استبعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أي تحسن في العلاقة مع فرنسا، من دون معالجة ما يعرف بـ«آلام الذاكرة»، التي استحضرها الجزائريون، أمس، بمناسبة مرور 76 سنة على مجازر مروعة ارتكبها الاستعمار في شرق البلاد، وخلفت 45 ألف قتيل. وفي غضون ذلك، تنقل نشطاء الحراك بأعداد كبيرة من عدة مناطق إلى مدينة خراطة (300 كلم شرق) أمس لإحياء هذه الذكرى، وللتأكيد في الوقت نفسه على التمسك بمطلبهم الأساسي، وهو تغيير النظام.
وقال تبون في خطاب مكتوب نشرته الرئاسة بحساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، أمس، «بينما نحيي اليوم الوطني للذاكرة، لا بد أن نشير إلى أن جودة العلاقات مع جمهورية فرنسا لن تأتي دون مراعاة التاريخ، ومعالجة ملفات الذاكرة، التي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوغات، وما زالت ورشاتها مفتوحة، كمواصلة استرجاع جماجم شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف (أرشيف الثورة)، وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية».
ويرمز «اليوم الوطني للذاكرة» إلى عمليات تقتيل جماعي بإطلاق النار على عشرات الآلاف من الجزائريين، الذين خرجوا في مظاهرات بمدن سطيف وقالمة وخراطة في الثامن من مايو (أيار) 1945، لتذكير فرنسا بوعدها بإنهاء احتلال الجزائر إن شاركوها في القتال ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه الأحداث منعطفاً حاسماً في نضال الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، ومهدت لتفجير ثورة التحرير في فاتح نوفمبر (تشرين الثاني) 1954، التي انتهت بالاستقلال بعد سبع سنوات من كفاح مرير.
يشار إلى أن الجزائر استرجعت من فرنسا في يوليو (تموز) 2020 رفات (جماجم) 24 من قادة الثورات الشعبية ضد الاستعمار خلال القرن 19.
وأكد تبون في خطابه أن «النظر إلى المستقبل يعتبر الحلقة الأهم في توطيد وتثمين أواصر العلاقة بين الأمم، لكن هذا المستقبل يجب أن يكون أساسه صلباً، خالياً من أي شوائب. فالجزائر مصممة دوماً على تجاوز كل العقبات، وتذليل كل الصعوبات نحو مستقبل أفضل، وتعزيز الشراكة الاستثنائية (مع فرنسا)، لترتقي علاقاتها إلى المستوى الاستراتيجي إذا ما تهيأت الظروف الملائمة لذلك، ومعالجة كل ملفات الذاكرة بجدية ورصانة، وتنقيتها من الرواسب الاستعمارية، فالشعبان يتطلعان إلى تحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل أفضل، تسوده الثقة والتفاهم، ويعود بالفائدة عليهما في إطار الاحترام المتبادل، والتكافؤ الذي تحفظ فيه مصالح البلدين». وسلم بن يامين ستورا، الباحث الفرنسي المتخصص في حرب الجزائر، مطلع العام، تقريراً عن «الذاكرة» للرئيس إيمانويل ماكرون بناء على طلبه. وتضمنت الوثيقة بعض المقترحات، على سبيل تذليل العقبات بين البلدين لتجاوز رواسب التاريخ. غير أن المسعى لم يرض الجانب الجزائري لأنه لم يتضمن اعترافاً صريحاً بالاستعمار كجريمة ضد الإنسانية. وصرح ماكرون وقتها بأنه يرفض أي «توبة» من فرنسا تجاه ماضيها الاستعماري بالجزائر.
وجرت الاحتفالات الرسمية بـ«يوم الذاكرة» بمحافظة سطيف، حيث نظمت وزارة المجاهدين مظاهرة عرفت مشاركة أفراد الكشافة الإسلامية، وعناصر الشرطة والدرك. واتجه المتظاهرون وهم يرددون الأناشيد الوطنية إلى النصب التذكاري «بوزيد سعال» بوسط المدينة، الذي يحمل اسم أول شهيد سقط في الأحداث.
وعلى بعد 50 كلم من سطيف، تجمع الآلاف من نشطاء الحراك بمدينة خراطة لإحياء الذكرى بطريقتهم، حيث نظموا احتجاجات كبيرة جابت شوارع المدينة، رددوا خلالها شعارات الحراك المعروفة، مثل «دولة مدنية لا عسكرية»، وهاجموا السلطة بشدة، معبرين عن رفضهم الانتخابات التشريعية المقررة في 12 من الشهر المقبل. كما تنقل نشطاء الحراك من العاصمة ومدن الغرب ومحافظات القبائل بكثرة إلى هذه المنطقة، التي اندلع فيها احتجاج ضخم ضد النظام، قبل أسبوع من انتفاضة 22 فبراير (شباط)، التي يعتبرها النشطاء «أيقونة الحراك الشعبي»، الذي قام ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
الجزائر تشترط معالجة «آلام الذاكرة» لتطوير علاقتها مع فرنسا
الجزائر تشترط معالجة «آلام الذاكرة» لتطوير علاقتها مع فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة