لبنان يحاول التبرؤ من «القرض الحسن»

TT

لبنان يحاول التبرؤ من «القرض الحسن»

نفت رئاسة الجمهورية اللبنانية و«المصرف المركزي» أن يكون اجتماع الرئيس ميشال عون، أمس، مع حاكم «المركزي» رياض سلامة تناول ملف مؤسسة «القرض الحسن» التابعة لـ«حزب الله» والتي تعرضت لعقوبات أميركية أول من أمس الثلاثاء، في وقت يشغل فيه هذا الملف الأوساط المصرفية والسياسية لما له من تداعيات على سمعة لبنان المالية.
وكان «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)» التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أدرج على قوائم العقوبات، 7 أفراد على صلة بـ«حزب الله» ومؤسسته المالية «القرض الحسن» التي يستخدمها الحزب غطاءً لإدارة أنشطته المالية والوصول إلى النظام المالي الدولي.
وقللت مصادر مصرفية من المخاوف القائمة بالنظر إلى امتثال المؤسسات المصرفية اللبنانية للقوانين الدولية المتصلة بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إنه «سبق لـ(حاكمية مصرف لبنان) أن أبلغت وزارة الخزانة الأميركية أن مؤسسة (القرض الحسن) غير مرخصة وليست لها أي علاقات بالجهاز المصرفي»، في إشارة إلى أنها جمعية اجتماعية لا تحوز رخصة تداول مالي، علماً بأن وضع اليد على «جمال تراست بنك» عام 2019 جرى بناء على شبهات من «مكتب مراقبة الأصول المالية» في وزارة الخزانة الأميركية، بأن البنك متورط في عمليات غير مشروعة لهذه المؤسسة ولهيئات أخرى تتبع «حزب الله».
وأكدت المصادر أن «مصرف لبنان» عمد بالفعل إلى عزل البنك في أغسطس (آب) عام 2019، وتم تعيين مدير مفوض من قبله (محمد بعاصيري) أشرف على عمليات التصفية الذاتية، وبالتالي إخراج البنك نهائياً من القطاع والسوق، مع التنويه بتجميد تام للحسابات المشبوهة وصرف كامل الودائع لأصحاب الحقوق ومعالجة محفظة القروض.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس، أن الأفراد السبعة المدرجين على قائمة العقوبات «استخدموا لغطاء الحسابات الشخصية في بعض البنوك اللبنانية؛ بما في ذلك (بنك جمال ترست) المصنف من قبل الولايات المتحدة، للتهرب من العقوبات التي تستهدف (القرض الحسن)، وتحويل نحو نصف مليار دولار نيابة عن هذه المؤسسة».
ويتصدر ملف المعالجات الرسمية لهذا الملف الهواجس اللبنانية، بغرض منع امتداد التداعيات إلى النظام المالي اللبناني. وبعد اجتماع الرئيس ميشال عون وحاكم «مصرف لبنان»، ذكرت قناة «إم تي في» اللبنانية أن ملف «القرض الحسن» كان موضع بحث في اللقاء. ووفق معلومات المحطة، أكد حاكم «المركزي» لرئيس الجمهورية أن هذه المؤسسة لم تحصل على ترخيص من «مصرف لبنان»؛ وأنها بالتالي تعمل في الأمور المالية خلافاً للقوانين اللبنانية.
لكن الرئاسة اللبنانية نفت الخبر، وذكرت في بيان أن ما نُشر وتناولته بعض المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام عن أن رئيس الجمهورية بحث مع حاكم «مصرف لبنان» موضوع «جمعية القرض الحسن»، هو «غير صحيح ولا أساس له»، موضحاً أن البحث بين الرئيس والحاكم «تناول الأوضاع النقدية في البلاد، وموضوع البطاقة التمويلية، ومسألة الدعم»، مشدداً على أن «كل ما عدا ذلك أخبار مختلقة».
كذلك أكد «المصرف المركزي» في بيان أن «هذا الخبر عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلاً»، مؤكداً أن «محور الاجتماع كان الوضع الاقتصادي والمعيشي».
وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» إن الافصاح عن هذه المداولات لو كان صحيحاً «فسيكون رسالة للخارج وليس للداخل، والمقصود هو تبرئة الدولة اللبنانية ومعها القطاع المالي من أي توجهات عقابية تتعدى النطاق الذي أقدمت عليه وزارة الخزانة الأميركية»؛ أي من هم على صلة مالية بالحزب وبمؤسسات «القرض الحسن» أو «جهاد البناء» وسواها من المؤسسات المدرجة في لوائح «مكتب مراقبة الأصول المالية الخارجية» في الولايات المتحدة.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.