Artists and Influencers Are Taking Over the Internet - and Why We›re Following
المؤلفة: غابرييل بلوستون
خداع الإنترنت... فخ النصّابين لاجتذاب المغفلين
يتفاقم في مجتمعات تغلِّبْ أحاسيسها على الحقائق الموضوعية الموثقة
خداع الإنترنت... فخ النصّابين لاجتذاب المغفلين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة