ميليشيات تقتحم مقر «الرئاسي» في طرابلس

تصاعد الضغوط على الدبيبة لإقالة المنقوش بسبب مواقفها المناوئة لتركيا

وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة الوطنية» نجلاء المنقوش في مؤتمر صحافي مع نظيرها التركي (أ.ف.ب)
وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة الوطنية» نجلاء المنقوش في مؤتمر صحافي مع نظيرها التركي (أ.ف.ب)
TT

ميليشيات تقتحم مقر «الرئاسي» في طرابلس

وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة الوطنية» نجلاء المنقوش في مؤتمر صحافي مع نظيرها التركي (أ.ف.ب)
وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة الوطنية» نجلاء المنقوش في مؤتمر صحافي مع نظيرها التركي (أ.ف.ب)

تعرضت السلطة الانتقالية في ليبيا لاختبار عسير، هو الأول من نوعه منذ توليها مقاليد الحكم، بعدما اقتحمت عناصر من هذه الميليشيات فندقاً بالعاصمة طرابلس، يتخذه المجلس الرئاسي، برئاسة محمد المنفي، مقراً له، وذلك في تصعيد كان متوقعاً على خلفية تذمر الميليشيات من مواقف علنية مناوئة لتركيا، صدرت عن نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية بحكومة «الوحدة الوطنية»، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.
وإيذاناً على ما يبدو بنهاية شهر العسل الطويل نسبياً بين الطرفين، وعقب اجتماع عقده قادة بعض الميليشيات المسلحة، المحسوبة على السلطة التي تولت منصبها قبل أقل من شهرين، شوهد العشرات من المسلحين وهم يقتحمون في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس فندق «كورنثيا» بالعاصمة، في أول اختبار حقيقي لمدى هيمنة السلطة الجديدة على الميليشيات المسلحة بالمدينة.
وفي غضون ذلك، طالبت عناصر من «اللواء السادس»، التابع لعملية «بركان الغضب» في مدينة سبها، بإقالة المنقوش على خلفية اجتماعها في مدينة القطرون مع مقرر مجلس النواب صالح قلمه، وشيخ التبو زلاوي صالح، وهددوا بإغلاق مجلس المدينة في حال عدم صدور توضيح من رئيسها.
وبينما لم يعلن المنفي أي موقف رسمي على الفور حيال هذه التطورات، ظهر محمد المبروك، مدير مكتبه إعلامياً للمرة الأولى، لينفي شائعات اختطافه أو اقتحام مقر المجلس، وقال إن الأخبار التي تم تداولها إعلامياً غير صحيحة. لكن نجوى وهيبة، الناطقة باسم المجلس الرئاسي، اعترفت بأن جماعات مسلحة في طرابلس اقتحمت الفندق الذي يجتمع فيه المجلس الجديد، وقالت بهذا الخصوص: «لقد تم اقتحام الفندق، وليس مقر المجلس الرئاسي، الذي ليس له مقر دائم للاجتماعات، والموقع هو مقر من بين مقرات اجتماعات المجلس، واليوم هو يوم عطلة أسبوعية وليس يوم عمل، ولم يتعرض أحد لأذى».
وتصاعدت مؤخراً حدة الانتقادات الموجهة للمجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة»، والتحديات لسلطتهما، بسبب ضغوط الميليشيات لإقالة المنقوش، والتراجع عن تعيين محمد العايب، رئيساً جديداً لجهاز الاستخبارات الليبي، بدلاً من عماد الطرابلسي أحد قادة الميليشيات سابقاً.
وقبل اقتحام الفندق، قالت غرفة عمليات للجماعات المسلحة في طرابلس على وسائل التواصل الاجتماعي، إنها اجتمعت لمناقشة ما وصفتها بالتصريحات «غير المسؤولة» لوزيرة الخارجية، ودعت حكومة الوحدة لاحقاً إلى رفض (المشير خليفة) حفتر (القائد العام للجيش الوطني في شرق البلاد) رسمياً.
وقالت عملية «بركان الغضب»، التي تضم قوات يفترض أنها موالية لحكومة الوحدة، إن الاجتماع الخاص بقادة المحاور من المناطق العسكرية الغربية والوسطى وطرابلس «ناقش ما يحدث من تصريحات غير مسؤولة من الخارجية، وبعض القرارات الخاطئة لحكومة الوحدة».
‏من جهته، قال محمد الحصان، القائد الميداني بـ«كتيبة 166»، التابعة للمنطقة العسكرية الوسطى في اجتماع قادة الميليشيات، إن «الحكومة التي يفترض أنها حكومة وحدة وطنية رضخت لحفتر، واستبعدت (بركان الغضب)، وفرضت شخصيات ليست فقط جدلية، بل متورطة في دعم العدوان على طرابلس». وتابع في تهديد واضح: «سنُسمع الحكومة صوتنا الذي لم تلتفت له، وسترى على الأرض القوة التي حمت طرابلس وحمتها ودافعت عليها».
بدوره، طالب مختار الجحاوي، آمر شعبة الاحتياط بقوة مكافحة الإرهاب، الدبيبة بإقالة المنقوش «لعدم أهليتها، وعدم مراعاة المصالح العليا للدولة الليبية في أمر يمس الأمن القومي في مرحلة خطيرة، ما زالت فيها البلاد تعج بالمرتزقة، الذين لم يتوقف الدعم العسكري لهم بحراً وجواً»، مستنكراً تصريحات المنقوش «التي تساوي فيها بين المرتزقة من الجنجويد و(الفاغنر)، والقوات التركية الداعمة والموجودة لأغراض مشروعة بالقانون، من خلال اتفاقية رسمية مع الدولة الليبية».
وبهذا الاقتحام المفاجئ، تكون ميليشيات طرابلس قد استعادت مجدداً ذاكرتها في التمرد على كل الحكومات، التي تعاقبت على السلطة وإدارة العاصمة طرابلس، حيث لم تتورع هذه الميليشيات عن اعتقال كبار المسؤولين، أو اقتحام مقرات الدولة والحكومة لأسباب شتى.
من جهة ثانية، أعلن مجلس النواب الليبي رفضه القاطع لما ورد في بيان مشترك، صدر عن سفارات ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة لدى ليبيا، باعتباره «تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي الليبي، وتجاوزاً مرفوضاً من سفراء الدول التي أصدرت البيان، ولا يخدم التوافق الوطني الذي أُنجِز بعد وقت طويل، وتطلب جهداً كبيراً لنصل إلى ما تحقق اليوم».
وأكد المجلس، الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقراً له، في بيان له مساء أول من أمس، ضرورة إنجاز جميع الأطراف للاستحقاقات اللازمة، للوفاء بما تم التوافق عليه بإجراء الانتخابات في موعدها في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، معتبراً أن البيان الخماسي «لا يخدم التوافق الذي تحقق في ليبيا، والذي لاقى ترحيباً ودعماً محلياً ودولياً، ابتداء بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإنهاء الانقسام في مؤسسات الدولة التنفيذية، مروراً بتعيين المناصب السيادية وإنهاء الانقسام بها، وصولاً إلى إجراء الانتخابات في موعدها».
وكان بيان مشترك لسفارات الدول الغربية الخمس قد حث على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرّر، وطالب حكومة الوحدة ومجلس النواب بتسهيل ذلك، عبر الاتفاق على القاعدة الدستورية والأساس القانوني للانتخابات بحلول مطلع الشهر المقبل.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.