أثارت واقعة اقتحام مجموعة من قادة عملية «بركان الغضب» لـ«فندق كورنثيا» مقر إقامة المجلس الرئاسي في طرابلس، المخاوف حول مدى إمكانية نجاح المسار السياسي، وطرحت تساؤلات حول كيفية إنجاز الاستحقاق الانتخابي المقرر عقده في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، في ظل تعقيدات أمنية وتغوّل الميليشيات المسلحة.
ورغم أن المقربين من المجلس الرئاسي قلّلوا من أهمية هذا التحرك المباغت لقيادات «البركان»، وهي قوات موالية لحكومة الوحدة الوطنية، فإن مقاطع الفيديو التي تداولهتا وسائل إعلام ليبية لتجمهر العناصر ذات البزات المموهة داخل بهو الفندق جددت المطالبات بضرورة المسارعة لتقنين أوضاع هذه التشكيلات المسلحة التي تشكلت على خلفية الحرب على العاصمة طرابلس، وباتوا يتحركون بمنطق أنهم «شركاء في الحكم كما كانوا شركاء في صد العدوان على العاصمة».
وفي اللحظات الأولى لوصول قيادات «البركان» إلى الفندق الشهير، الذي تعرض لهجوم «داعشي» مطلع عام 2015، سارع المقربون من المجلس الرئاسي إلى نفي عملية الاقتحام، لكن تبريراتهم لم تخف تداخل الأوراق، والحسابات لهذه التشكيلات المسلحة، مما يراه محللون عبئاً على حكومة عبد الحميد الدبيبة.
ويرى محللون أن الجناح الموالي لأنقرة في السلطة يتمسك بالإبقاء على عناصره من «المرتزقة» بوصفهم قوات «شرعية»، بينما يتمسك بضرورة مغادرة المقاتلين الآخرين، مشيرين إلى أن هذه الكيانات ستعمل على إضعاف موقف حكومة (الوحدة الوطنية) وتفكيكها من منطلق عدو تركيا هو عدونا!
ويقول جمال شلوف رئيس مؤسسة سلفيوم للدراسات والأبحاث، إن ما حدث من تحركات ميليشياوية في طرابلس ضد الرئاسي ووزيرة الخارجية، رسالة تركية تفاوضية للمحيط الإقليمي والدولي، مفادها أنه حتى ولو تم انسحاب القوات التركية ومرتزقتها من ليبيا، فإن الوجود التركي سيبقى عبر ميليشيات ليبية تابعة لأنقرة ومصالحها.
وذهب إلى أن ما حدث في العاصمة هو إثبات للوجود والنفوذ التركي عبر «مرتزقة» محليين لا يشملهم قرارات برلين ومجلس الأمن، ولجنة «5+5» العسكرية، والمطالبات الدولية بمغادرة القوات الأجنبية و«المرتزقة» من التراب الليبي.
واستبقت عملية تحرك قيادات الكتائب المسلحة نحو مقر المجلس الرئاسي عملية غضب على خلفية مطالبة وزيرة الخارجية بالحكومة نجلاء المنقوش، بضرورة مغادرة جميع «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب البلاد، بما فيهم الموالون لتركيا.
وتتمسك «بركان الغضب» بالإبقاء على القوات الموالية لتركيا في ليبيا، لحسابات تتعلق بضرورة مغادرة القوات المناظرة على الجهة الأخرى من محاور القتال، مثل (فاغنر) و(الجنجويد).
ويقول المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي: «ما دام ظل السلاح منتشراً ومنفلتاً وغير مسيطر عليه، بحيث يتحكم في المشهد العام بهذا الشكل، فإن ليبيا للأسف الشديد لن تكون بخير»، متابعاً: «الخوف الأكبر أن هذا الوضع الشاذ والفوضوي الذي فرض نفسه منذ سنة 2011 سيستمر لسنوات طويلة أخرى، فبلادنا أبدا لن تكون بخير».
وتطالب هذه التشكيلات بضرورة إقالة المنقوش، والإبقاء على عماد الطرابلسي رئيساً لجهاز الاستخبارات الليبي، بدلاً من حسين خليفة العائب، الذي عينه المجلس الرئاسي في هذا المنصب قبل نهاية الأسبوع الماضي.
وسعى رئيس الحكومة لكسب دعم كثير من الفصائل الليبية المتنافسة وتشكيل مجلس وزراء كبير يضم مجموعة من الشخصيات الآيديولوجية والإقليمية. غير أن المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية» واجها انتقادات داخلية وكذلك تحديات لسلطتهما.
في السياق، نفت عملية «بركان الغضب» على لسان مصطفى المجعي المتحدث باسم مركزها الإعلامي، عملية الاقتحام، وقال: «المرة الوحيدة التي اقتحم فيها (أبطالنا) فندق (كورنثيا) عندما سحقت خلية (داعش) الإرهابية التي تسللت إليه في يناير (كانون الثاني) عام 2015». وأضاف المجعي «لا نقبل أي مزايدة حول دورنا في حماية الوطن ودحر وملاحقة ومطاردة الطغاة والمفسدين والواهمين لعودة حكم الفرد والعائلة والعسكر»، متابعاً: «السلطة الحالية سلطة مؤقتة أتت عبر اتفاق سياسي وليس عبر الانتخابات، ومن الواجب عليها أن تختار مسؤولين يحظون بقبول الجميع وعدم اختيار شخصيات جدلية من الداعمين للعدوان». في إشارة إلى المنقوش.
وذهب المجعي إلى أن السلطة الحالية عليها العمل على «وضع جرحانا في مقدمة أولوياتهم والاهتمام بضحايا العدوان ومطالبة الدول المتورطة وإلزامها بتعويض ما أفسدته»، وعليها أن «تُطالب الأمم المتحدة بالضغط على الطرف المعتدي بتسليم خرائط الألغام التي زرعتها عصابة (فاغنر) في منازل المدنيين جنوب طرابلس، وإصدار مذكرات قبض وملاحقة بحق المتورطين في المقابر الجماعية بجنوب طرابلس وترهونة والتي لا تزال تُنتشل إلى الآن».
وكان مسلحون اقتحموا الفندق في عام 2015، وفجروا سيارة مفخخة في مرأبه، وأطلقوا الرصاص عشوائيا باتجاه العاملين والنزلاء الموجودين في باحته بالدور الأرضي، وتبنى «تنظيم داعش» العملية وأطلق عليها «غزوة أبو أنس الليبي».
غير أن الأجواء المتوترة التي سادت ليلة أول من أمس، زادت من طرح الأسئلة حول الظروف التي ستجرى في الانتخابات المرتقبة، في ظل انتشار للسلاح وانفلات للميليشيات.
وقال المحلل السياسي فرج فركاش: «مع كل هذا الاستقطاب الحالي وفي هذا الجو المشحون ودون أي مصالحة وطنية ودون توحيد للمؤسسات العسكرية والأمنية، ويتم عقد انتخابات برلمانية ورئاسية». وتحدث فركاش عن استمرار انقسام الجيش بين شرق وغرب وجنوب ليبيا، بالإضافة إلى وجود ميليشيات وكتائب مسلحة منتشرة في المناطق ذاتها! وانتهى متسائلا: «من يضمن أن التصويت سيكون نزيهاً ودون ضغوطات أو ابتزاز؟ ومن يستطيع ضمان القبول بالنتائج؟».
وتقول تركيا إن وجودها العسكري في ليبيا يختلف عن القوات الأجنبية الأخرى لأنه جاء بدعوة من الحكومة السابقة التي اعترفت بها الأمم المتحدة، وإنها لن تنسحب قبل انسحاب الآخرين.
«شركاء الحرب» في طرابلس يطمحون في «شراكة بالحكم»
اقتحام «فندق كورنثيا» يطرح تساؤلات حول نجاح العملية الانتخابية
«شركاء الحرب» في طرابلس يطمحون في «شراكة بالحكم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة