الأحزاب اللبنانية تحاول استيعاب النقمة الدولية عليها

TT
20

الأحزاب اللبنانية تحاول استيعاب النقمة الدولية عليها

تدرك الأحزاب اللبنانية التقليدية أن التعاطي الدولي معها بات على قاعدة «كلن يعني كلن»، لجهة أن النقمة عليها باتت عارمة والمسؤوليات باتت توزع بالتساوي فيما بينها، وهو ما عبر عنه بوضوح وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، ما أثار بالمقابل استياء عدد من هذه الأحزاب التي لا تزال تصر على رفض سياسات التعميم وتحاول استيعاب الواقع الحالي بطريقة أو بأخرى.
ويشدد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أسعد درغام على أن «هناك دائما من القوى السياسية اللبنانية من يفضل أن يكون تابعا للخارج، وهذه مشكلتنا معه». ويعتبر درغام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أننا في مرحلة شديدة الخطورة، لافتا إلى أن هناك بالمقابل «إنفراجات كبرى بدأت تظهر في المنطقة، من خلال سلسلة من الحوارات والمفاوضات الناشطة، لذلك على لبنان عدم انتظار الخارج والسعي لاستنباط الحلول الداخلية وهذه مهمة الرئيس المكلف».
وإذ تمنى «ألا تكون العقوبات الفرنسية كما العقوبات الأميركية سياسية بامتياز»، رأى أنه «إذا كانت باريس حريصة على اللبنانيين، فعليها أن تبدأ من حسابات المسؤولين في المصارف الخارجية، وتطبيق عقوبات على من شارك في الفساد، أما العقوبات السياسية فلا تخدم مصالح اللبنانيين».
من جهته، يقر نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش أن «كل الأحزاب اللبنانية أصبحت بموقع الاتهام»، معتبرا أنها أصلا في الحقيقة «ليست أحزابا إنما مجموعة من القبائل على رأسها رئيس قبيلة... وهي تعاملت مع البلد على هذا الأساس من خلال تناتش خيراته». ويشير علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه حتى الساعة «لم يتحدد سواء للداخل أو الخارج شكل البدائل المطروحة عن الأحزاب والقوى التقليدية، ما يوجب أن يدفعنا للعودة لطرح خيارات سياسية وطنية اقتصادية اجتماعية لا قبائلية... فما يعنينا كسر الحصار المحلي لا الحصار الخارجي، لأن ما يهم الأحزاب هو الناخب اللبناني وليس أي شيء آخر».
ويصر رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور على عدم وجوب تعميم فكرة الاستياء الخارجي من كل الأحزاب اللبنانية، «ففي نهاية المطاف نحن كقوات لا نعاني من أي أزمة خارجية، ومن يعاني هم الأطراف الذين ينتهجون سياسات بعيدة عن السياسة العربية والدولية ولهم سياسات محورية... نحن لدينا أفضل العلاقات الخارجية انطلاقا من نظرة المجتمع الدولي إلينا على مستويين، أولا، كطرف سياسي مبدئي على مستوى الممارسة الوطنية والسياسية، كطرف سيادي واستقلالي التوجه ومشروعه السياسي واضح المعالم لا يبدل باتجاهاته وسعيه لقيام دولة حقيقية وفعلية في لبنان. وثانيا كقوة إصلاحية حقيقية حيث إن الغرب يثمن هذا التوجه لجهة أنه لا يكفي فقط أن تكون قوة سيادية إنما أيضا قوة تحرص على بناء دولة مؤسسات حقيقية والالتزام بالقوانين والدستور».
ويشدد جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حزبه لا يتوخى من أي علاقة خارجية غاية شخصية أو حزبية، «فبالنسبة إلينا لبنان جزء لا يتجزأ من الشرعيتين العربية والدولية ونحن نحث عواصم القرار الغربية والعربية على الدفع قدما باتجاه تطبيق القرارات الدولية ومساعدة لبنان والمؤسسات الأمنية والعسكرية ونقوم بدورنا بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، فلا نريد دعما مباشرا لنا كقوات لبنانية إنما نوظف علاقاتنا الخارجية لدفع الأسرة الدولية لتتحمل مسؤولياتها حيال القضية اللبنانية».
وبحسب الخبراء، الاستياء الخارجي من الأحزاب اللبنانية لا يعني وجود مشروع واضح لديها لحل الأزمة أو فرض بديل معين. وفي هذا الإطار يعتبر أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين أن «لبنان ليس من ضمن أولويات المجتمع الدولي أو الحوارات والمفاوضات الناشطة في المنطقة فهو بنهاية المطاف مجرد تفصيل لا كملف أساسي... وحدهم الفرنسيون يظهرون اهتماما فيه نتيجة علاقتهم التاريخية والثقافية به ويحاولون الدفع به إلى سلم الأولويات».
ويشير ياسين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لا مشروع دوليا واضحا للبنان سوى لجهة إبقائه مستقرا بالحد الأدنى من خلال تقديم مقومات الحياة الأساسية للأكثر فقرا ومساعدات إنسانية محدودة، أما اعتقاد البعض أن هناك توجها لعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان كما (الطائف) لتغيير النظام أو غيره، ففي غير مكانه».
، مضيفا «قد يكون لقاء لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت قوى المعارضة الجديدة رسالة للأحزاب التي لم يتردد بالقول لها إن المجتمع الدولي سئم منها لعدم التزامها بتعهداتها وترك البلد يتفكك ويتحلل... ورسالته كانت واضحة بالدعوة لتشكيل حكومة تنجز بعض الإصلاحات للحصول على المساعدات بانتظار الانتخابات النيابية التي قد تخلق واقعا وقوى جديدة».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.