الأحزاب اللبنانية تحاول استيعاب النقمة الدولية عليها

TT

الأحزاب اللبنانية تحاول استيعاب النقمة الدولية عليها

تدرك الأحزاب اللبنانية التقليدية أن التعاطي الدولي معها بات على قاعدة «كلن يعني كلن»، لجهة أن النقمة عليها باتت عارمة والمسؤوليات باتت توزع بالتساوي فيما بينها، وهو ما عبر عنه بوضوح وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، ما أثار بالمقابل استياء عدد من هذه الأحزاب التي لا تزال تصر على رفض سياسات التعميم وتحاول استيعاب الواقع الحالي بطريقة أو بأخرى.
ويشدد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أسعد درغام على أن «هناك دائما من القوى السياسية اللبنانية من يفضل أن يكون تابعا للخارج، وهذه مشكلتنا معه». ويعتبر درغام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أننا في مرحلة شديدة الخطورة، لافتا إلى أن هناك بالمقابل «إنفراجات كبرى بدأت تظهر في المنطقة، من خلال سلسلة من الحوارات والمفاوضات الناشطة، لذلك على لبنان عدم انتظار الخارج والسعي لاستنباط الحلول الداخلية وهذه مهمة الرئيس المكلف».
وإذ تمنى «ألا تكون العقوبات الفرنسية كما العقوبات الأميركية سياسية بامتياز»، رأى أنه «إذا كانت باريس حريصة على اللبنانيين، فعليها أن تبدأ من حسابات المسؤولين في المصارف الخارجية، وتطبيق عقوبات على من شارك في الفساد، أما العقوبات السياسية فلا تخدم مصالح اللبنانيين».
من جهته، يقر نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش أن «كل الأحزاب اللبنانية أصبحت بموقع الاتهام»، معتبرا أنها أصلا في الحقيقة «ليست أحزابا إنما مجموعة من القبائل على رأسها رئيس قبيلة... وهي تعاملت مع البلد على هذا الأساس من خلال تناتش خيراته». ويشير علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه حتى الساعة «لم يتحدد سواء للداخل أو الخارج شكل البدائل المطروحة عن الأحزاب والقوى التقليدية، ما يوجب أن يدفعنا للعودة لطرح خيارات سياسية وطنية اقتصادية اجتماعية لا قبائلية... فما يعنينا كسر الحصار المحلي لا الحصار الخارجي، لأن ما يهم الأحزاب هو الناخب اللبناني وليس أي شيء آخر».
ويصر رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور على عدم وجوب تعميم فكرة الاستياء الخارجي من كل الأحزاب اللبنانية، «ففي نهاية المطاف نحن كقوات لا نعاني من أي أزمة خارجية، ومن يعاني هم الأطراف الذين ينتهجون سياسات بعيدة عن السياسة العربية والدولية ولهم سياسات محورية... نحن لدينا أفضل العلاقات الخارجية انطلاقا من نظرة المجتمع الدولي إلينا على مستويين، أولا، كطرف سياسي مبدئي على مستوى الممارسة الوطنية والسياسية، كطرف سيادي واستقلالي التوجه ومشروعه السياسي واضح المعالم لا يبدل باتجاهاته وسعيه لقيام دولة حقيقية وفعلية في لبنان. وثانيا كقوة إصلاحية حقيقية حيث إن الغرب يثمن هذا التوجه لجهة أنه لا يكفي فقط أن تكون قوة سيادية إنما أيضا قوة تحرص على بناء دولة مؤسسات حقيقية والالتزام بالقوانين والدستور».
ويشدد جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حزبه لا يتوخى من أي علاقة خارجية غاية شخصية أو حزبية، «فبالنسبة إلينا لبنان جزء لا يتجزأ من الشرعيتين العربية والدولية ونحن نحث عواصم القرار الغربية والعربية على الدفع قدما باتجاه تطبيق القرارات الدولية ومساعدة لبنان والمؤسسات الأمنية والعسكرية ونقوم بدورنا بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، فلا نريد دعما مباشرا لنا كقوات لبنانية إنما نوظف علاقاتنا الخارجية لدفع الأسرة الدولية لتتحمل مسؤولياتها حيال القضية اللبنانية».
وبحسب الخبراء، الاستياء الخارجي من الأحزاب اللبنانية لا يعني وجود مشروع واضح لديها لحل الأزمة أو فرض بديل معين. وفي هذا الإطار يعتبر أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين أن «لبنان ليس من ضمن أولويات المجتمع الدولي أو الحوارات والمفاوضات الناشطة في المنطقة فهو بنهاية المطاف مجرد تفصيل لا كملف أساسي... وحدهم الفرنسيون يظهرون اهتماما فيه نتيجة علاقتهم التاريخية والثقافية به ويحاولون الدفع به إلى سلم الأولويات».
ويشير ياسين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لا مشروع دوليا واضحا للبنان سوى لجهة إبقائه مستقرا بالحد الأدنى من خلال تقديم مقومات الحياة الأساسية للأكثر فقرا ومساعدات إنسانية محدودة، أما اعتقاد البعض أن هناك توجها لعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان كما (الطائف) لتغيير النظام أو غيره، ففي غير مكانه».
، مضيفا «قد يكون لقاء لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت قوى المعارضة الجديدة رسالة للأحزاب التي لم يتردد بالقول لها إن المجتمع الدولي سئم منها لعدم التزامها بتعهداتها وترك البلد يتفكك ويتحلل... ورسالته كانت واضحة بالدعوة لتشكيل حكومة تنجز بعض الإصلاحات للحصول على المساعدات بانتظار الانتخابات النيابية التي قد تخلق واقعا وقوى جديدة».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.