كيف يمكن أن تتعامل مع النرجسي؟

إرشادات لفهم آليات العقل والدماغ

كيف يمكن أن تتعامل مع النرجسي؟
TT

كيف يمكن أن تتعامل مع النرجسي؟

كيف يمكن أن تتعامل مع النرجسي؟

هل تعرف شخصاً متعجرفاً بشكل مفرط، أو يظهر نقصاً شديداً في التعاطف، أو يُظهر إحساساً مبالغاً فيه بالاستحقاق؟ هذه الأسئلة جميعها من أهم السمات لاضطراب الشخصية النرجسية. وعندما يتعلق الأمر بالتعامل مع النرجسيين، يكون من الصعب إيصال وجهة نظرك. فكيف تتعامل مع الأشخاص النرجسيين في حياتك؟ قد تتفاعل معهم في أماكن اجتماعية أو مهنية، وقد تحب أحدهم أيضاً، لذا فإن تجاهلهم ليس حلاً عملياً حقاً. إنهم محبطون، وربما مخيفون، لكن في النهاية نحتاج إلى إيجاد طريقة للتواصل معهم بشكل فعال.
ويندي بيهاري هي مؤسسة مديرة مركز العلاج المعرفي في نيوجيرسي ومعاهد العلاج، وقد تعاملت مع العملاء وتدريب المتخصصين والإشراف على المعالجين النفسيين لأكثر من 20 عاماً، وشاركت في كتابة كثير من المقالات والدراسات بهذا الشأن، ومنها كتاب «تعرية النرجسي... التعايش والديمومة مع المستغرق بذاته» الذي ترجم لأكثر من 15 لغة حتى الآن. وها هي ترجمته العربية الأولى تصدر عن «دار المدى»، بترجمة محمد السعدي.
الكتاب هو حول التعامل مع النرجسيين لمساعدة عدد لامتناهٍ من الأشخاص، بمن فيهم زبائن ويندي بيهاري نفسها، الذين يحاولون العيش أو العمل مع النرجسيين يوماً، وعلى الرغم من وجود كثير من الكتب التي تناولت موضوع النرجسيين، فإن كتاب «تعرية النرجسي» يتناول المسألة بدرجة أكبر من التعقيد والعمق والتعاطف، ويطرح استراتيجيات فعالة جداً نحو تغيير أوضاعهم، وذلك بعد سنوات من الممارسة السريرية التي قامت بها بيهاري لتقديم علاج تخصصي للنرجسيين ومعارفهم، مما يجعلها كاتبة مثالية للحديث عن هذه المشكلة المزمنة الصعبة.
يقول د. جيفري يونغ عن كتاب «تعرية النرجسي»: «تلجأ بيهاري إلى مجالين من العلم والعلاج لمساعدة القارئ على فهم النرجسية، والتعامل معها بصورة أفضل، وهما: العلاج التخطيطي وعلم البيولوجيا العصبية الشخصية. فالعلاج التخطيطي هو طريقة عملت مع زملائي على تطويرها طوال عشرين سنة لمساعدة المعالجين والمرضى وسواهم على فهم المواضيع أو المخططات العاطفية العميقة بصورة أفضل، وهي تبدأ منذ الطفولة، وتقود معظمنا في نهاية المطاف إلى الانخراط في أنماط حياتية متكررة مدمرة للنفس. وقد عرضت هذه الأفكار للقارئ في كتاب (إعادة اختراع الحياة)».
ويسهم كتاب «تعرية النرجسي» في تطوير مفاهيم العلاج التخطيطي للعمل مع النرجسية، ويتضمن أفكاراً ووجهات نظر جديدة، فقد قدمت المؤلفة توضيحاً مفيداً لكيفية تأثير عوامل مثل الخلل والحرمان العاطفي على حياتنا بطرق دراماتيكية، ورفدتنا إسهاماتها الفريدة في العلاج التخطيطي بفهم أعمق للنرجسيين في حياتنا، بالإضافة إلى تعليمنا كيفية التغلب على الوساوس التي تمنعنا من التعامل كما ينبغي مع النرجسيين.
وقراءة هذا الكتاب تفترض أن تكون أنت على علاقة بنرجسي، وأن تركيز هذا الشخص المفرط على نفسه وإحساسه بالأحقية قد آذاك وأضر بالعلاقة مراراً وتكراراً. فيمكن لهذا الكتاب مساعدتك؛ إنه مليء بالمعلومات المفيدة والتمارين التوضيحية والاستراتيجيات الفعالة، فالمؤلفة ويندي بيهاري تدعو القارئ قبل الخوض في التفاصيل التي تساعده على فهم النرجسي في حياته، وكيفية تحقيق تغييرات إيجابية في علاقة القارئ معه «إلى النظر سريعاً إلى الوعي المتزايد تجاه النرجسية، والدور المهم الذي يلعبه التعاطف في شفاء العلاقات المتأثرة بالسلوكيات النرجسية».
ويتضمن الكتاب أيضاً فصولاً جديدة حول التعامل مع النساء النرجسيات، والنرجسيين العدوانيين المسيئين، واستراتيجيات السلامة، والعلاقة بين النرجسية وإدمان الجنس، وكيف تستطيع وضع حدود في التعامل مع نرجسي خاص بك، وترسم حين يحين الوقت خطاً على السلوك غير المقبول.
النصائح في هذا الكتاب ترشدنا إلى معرفة التحديات التي تواجهنا في أثناء العيش بعلاقة مع شخص لديه القليل ليعطيه، ولكن يأخذ الكثير في المقابل، وتساعدنا على أقل تقدير في فهم آليات العقل والدماغ خلال العلاقة.


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.