انفتاح فرنسي بعد الأميركي على القوى المدنية في لبنان

الأحزاب الناشئة تطالب الخارج بالتوقف عن دعم القادة الحاليين

TT

انفتاح فرنسي بعد الأميركي على القوى المدنية في لبنان

عكس لقاء وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان لمدة ساعتين في قصر الصنوبر في بيروت، مع مجموعات مدنية وأحزاب سياسية ناشئة رهان فرنسا على قوى سياسية بديلة من خارج الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة يجري دعمها لتحقيق خرق في المنظومة السياسية بنتيجة الانتخابات النيابية المقبلة.
وتنضم فرنسا في مسعاها إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية أخرى، بدأت تنظر إلى الطبقة السياسية اللبنانية على أنها فشلت في التجاوب مع تطلعات الشعب اللبناني ومطالبه، كما فشلت في الإصلاحات. وبعد لقاءات عقدها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر مع قوى مدنية ونواب مستقيلين من البرلمان اللبناني في الخريف الماضي، التقى لودريان بقوى مدنية ناشئة وأطراف معارضة للسلطة.
ولا تراهن القوى المدنية اللبنانية على دعم خارجي لمواجهة المنظومة الحاكمة، بقدر ما تراهن على توقف دعم القوى الخارجية للأطراف السياسية التي تمسك بالسلطة في لبنان، كما يقول أمين عام حزب «منتشرين» قيد التأسيس حسين العشي لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «نطالب الدول الأجنبية بالتوقف عن تعويم المنظومة الحاكمة، لأنها تاريخياً عندما تتعرض المنظومة اللبنانية لأزمات مالية، تنقذها الدول الأجنبية بمنح وقروض ومساعدات وهبات».
وأظهرت تصريحات لودريان استياءً كبيراً من القوى السياسية اللبنانية، إذ أكد أن اللقاءات مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري هي لقاءات «بروتوكولية»، وأن بلاده قررت زيادة الضغوط على المعرقلين في لبنان، وأن أكثر ما لفته في لقاءاته هو «حيوية المواطنين اللبنانيين ومقدرتهم على الابتكار والحداثة»، وقال إنه شعر بعنصر القوة لديهم» وأن «هذه القوة علامة للمستقبل تمكنني من القول إن لبنان سيجد فرصة للتجدد من خلال قواه الحية».
وقالت مصادر مواكبة لاجتماع قصر الصنوبر إن وزير الخارجية الفرنسي كان مستمعاً بشغف، وكان يطلع على مطالب القوى اللبنانية الناشئة وتصوراتها عن مواجهة الأزمات والتغيير، وكان ميالاً لتوحد المعارضة وهذه القوى. ورأت المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك «يؤشر على رهان فرنسي على الانتخابات النيابية المقبلة، وعلى رؤية جديدة لدى الخارجية الفرنسية حيال دعم القوى السياسية البديلة بدلاً من القوى السياسية» التي خذلت فرنسا بعدم تطبيق الإصلاحات والفشل في تسهيل ولادة الحكومة.
وكان لافتاً التحول في الموقف الفرنسي بما يشبه الموقف الأميركي لجهة الانفتاح على القوى السياسية التي ولدت من كنف انتفاضة 17 تشرين 2019. ويقول أستاذ العلوم السياسية والباحث في العلاقات الفرنسية الأميركية نبيل الخوري إن التنسيق بين الأميركيين والفرنسيين كبير، وعادة ما يتشاور الطرفان ويحاولان توحيد عملهما وتنسيق جهودهما، رغم التفاوت في النظرة الاستراتيجية للملف اللبناني، كون فرنسا تنظر إلى لبنان على أنه نقطة ارتكاز لها في الشرق الأوسط ومدخل لها تاريخياً، بينما تنظر الولايات المتحدة إلى لبنان على أنه تفصيل من تفاصيل الشرق الأوسط.
وقال الخوري لـ«الشرق الأوسط» إن الفرنسيين «يقومون بمبادرة انفتاح لا انفعال»، وكانوا واضحين في تحركهم. ويرى أن الفرنسيين يراهنون على الانتخابات من الناحية النظرية، لكنهم يراقبون مجريات الأمور ليبنوا عليها تصوراتهم لتقديم دعم سياسي بما يسمح به القانون، لافتاً إلى أن باريس تدعم فرضية أن يحكم طرف آخر في لبنان، وإحداث خرق في الطبقة السياسية، لافتاً إلى «مؤشر بالغ الأهمية حين استخدم لودريان مصطلح التغيير السياسي».
ولا ينفي الخوري استياء فرنسا من مماطلة اللبنانيين في الاستجابة لطلبات الإصلاح وخذلان فرنسا، قائلاً إن الفرنسيين أبلغوا اللبنانيين بأنهم لا يمتلكون ترف الوقت، وعليهم البحث عن حلول وتنفيذ الإصلاحات، لكن اللبنانيين لم يتحركوا ما دفع باريس للتعاطي مع الواقع المستجد، وهو الانفتاح على قوى جديدة والاستماع إليها في مرحلة أولى ودعمها سياسياً في مرحلة لاحقة إذا كانت تتلاقى مع التطلعات الفرنسية للتغيير والإصلاح.
وبدأ الحراك السياسي اللبناني البديل يتبلور بعد انتفاضة 17 تشرين 2019، وأخذ أشكالاً عديدة من المواجهة جذبت المراقبين الغربيين. ولا يحصر أمين عام حزب «منتشرين» قيد التأسيس حسين العشي، مواجهة المنظومة بالانتخابات النيابية فقط، ذلك أن المنظومة اللبنانية «موجودة في مختلف قطاعات الحياة وتضطلع بدور أكثر تأثيراً»، لذلك «تتم مواجهتها في انتخابات السلطات المحلية والبلديات والنقابات والجامعات وغيرها، لأنها تستفيد من تلك القطاعات المدنية للتأثير على الناس».
وتفعلت التجربة السياسية للقوى المدنية منذ 17 تشرين حتى الآن، وبات التعبير عن المطالب يتم بطريقة أكثر براغماتية، حيث انتقلت المطالب من معارضة السلطة، إلى آليات مواجهتها ضمن خطة عمل. وبعد أن تصدر ملف وقف الدعم السياسي الخارجي للمنظومة السياسية اللبنانية مطالب حزب «منتشرين» خلال اللقاء مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر في الخريف الماضي، وضع أجندة سياسية في اللقاء مع لودريان.
ويقول العشي لـ«الشرق الأوسط»: «ركزنا على ضرورة تشكيل حكومة لبنانية مستقلة للشروع بالإصلاحات، وضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها» في ربيع 2022، وأن تكون بإشراف دولي، فضلاً عن «وضع خطة على المدى الطويل لإصلاح الخلل البنيوي بالنظام بعد الانتخابات بهدف استرجاع موازين القوى في السلطة». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الإصلاح بعد الانتخابات يتم بعد تشكيل تكتل نيابي وازن في البرلمان (عشر نواب على الأقل) يستطيعون تقديم الطعون بقوانين نيابية أمام المجلس الدستوري.



«الوزارية العربية الإسلامية» تبحث مع غوتيريش تفعيل الاعتراف بدولة فلسطين

جانب من اجتماع اللجنة الوزارية العربية والإسلامية مع أمين عام الأمم المتحدة في نيويورك (واس)
جانب من اجتماع اللجنة الوزارية العربية والإسلامية مع أمين عام الأمم المتحدة في نيويورك (واس)
TT

«الوزارية العربية الإسلامية» تبحث مع غوتيريش تفعيل الاعتراف بدولة فلسطين

جانب من اجتماع اللجنة الوزارية العربية والإسلامية مع أمين عام الأمم المتحدة في نيويورك (واس)
جانب من اجتماع اللجنة الوزارية العربية والإسلامية مع أمين عام الأمم المتحدة في نيويورك (واس)

بحثت اللجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن تطورات غزة، الأربعاء، مع أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، دعم الجهود الرامية إلى تفعيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذي يكفل تلبية حقوق الشعب بتجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس المحتلة.

وترأس الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، الاجتماع الذي حضره الأعضاء: الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، ومحمد مصطفى رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني، وأيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، ووزراء الخارجية بدر عبد العاطي (مصر)، والدكتور عبد اللطيف الزياني (البحرين)، وهاكان فيدان (تركيا)، وريتنو مارسودي (إندونيسيا)، وأمينا جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ومنظمة التعاون الإسلامي حسين طه.

وناقش الاجتماع، الذي جاء على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى للدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، التطورات الخطيرة في غزة، ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي التصعيد العسكري ضد المدنيين العُزل، حيث جدّدت اللجنة موقف الدول العربية والإسلامية الموحَّد الرافض للعدوان، ودعوتها لضرورة الوقف الفوري والتام لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني.

الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته في اجتماع اللجنة الوزارية العربية والإسلامية مع غوتيريش (الأمم المتحدة)

وبحث أعضاء اللجنة أهمية دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بوصفها ضرورة لا بديل عنها في جميع عمليات الاستجابة الإنسانية بغزة، مشددين على أهمية التصدي للحملات المُمنهجة التي تستهدف تقويض دورها، مع استمرار دعمها لضمان إيصال المساعدات الضرورية للمحتاجين.

وطالبوا بالتصدي لكل الانتهاكات الصارخة التي تُمارسها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وتزيد المأساة الإنسانية، وعرقلتها دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة، مؤكدين أهمية محاسبة إسرائيل على الانتهاكات المتواصلة في القطاع والضفة الغربية المحتلة، والتصدي لعمليات التهجير القسري التي يسعى الاحتلال لتنفيذها.

ونوّه الأعضاء بأهمية اتخاذ الخطوات الجادة والعاجلة لضمان تأمين الممرات الإغاثية لإيصال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية الكافية والعاجلة لغزة، معبّرين عن رفضهم تقييد دخولها بشكلٍ سريع ومستدام وآمن، ومقدّرين جهود غوتيريش ومواقفه خلال الأزمة، خصوصاً فيما يتعلق بجهود حماية المدنيين، وتقديم المساعدات.

جانب من اجتماع اللجنة الوزارية العربية والإسلامية مع غوتيريش في نيويورك (الأمم المتحدة)

من جانب آخر، أكد الأمير فيصل بن فرحان أن صناعة السلام تتطلب الشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة، «فخلف كل تعطيل لمسارات السلام والتسويات السياسية، نجد بعض القيادات السياسية تُغلِّب مصالحها الشخصية واعتباراتها الحزبية على المصالح الجامعة والسلم الإقليمي والدولي، وهو ما انعكس بشكل واضح على كفاءة المنظمات الدولية، ومجلس الأمن على وجه الخصوص، في أداء مهامها».

جاء ذلك خلال مشاركته في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن تحت عنوان «القيادة في السلام»، وذلك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال وزير الخارجية السعودي إن «الاجتماع يأتي في فترة تتصاعد فيها وتيرة الصراعات والأزمات، وتتضاعف التحديات والتهديدات المشتركة، وتتنامى أزمة الثقة في النظام الدولي متعدد الأطراف، وقدرته على تحقيق آمال الشعوب بمستقبل يسوده السلام والتنمية».

وشدد على أن «هذه الظروف تُحتِّم علينا تقييم حالة العمل الدولي متعدد الأطراف، وأسباب تراجعه عن حلّ الأزمات ومعالجة التحديات المشتركة»، متابعاً: «ولعلّ النظر الجاد في الإسراع بعملية إصلاح مجلس الأمن أصبح ضرورة مُلحّة أكثر من أي وقت مضى»، ومنوهاً بأن «استعادة الاحترام للمواثيق والأعراف الدولية تأتي عبر تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومحاسبة منتهكيه دون انتقائية».

وأوضح الأمير فيصل بن فرحان أن التحدي لا ينحصر في عجز منظومة السلم والأمن والمؤسسات الدولية عن الاستجابة للتحديات المشتركة، بل يتعداه ليشمل غياب «القيادة من أجل السلام»، مضيفاً: «للخروج من دائرة العنف والأزمات، يجب علينا تمكين القيادة الدولية المسؤولة، وإحباط محاولات تصدير المصالح السياسية الضيقة على حساب أمن الشعوب وتعايشها».

ولفت إلى أن «غياب التحرّك الدولي الجادّ لإيقاف التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر هو دليل قاطع على ما يعانيه النظام الدولي متعدد الأطراف من قصور وتضعضع في الإرادة السياسية الدولية».

وأبان وزير الخارجية السعودي أن بلاده تؤمن بأن السلام هو الأساس الذي يمهّد للتعاون والتنمية، وهو الحامي لديمومتهما، مؤكداً دعمها النظام الدولي متعدد الأطراف، وسعيها لتطويره وتمكين مقاصده، واستعادة الثقة بمؤسساته، والتزامها بتعزيز العمل الجماعي من أجل تحقيق الأمن والتنمية المشتركة.

وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن حول «القيادة في السلام» (واس)

إلى ذلك، شارك الأمير فيصل بن فرحان في الاجتماع الوزاري بشأن السودان، على هامش أعمال الجمعية العامة، الذي تناول المستجدات، وأهمية تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وتخفيف المعاناة الإنسانية للشعب السوداني.

كما شارك في الاجتماع الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي و«البينيولكس»، الذي استعرض فرص تعزيز التعاون بين الجانبين بمختلف المجالات، ومن بينها إمكانية زيادة التبادل التجاري، وتطوير العمل التنموي والاقتصادي. كما ناقش آخِر تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية؛ بما فيها حرب غزة، والجهود المبذولة بشأنها.

الأمير فيصل بن فرحان لدى مشاركته في الاجتماع الوزاري بشأن السودان (واس)

من ناحية أخرى، قال وزير الخارجية السعودي، إن بلاده تؤمن بضرورة تعزيز آليات التشاور بين مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية، مثمّناً القرار التاريخي لسلوفينيا بالاعتراف بدولة فلسطين.

وشدّد خلال مشاركته في اجتماع ترويكا جامعة الدول العربية (السعودية، البحرين، العراق) مع الدول الأعضاء بمجلس الأمن، على دعم الرياض الكامل لجهود الوساطة التي تبذلها القاهرة والدوحة وواشنطن، ورفضها للإجراءات الإسرائيلية التي تعرقلها.

وجدّد الأمير فيصل بن فرحان دعم السعودية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتقديرها للجهود التي تبذلها في قطاع غزة.

وزير الخارجية السعودي خلال مشاركته في اجتماع الترويكا العربية مع مجلس الأمن (واس)

وأكد على أهمية تكثيف التعاون والتنسيق بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن والشركاء الدوليين من أجل إحراز تقدم ملموس بقضايا المنطقة، والمساهمة في تعزيز السلم والأمن الدوليين.

وشارك وزير الخارجية السعودي، في الفعالية السنوية لدعم أعمال (الأونروا)، حيث جرى بحث ضرورة توفير الدعم اللازم لها، لضمان استمرار تقديم خدماتها الحيوية للاجئين الفلسطينيين.