انفتاح فرنسي بعد الأميركي على القوى المدنية في لبنان

الأحزاب الناشئة تطالب الخارج بالتوقف عن دعم القادة الحاليين

TT
20

انفتاح فرنسي بعد الأميركي على القوى المدنية في لبنان

عكس لقاء وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان لمدة ساعتين في قصر الصنوبر في بيروت، مع مجموعات مدنية وأحزاب سياسية ناشئة رهان فرنسا على قوى سياسية بديلة من خارج الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة يجري دعمها لتحقيق خرق في المنظومة السياسية بنتيجة الانتخابات النيابية المقبلة.
وتنضم فرنسا في مسعاها إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية أخرى، بدأت تنظر إلى الطبقة السياسية اللبنانية على أنها فشلت في التجاوب مع تطلعات الشعب اللبناني ومطالبه، كما فشلت في الإصلاحات. وبعد لقاءات عقدها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر مع قوى مدنية ونواب مستقيلين من البرلمان اللبناني في الخريف الماضي، التقى لودريان بقوى مدنية ناشئة وأطراف معارضة للسلطة.
ولا تراهن القوى المدنية اللبنانية على دعم خارجي لمواجهة المنظومة الحاكمة، بقدر ما تراهن على توقف دعم القوى الخارجية للأطراف السياسية التي تمسك بالسلطة في لبنان، كما يقول أمين عام حزب «منتشرين» قيد التأسيس حسين العشي لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «نطالب الدول الأجنبية بالتوقف عن تعويم المنظومة الحاكمة، لأنها تاريخياً عندما تتعرض المنظومة اللبنانية لأزمات مالية، تنقذها الدول الأجنبية بمنح وقروض ومساعدات وهبات».
وأظهرت تصريحات لودريان استياءً كبيراً من القوى السياسية اللبنانية، إذ أكد أن اللقاءات مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري هي لقاءات «بروتوكولية»، وأن بلاده قررت زيادة الضغوط على المعرقلين في لبنان، وأن أكثر ما لفته في لقاءاته هو «حيوية المواطنين اللبنانيين ومقدرتهم على الابتكار والحداثة»، وقال إنه شعر بعنصر القوة لديهم» وأن «هذه القوة علامة للمستقبل تمكنني من القول إن لبنان سيجد فرصة للتجدد من خلال قواه الحية».
وقالت مصادر مواكبة لاجتماع قصر الصنوبر إن وزير الخارجية الفرنسي كان مستمعاً بشغف، وكان يطلع على مطالب القوى اللبنانية الناشئة وتصوراتها عن مواجهة الأزمات والتغيير، وكان ميالاً لتوحد المعارضة وهذه القوى. ورأت المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك «يؤشر على رهان فرنسي على الانتخابات النيابية المقبلة، وعلى رؤية جديدة لدى الخارجية الفرنسية حيال دعم القوى السياسية البديلة بدلاً من القوى السياسية» التي خذلت فرنسا بعدم تطبيق الإصلاحات والفشل في تسهيل ولادة الحكومة.
وكان لافتاً التحول في الموقف الفرنسي بما يشبه الموقف الأميركي لجهة الانفتاح على القوى السياسية التي ولدت من كنف انتفاضة 17 تشرين 2019. ويقول أستاذ العلوم السياسية والباحث في العلاقات الفرنسية الأميركية نبيل الخوري إن التنسيق بين الأميركيين والفرنسيين كبير، وعادة ما يتشاور الطرفان ويحاولان توحيد عملهما وتنسيق جهودهما، رغم التفاوت في النظرة الاستراتيجية للملف اللبناني، كون فرنسا تنظر إلى لبنان على أنه نقطة ارتكاز لها في الشرق الأوسط ومدخل لها تاريخياً، بينما تنظر الولايات المتحدة إلى لبنان على أنه تفصيل من تفاصيل الشرق الأوسط.
وقال الخوري لـ«الشرق الأوسط» إن الفرنسيين «يقومون بمبادرة انفتاح لا انفعال»، وكانوا واضحين في تحركهم. ويرى أن الفرنسيين يراهنون على الانتخابات من الناحية النظرية، لكنهم يراقبون مجريات الأمور ليبنوا عليها تصوراتهم لتقديم دعم سياسي بما يسمح به القانون، لافتاً إلى أن باريس تدعم فرضية أن يحكم طرف آخر في لبنان، وإحداث خرق في الطبقة السياسية، لافتاً إلى «مؤشر بالغ الأهمية حين استخدم لودريان مصطلح التغيير السياسي».
ولا ينفي الخوري استياء فرنسا من مماطلة اللبنانيين في الاستجابة لطلبات الإصلاح وخذلان فرنسا، قائلاً إن الفرنسيين أبلغوا اللبنانيين بأنهم لا يمتلكون ترف الوقت، وعليهم البحث عن حلول وتنفيذ الإصلاحات، لكن اللبنانيين لم يتحركوا ما دفع باريس للتعاطي مع الواقع المستجد، وهو الانفتاح على قوى جديدة والاستماع إليها في مرحلة أولى ودعمها سياسياً في مرحلة لاحقة إذا كانت تتلاقى مع التطلعات الفرنسية للتغيير والإصلاح.
وبدأ الحراك السياسي اللبناني البديل يتبلور بعد انتفاضة 17 تشرين 2019، وأخذ أشكالاً عديدة من المواجهة جذبت المراقبين الغربيين. ولا يحصر أمين عام حزب «منتشرين» قيد التأسيس حسين العشي، مواجهة المنظومة بالانتخابات النيابية فقط، ذلك أن المنظومة اللبنانية «موجودة في مختلف قطاعات الحياة وتضطلع بدور أكثر تأثيراً»، لذلك «تتم مواجهتها في انتخابات السلطات المحلية والبلديات والنقابات والجامعات وغيرها، لأنها تستفيد من تلك القطاعات المدنية للتأثير على الناس».
وتفعلت التجربة السياسية للقوى المدنية منذ 17 تشرين حتى الآن، وبات التعبير عن المطالب يتم بطريقة أكثر براغماتية، حيث انتقلت المطالب من معارضة السلطة، إلى آليات مواجهتها ضمن خطة عمل. وبعد أن تصدر ملف وقف الدعم السياسي الخارجي للمنظومة السياسية اللبنانية مطالب حزب «منتشرين» خلال اللقاء مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر في الخريف الماضي، وضع أجندة سياسية في اللقاء مع لودريان.
ويقول العشي لـ«الشرق الأوسط»: «ركزنا على ضرورة تشكيل حكومة لبنانية مستقلة للشروع بالإصلاحات، وضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها» في ربيع 2022، وأن تكون بإشراف دولي، فضلاً عن «وضع خطة على المدى الطويل لإصلاح الخلل البنيوي بالنظام بعد الانتخابات بهدف استرجاع موازين القوى في السلطة». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الإصلاح بعد الانتخابات يتم بعد تشكيل تكتل نيابي وازن في البرلمان (عشر نواب على الأقل) يستطيعون تقديم الطعون بقوانين نيابية أمام المجلس الدستوري.



إسرائيل تشن هجوماً واسعاً ضد الحوثيين رداً على صاروخ «مطار بن غوريون»

غارات إسرائيلية تستهدف ميناء الحديدة في اليمن
0 seconds of 23 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:23
00:23
 
TT
20

إسرائيل تشن هجوماً واسعاً ضد الحوثيين رداً على صاروخ «مطار بن غوريون»

حريق ضخم جراء ضربات إسرائيلية استهدفت مخازن الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
حريق ضخم جراء ضربات إسرائيلية استهدفت مخازن الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

في أول رد متوقع على الصاروخ الحوثي الذي انفجر، الأحد، في محيط مطار بن غوريون، شنت إسرائيل ضربات عنيفة على ميناء الحديدة ومصنع للأسمنت في المحافظة اليمنية الساحلية على البحر الأحمر، مساء الاثنين، وهي سادس موجة انتقامية تنفذها تل أبيب ضد الجماعة المدعومة من إيران منذ 20 يوليو (تموز) 2023.

ولم ترد على الفور إحصاءات عن حجم الأضرار بفعل الضربات الإسرائيلية، التي تتزامن مع ضربات أميركية مستمرة منذ منتصف مارس (آذار) الماضي لإرغام الجماعة على التوقف عن تهديد الملاحة الدولية ومهاجمة إسرائيل.

وحسب إعلام الجيش الإسرائيلي، استهدفت الضربات ميناء الحديدة ومحيطه، رداً على الهجمات التي شملت إطلاق صواريخ أرض - أرض ومسيرات نحو الأراضي الإسرائيلية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن البنى الإرهابية التي تمت مهاجمتها في ميناء الحديدة تشكل مصدر دخل مركزي لصالح الحوثيين، إذ يستخدم ميناء الحديدة لصالح نقل وسائل قتالية إيرانية وعتاد عسكري وحاجات عسكرية إضافية.

وأفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي بأن الضربات استهدفت مصنع أسمنت «باجل» شرق الحديدة، باعتباره بنية تحتية تخدم اقتصاد الحوثيين. وشدد أدرعي على أن جيش بلاده «مصمم على مواصلة العمل بقوة ضد كل تهديد لمواطني وسكان إسرائيل وفي كل مسافة تتطلب ذلك».

ويدعي الحوثيون أنهم يستهدفون إسرائيل والقوات الأميركية نصرة للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة إيران في المنطقة وتتهرب من السلام اليمني الذي تقوده الأمم المتحدة.

وكانت الجماعة قد أطلقت صاروخاً باليستياً، الأحد، فشلت إسرائيل في اعتراضه لأول مرة، قبل أن ينفجر في محيط مطار بن غوريون محدثاً حفرة ضخمة، وهو الأمر الذي زاد من خطورة أسلحة الجماعة، ودفع تل أبيب إلى التهديد برد انتقامي على غرار ما حدث في خمس موجات سابقة من الضربات.

وفي رد فعل يمني، أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني لـ«الشرق الأوسط» أن ما حدث في ميناء الحديدة ومصنع «باجل» للأسمنت مأساة جديدة تُضاف إلى سلسلة الكوارث التي جلبتها ميليشيا الحوثي الإرهابية لليمن واليمنيين، ولا يمكن فصلها عن سلسلة المغامرات العسكرية والعدائية التي نفذتها في البحر الأحمر وخارجه، باستهداف الملاحة الدولية وتهديد المصالح الإقليمية والعالمية.

حريق ضخم جراء ضربات إسرائيلية استهدفت مخازن الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
حريق ضخم جراء ضربات إسرائيلية استهدفت مخازن الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

وأضاف: «لقد اختارت ميليشيا الحوثي منذ انقلابها المشؤوم عام 2014، أن تكون أداة رخيصة بيد النظام الإيراني، مستخدمة المناطق الخاضعة لسيطرتها كمنصات صواريخ إيرانية، غير عابئة بمصلحة اليمن وشعبه وأمنه القومي».

وشدد الإرياني على أنه «بات من الواضح أن إيران تدير حروبها الإقليمية من الأراضي اليمنية، مستخدمة الحوثيين لتجنيب بنيتها التحتية أي خسائر، بينما لا يتردد الحوثيون في التضحية بكل ما تبقى من مقدرات اليمن، إرضاءً لطهران، ولعل محاولات الخارجية الإيرانية التنصل من الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار بن غوريون، تأتي ضمن هذه الاستراتيجية، وهو ادعاء زائف لا يصمد أمام حقيقة أن السلاح إيراني، والخبراء الذين يوجهون هذه المنظومات إيرانيون، والقرار السياسي صادر من طهران».

وحمّل الوزير الإرياني «ميليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد، وعن كل ما يترتب عليه، وكل ما جرى منذ استيلائها على مؤسسات الدولة من سفكٍ للدماء، وتجويع للشعب، وتدمير للاقتصاد، وتطييف للمجتمع، وصولاً إلى محاولات طمس الهوية اليمنية لصالح مشروع دخيل قائم على الكراهية والتمييز».

وتابع: «لقد حاولت هذه الميليشيا عزل اليمن عن محيطه العربي والعالمي، وجرّت البلاد إلى صراعات لا علاقة لليمنيين بها، مستخدمة شعارات زائفة كـ(القدس) و(المقاومة) للتغطية على مشروعها السلالي المتطرف القائم على الكراهية والدمار».

ولفت وزير الإعلام إلى أنه «لعل ما جرى في الحديدة يعيد التأكيد على أن لا سبيل لخلاص اليمن إلا بزوال هذا الكيان الإرهابي، واستعادة الدولة، وعودة اليمن إلى محيطه العربي ومساره الطبيعي نحو السلام والاستقرار، كما يُثبت أن ترك جزء من الأراضي اليمنية والمواني والمنشآت الحيوية تحت سيطرة الحوثيين لا يهدد اليمن فقط، بل يعرّض أمن الإقليم بأسره لمزيد من الفوضى والتصعيد».

إلى ذلك، أكد وليد القديمي وكيل محافظة الحديدة أن الضربات الإسرائيلية، مساء الاثنين، استهدفت رصيف ميناء الحديدة وتدميره بالكامل، إلى جانب تعرض مصنع أسمنت «باجل»، ومحطات كهرباء للتدمير خلال العملية.

وحمّل في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» ميليشيا الحوثي الإرهابية المسؤولية الكاملة لما يحدث من تدمير للبنية التحتية اليمنية، على حد تعبيره.

وأضاف: «تم استهداف رصيف ميناء الحديدة بالكامل وتدميره من قبل الطيران الإسرائيلي وهذا يعد تدميراً للبنية التحتية بالكامل، ونحن نحمل الميليشيا الحوثية الإرهابية المسؤولية الكاملة لما يحدث من تدمير للبنى التحتية، كونهم ما زالوا يقومون بما يسمونه بالاستهدافات الإسرائيلية وضرب السفن في البحر الأحمر، وهي دعوة لأميركا وإسرائيل لتدمير البنى التحتية في اليمن».

وحذر القديمي من أن خروج ميناء الحديدة عن الخدمة سينعكس سلباً على الشعب اليمني، كونه ثاني أكبر ميناء في البلاد، ويستقبل نحو 80 في المائة من الاحتياجات الغذائية لليمن.

وتابع بقوله: «هذا يعود بالانعكاس سلباً على أبناء الشعب اليمني، وصول الإغاثة والاحتياجات الكاملة للشعب اليمني يأتي عبر ميناء الحديدة، وهو ثاني أكبر ميناء في اليمن، ويؤمن نحو 80 في المائة من احتياجات اليمن، اليوم تدمير الرصيف ومنع السفن التجارية من الوصول للميناء هو كارثة على الشعب اليمني كافة، فيما الميليشيا الحوثية لا تكترث لذلك، بل إلى تحقيق مصالحها».

وكشف وكيل محافظة الحديدة أن الضربات أدت كذلك إلى تدمير مصنع أسمنت «باجل»، ومولدات الكهرباء التابعة للمصنع الجديد الذي تم إنشاؤه ولم يتم تشغيله بعد.

وقال الوكيل إنهم لم يبلغوا بأي ضحايا حتى كتابة التقرير، إلا أنه رجح وجود قتلى خاصة في مصنع الأسمنت.

وأشار القديمي إلى أن تكلفة إصلاح الميناء ستكون باهظة، وسيحتاج الأمر لشركات عملاقة لإعادة البناء، وأضاف: «طالبنا بتحرير كافة أراضي اليمن كون جماعة الحوثي أصبحت سرطاناً خبيثاً يجب استئصاله، فهي لا تستهدف اليمن فقط، بل تسعى لتدمير وزعزعة أمن المنطقة بشكل عام».