في حي بلكور الشعبي بالعاصمة الجزائرية، يعرض التاجر عبد القادر ملابس الأطفال الخاصة بعيد الفطر فوق طاولة خارج محله، وهمّه الوحيد جلب أنظار المتسوقين إلى بضاعته الجديدة. أما داخل السوق التي كانت تعجّ بالحركة فبدا الباعة والزبائن غير مهتمين تماماً بانتخابات البرلمان، المقررة الشهر المقبل، التي ستنطلق حملتها بعد أربعة أيام.
في 1991، شهد هذا الحي تنافساً شديداً بين «الإسلاميين» والمحافظين على الفوز بأول انتخابات برلمانية تنظم في تاريخ البلاد (26 ديسمبر/كانون الأول)، والتي اكتسحها «الإسلاميون» في هذا الحي والعاصمة وفي البلاد كلها. لكن تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات قبل دورها الثاني، ودفع الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة، وحلّت السلطة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بتهمة الإرهاب.
منذ ذلك التاريخ، توالت المواعيد الانتخابية، لكن من دون أن يكون لها الزخم نفسه، الذي عاشه حي بلكور المنسوب لـ«معاقل الإسلاميين». يقول التاجر عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» عن انتخابات 12 يونيو (حزيران) المقبل «يوجد شعور عام في البلاد بأن البرلمان أصبح مكاناً للانتهازيين والباحثين عن ترقية اجتماعية، واللاهثين وراء مدخول شهري كبير؛ لذلك لن يعطي الجزائريون أصواتهم للمترشحين. ثم إن البرلمان عاجز عن حل أزمات المواطنين، انظر إلى الإضرابات التي تشنها حالياً قطاعات التربية (التعليم) والبريد والصحة والحماية المدنية، هل تعتقد أن النواب يستطيعون الضغط على الحكومة ليأخذ المضربون حقوقهم؟. أكيد لا». وبحسب عبد القادر، فإن السلطة في زمن بوتفليقة «شوّهت العمل البرلماني».
في الحي الشعبي بلكور، كما في بقية أحياء وشوارع وفضاءات العاصمة الرئيسية، لم تضع «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» صفائح الدعاية الانتخابية لتتيح لمرشحي الأحزاب والمستقلين نشر ملصقاتهم عليها. كما أن الكثير من التشكيلات السياسية والمستقلين لم يضبطوا بعد خططهم الإشهارية، كتصميم الملصقات والقصاصات الورقية الموجهة للناخبين لاستمالتهم، ولم يحضروا أجندة اللقاءات الجوارية والتجمعات والمهرجانات. ومن الواضح، حسب لقاء «الشرق الأوسط» مع بعض المترشحين وقادة أحزاب أن لقاء الناخبين في الميدان ستكون تجربة صعبة نظراً لـ«حالة العزوف الانتخابي»، البادية في الشارع.
في هذا السياق، أكد أحمد غميط، مرشح «حركة مجتمع السلم»، التوجه الإسلامي ذاته بمحافظة بومرداس (شرق العاصمة)، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يمكن تفسير حالة الفتور تجاه انتخابات البرلمان بثلاثة أسباب. الأول يتمثل في ظروف جائحة كورونا وارتفاع أعداد المصابين بالفيروس، وليس هناك شكَ في أن اهتمام الجزائريين منصبّ على سلامتهم أكثر من الانتخابات. والسبب الثاني يتعلق بتعقيدات يتضمنها قانون الانتخابات، زيادة على إقصاء عدد كبير من المرشحين بناءً على تقارير الجهات الأمنية، وهو ما يؤثر على تقديم أفضل المرشحين للناخبين؛ مما لا يشجع على التصويت. أما السبب الثالث فهو استمرار مظاهرات الحراك الشعبي، التي ترفع فيها شعارات معادية للانتخابات».
وأبرز غميط، وهو مدرس بالتعليم، أن ديناميكية مقاطعة الانتخابات التي طبعت استفتاء تعديل الدستور في فاتح نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ما زالت غالبة، حسبه، على الظرف السياسي في البلاد. مشيراً إلى أن الترشيحات «كانت مكثفة، بعكس برودة المواطنين تجاه الاستحقاق المرتقب». وأضاف موضحاً «سنواجه صعوبة في التواصل مع الناخبين أثناء الحملة الانتخابية، لكننا نملك تجربة 30 سنة في خوض الاستحقاقات، وسنتجاوز العقبات انطلاقاً من عزيمتنا على التكيف مع المستجدات».
من جهته، قال البرلماني السابق وقيادي «مجتمع السلم»، ناصر حمدادوش «عندما تلاحظ حجم الإقبال على منح التوقيعات (شرط للترشح)، وكثرة عدد لوائح الترشيحات، تدرك حجم الانخراط في هذه العملية الانتخابية كمسار ديمقراطي، ولو أنه متعثر بسبب الهواجس والتحفظات، والمخاوف من استمرار السلطة في ممارساتها التقليدية القديمة، في الهيمنة وفرض السيطرة عليها».
وعدّ حمدادوش الانتخابات «استثنائية لكونها جاءت قبل موعدها (الرئيس حل البرلمان في فبراير/شباط الماضي)، ووفق قوانين وسلطة جديدة تشرف عليها، مع حالة الطموح المفرط للمترشحين، والحجم الكبير للوائح الانتخابية، وخاصة المستقلين، مع ظروف شهر رمضان والضغط في عمليات الترشيح والترشح، وكل ذلك أثّر على الجو العام الذي يبدو بارداً قبل انطلاق الحملة الانتخابية بأيام».
يقول حمدادوش بنبرة متفائلة «رغم كل شيء، أتوقع انطلاقة قوية للحملة، على الأقل بالنسبة لحزبنا. فقد خضنا حملة مبكرة بفضل عمل في العمق وسط المواطنين لإقناعهم بالتصويت. وقد لاحظنا أنه حتى في الولايات المعروفة بمواقفها (الرافضة) التقليدية من الانتخابات، هناك العشرات من لوائح الترشيحات. كما انخرط كوادر بعض الأحزاب التي أعلنت مقاطعة الاستحقاق، في لوائح كمرشحين مستقلين». في إشارة إلى منطقة القبائل والحزبين المتجذرين بها «جبهة القوى الاشتراكية»، و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية».
من جهته، صرّح جمال بن عبد السلام رئيس «جبهة الجزائر الجديدة» (مؤيد للرئيس تبون)، بأن «موقفنا واضح، وهو لا بديل عن الانتخابات، ونحن ضد المرحلة الانتقالية، التي تدعو إليها بعض الأطراف في الداخل والخارج.. وإن كان من حق أي شخص مقاطعة الانتخابات، والدعوة إلى عدم التصويت. لكن ليس من حق أي أحد منع الناس من الانتخاب، أو عرقلة العملية الانتخابية».
«الشرق الأوسط» تستطلع آراء الجزائريين والأحزاب قبل انطلاق حملة الانتخابات التشريعية
في أجواء يطبعها التذمر من سوء المعيشة واستمرار الحراك
«الشرق الأوسط» تستطلع آراء الجزائريين والأحزاب قبل انطلاق حملة الانتخابات التشريعية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة