جمال سنان: «للموت» أخرج العملاق من داخل النجم اللبناني

أكد أن «نتفليكس» اشترت حقوق عرضه بـ 5 لغات

صورة تذكارية تجمع فريق عمل مسلسل «للموت» بمناسبة انتهاء تصويره
صورة تذكارية تجمع فريق عمل مسلسل «للموت» بمناسبة انتهاء تصويره
TT

جمال سنان: «للموت» أخرج العملاق من داخل النجم اللبناني

صورة تذكارية تجمع فريق عمل مسلسل «للموت» بمناسبة انتهاء تصويره
صورة تذكارية تجمع فريق عمل مسلسل «للموت» بمناسبة انتهاء تصويره

على وقع شارته الموسيقية «أوقات» دخل فريق عمل المسلسل الرمضاني «للموت» قاعة المؤتمر الصحافي الذي دعت إليه شركة «إيغل فيلمز» في فندق هيلتون البيروتي. وعلى التوالي نزلت ماغي بو غصن ودانييلا رحمة ومعهما باقي أبطال العمل، من باسم مغنية ومحمد الأحمد وخالد القيش وأحمد الزين وروزي الخولي وغيرهم، سلالم درج البهو الرئيسي للفندق. وبالتصفيق الحار قوبل نجوم العمل، وفي مقدمهم صاحب الشركة المنتجة للعمل جمال سنان، فقطعوا قالب الحلوى معلنين انتهاء تصوير المسلسل.
وجاء هذا المؤتمر ليكون بمثابة لمة رمضانية خجولة، نسبة إلى حفلات سحور، اعتادت الشركة المذكورة إقامتها في الأعوام السابقة بمناسبة الشهر الفضيل.
مسلسل «للموت»، الذي يتصدر بنسب مشاهدته قائمة الأعمال الدرامية الرمضانية على منصة «شاهد» الإلكترونية، كان لا يزال يجري إكمال تصويره لغاية مساء الجمعة الماضي 7 مايو (أيار) الحالي. وبمناسبة انتهاء تصويره لبّى أهل الصحافة والإعلام دعوة «إيغل فيلمز» للالتقاء بنجومه. ولوحظ الاهتمام الكبير من الصحافيين والإعلاميين بمواهب جديدة برزت في المسلسل كتالين أبو رجيلي التي تجسد شخصية الفتاة الشحاذة، وريان حركة التي تقدم دور ابنة داليدا رحمة (لميس).
وفي حديث مع جريدة «الشرق الأوسط» اعتبر صاحب شركة «إيغل فيلمز» جمال سنان أنّ مسلسل «للموت»، لم يكسر النمطية الدرامية اللبنانية، بل العربية كافة. ويتابع: «لقد حقق نجاحا كاسحاً حتى على الصعيد العالمي، بحيث إنه يتصدر نسب المشاهدة على قائمة الأعمال الدرامية الرمضانية المعروضة على منصة (شاهد). وبالتالي فإن العمل حقق نجاها مبهراً في بلاد الانتشار. وتميز المسلسل في الشهر الكريم، دفع بمنصة (نتفليكس) العالمية إلى شراء حقوق عرضه ودبلجته إلى 5 لغات مختلفة. وهذا الأمر يشير بوضوح إلى أنّ (للموت) لم يمر مرور الكرام، وهو استطاع منافسة أعمال رمضانية عربية كثيفة أخرى وتفوق عليها».
ويشيد جمال سنان بنجوم العمل، لا سيما اللبنانيين منهم ويقول في سياق حديثه: «لقد استطاع هذا العمل إخراج العملاق من أعماق النجم اللبناني. فأظهر قدراته التمثيلية التي نفتخر بها. فأبهرنا وكان هؤلاء الممثلين خير سفير للبنان، الذي لا يمكن أن يتخلى عن دوره الطليعي على الساحة الفنية والرمضانية معاً. ويعلق: «لقد كان رهاني صائباً عندما قررنا إكمال تصوير العمل رغم عقبات جمة واجهتنا وفي مقدمها تطبيق الإقفال التام في البلاد بسبب الجائحة. وأنا فخور بالخيارات التي اتخذتها فيما يخص المسلسل والمتعلقة بأسماء نجومه وكاتبته ومخرجه. فالأصداء الإيجابية التي لا يزال يحصدها منذ بدء عرض حلقاته الأولى حتى اليوم، هو أكبر دليل على حسن خياراتنا وتفاعل المشاهد معها عربياً وعالمياً».
وعن الدور الذي لعبه فيليب أسمر في تنفيذ «للموت» ووضعه على سكة الأعمال العالمية يقول: «لقد أحدث الفرق في نمط الإخراج وتقديم الصورة التي تليق بالشاشة العربية. ولكن لا يمكننا أن ننسى أيضاً قدرات النجوم الذي شاركوا في العمل، وكذلك فريق الـ(في أو بي) المساعد له وهو ما جعل (للموت) عملاً متكاملاً».
وهل اختياراتك هذه للمسلسل التي يغلب عليها العنصر اللبناني كان مخططاً له من قبلك لتقديم هدية قيمة للبنان في الشهر الفضيل؟ يرد في معرض حديثه: «نحن دائماً رغم كل الوجع الذي يعاني منه لبنان، لم نتخلَ عنه. فهذا هو بلدنا ومسقط رأسنا وجذورنا ولن نتخلى عنه وهو في عز محنته حتى لو راحت حالته نحو الأسوأ. فأنا أتمسك بلبنان في جميع حالاته. حتى أني أنتج أعمالاً عربية على أرضه، وهذا الأمر مطلوب منا كلبنانيين نفتخر ببلدنا ونسانده في عزّ أزماته. فليس المطلوب منا أن ندعم لبنان وهو في أوج حركته وازدهاره، بل أيضاً وهو يعاني من مشكلات كثيرة. فكما هو معروف لدينا في الشركة مكاتب تتوزع على مختلف بلدان الكرة الأرضية، وكان في استطاعتنا تصوير مسلسلاتنا خارج لبنان. ولكننا نحرص دائماً على إبراز الوجه الإيجابي والجميل للبنان. فلقد كنا على دراية بأنّ سكريبت «للموت» كان رائعاً وحبكته ممتازة. وإصرارنا على تصويره في لبنان جاء عن سابق تصميم، ولكننا لم نتوقع أن يحقق كل هذا النجاح وأن يجتاح العالم بنسب مشاهدته إلى حدّ كبير، التي أشبهها بـ«تسونامي».
وتستعد شركة «إيغل فيلمز» في المقابل لتصوير عدد من المسلسلات الجديدة وبينها «أسوار الماضي» مع المخرج علي العلي. ويحكي قصة مستوحاة من حكايات حقيقية تجري خلف قضبان سجون النساء. وكذلك انتهت الشركة من تصوير مسلسل «أمنيزيا» وهو من إخراج رودني حداد وتأليف دكتور حنين عمر. ويلعب بطولته باقة من نجوم الشاشة العربية وبينهم حمد أشكناني وفاطمة الصفي وكارول عبود وإيلي متري وختام اللحام وسينتيا كرم وغيرهم.
وعما إذا بدأ التحضير لموسم رمضان 2022 يوضح: «لدينا متسع من الوقت لأخذ القرارات اللازمة حول موضوعات مسلسلات رمضان المقبل. وحتى ذلك الوقت فإننا منشغلين في تنفيذ نحو 10 أعمال درامية، وبينها ما سيجري عرضه عبر المنصات الإلكترونية قريباً».


مقالات ذات صلة

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

يوميات الشرق نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

من أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد»، التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان السعودي عبد المحسن النمر (البحر الأحمر السينمائي)

عبد المحسن النمر: «خريف القلب» يتضمن قصصاً تهم الأسر العربية

قال الفنان السعودي عبد المحسن النمر، إن السبب الرئيسي وراء نجاح مسلسله الجديد «خريف القلب» يعود إلى مناقشته قضايا إنسانية تهم الأسر العربية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)