يوماً بعد آخر، تكتسب طريقة «التصوير المقطعي المحوسب للأوعية الدموية للقلب» Cardiac CT angiography، اهتماماً أوسع باعتباره وسيلة سريعة وفاعلة في تشخيص أمراض الشرايين التاجية.
إذا كنت عانيت من شعور بعدم الارتياح أو بشيء يضغط على صدرك لفترة قصيرة أثناء تأديتك تدريبات رياضية، أو شعورك بتوتر عصبي، فإن أحد الأسباب المحتملة يتمثل في عدم تدفق الدم على نحو مناسب إلى القلب. وتعرف هذه الحالة الطبية باسم الذبحة الصدرية المستقرة stable angina، ويمكن أن تشكل مؤشراً على معاناتك من مرض بالقلب ومواجهتك مخاطر التعرض لنوبة قلبية.
من ناحيتهم، يستطيع الأطباء الاعتماد على عدد مختلف من الاختبارات من أجل تشخيص (أو استبعاد) تدفق الدم على نحو غير مناسب إلى عضلة القلب. وتتمثل الخطوة الأولى في إجراء اختبار إجهاد لفحص النشاط الكهربائي للقلب، أو وظائف عضلة القلب، أو أنماط تدفق الدم أثناء تعرض القلب لضغوط نتيجة ممارسة تدريبات رياضية، أو تناول عقاقير.
وبمقدور اختبارات الإجهاد stress tests تحديد المناطق التي يقل فيها تدفق الدم، الأمر الذي يوحي بوجود ضيق في الشريان الذي يغذي ذلك الجزء من القلب.
ترسبات الشرايين
> يشرح د. رون بلانكستاين، المتخصص في مجال تصوير القلب والأوعية الدموية في مستشفى بريغهام آند ويمينز التابعة لجامعة هارفارد، أنه: «رغم ذلك، اتضح أن معظم النوبات القلبية لا تنشأ عن الأوعية التي تعاني انسداداً شديداً، التي تكشفها اختبارات الضغط».
وإنما بدلاً عن ذلك، من المحتمل أن تصدر غالبية النوبات القلبية عما يطلق عليه ترسبات غير انسدادية non - obstructive plaque ـ وهي عبارة عن ترسيبات دهنية تشكل العوائق على امتداد يصل إلى أكثر من نصف القطر الداخلي لشريان ما، حسبما أوضح د. بلانكستاين. وتعتبر تلك الترسبات عرضة للتمزق وإطلاق مواد كيميائية يمكن أن تسبب جلطة دموية.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن اختبارات الاجهاد ليس باستطاعتها رصد الترسبات غير الانسدادية، لكن التصوير الطبقي المحوسب للأوعية الدموية للقلب، المعروف اختصاراً باسم «سي سي تي إيه» CCTA، بمقدوره ذلك. ورغم أن هذا الاختبار غير الجراحي موجود بالفعل منذ ما يقرب من 15 عاماً، فإنه لا تجري الاستعانة به على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة. إلا أن هذا الوضع ربما يتبدل الآن، وذلك بفضل نتائج حديثة أشارت إلى أن فحص «سي سي تي إيه» ربما يحسن قدرتنا على رصد وعلاج أمراض الشريان التاجي، حسبما ذكر د. بلانكستاين.
تصوير أوعية القلب
> ما هو التصوير الطبقي المحوسب لأوعية القلب؟ يعتمد تصوير الأوعية القلبية الطبقي المحوسب على أشعة «إكس» (الأشعة السينية) عالية السرعة من أجل خلق صور ثلاثية الأبعاد للأوعية الدموية وأجزاء أخرى من القلب. وقبل إجراء المسح، يحقن الشخص بصبغة ذات لون متباين في الذراع أو اليد تؤدي «لإضاءة» الأوعية الدموية بلون براق. وربما كذلك يجري إعطاؤه عقاقير لإبطاء معدل نبضات القلب وتوسيع الأوعية الدموية. وأثناء المسح، يستلقي الشخص على طاولة تتحرك من خلال فتحة تشبه شكل كعكة دائرية داخل الماسح الضوئي. وعلى مدار بضع ثوان، يلتقط جهاز الماسح عدة صور، يجري بعد ذلك دمجها معاً لخلق صورة مفصلة لشرايين القلب.
* مزايا «سي سي تي إيه». عام 2015. خلصت إحدى الدراسات الكبيرة إلى أن اختبار «سي سي تي إيه» يتسم بذات القدر من الفاعلية الذي يتميز به اختبار الاجهاد فيما يخص الحيلولة دون وقوع نوبات قلبية أو حدوث وفاة جراء أمراض بالقلب.
بعد ذلك، عام 2018، قارنت دراسة حملت اسم «سكوت - هارت» SCOT - HEART بين الرعاية المعيارية (التي تتضمن اختبارات إجهاد إلى جانب العقاقير الموصى بها) وبين الرعاية المعيارية إلى جانب اختبار «سي سي تي إيه». وبعد نحو خمس سنوات، اتضح أن الأفراد الذين خضعوا لمسح التصوير المقطعي المحوسب للقلب قلت احتمالات وفاتهم بسبب أمراض الشرايين التاجية أو معاناتهم من نوبة قلبية غير مميتة بنسبة 40 في المائة، مقارنة بمن تلقوا الرعاية المعيارية التقليدية فقط.
من بين مزايا مسح «سي سي تي إيه» أنه إذا لم تظهر شرايينك مؤشرات على وجود ترسبات، فإن هذا يعتبر بمثابة ضمانة قوية للغاية على أنك لا تعاني مرضاً في الشريان التاجي، وأنك تواجه مخاطر منخفضة للغاية للتعرض لنوبة قلبية مستقبلاً. إلا أن هذا القول لا ينطبق بالضرورة على اختبار الإجهاد وعن ذلك، قال د. بلانكستاين: «غالباً ما يذكر الناس شخصاً كانت لديه نتائج (طبيعية) لاختبار الإجهاد لم توح بوجود ترسبات، ورغم ذلك تعرض لنوبة قلبية في غضون أشهر قليلة لاحقة».
علاجات وقائية
> من جهة أخرى، إذا ما كشف مسح «سي سي تي إيه» وجود ترسبات لديك، سيمكنك في هذه الحالة الاستفادة من العلاجات الوقائية، مثل أدوية الستاتين التي تخفض مستوى الكوليسترول وأدوية ضغط الدم (إضافة إلى، بطبيعة الحال، تحسين النظام الغذائي وعادات التمرينات الرياضية).
وأعرب د. بلانكستاين أن تعزيز عملية رصد الترسبات وما يليها من توصيات للخضوع لعلاجات وقائية أقوى، من المحتمل أن تفسر حصول معدلات نجاة أعلى، التي كشفتها دراسة «سكوت - هارت».
> ملاءمة المسح. ومع ذلك، لا يعتبر مسح «سي سي تي إيه» ملائماً في جميع الحالات، حسبما أضاف د. بلانكستاين. على سبيل المثال، فيما يخص الأشخاص الذين يعرفون بالفعل أنهم يعانون من مرض بالشرايين التاجية، مثل أولئك الذين تلقوا دعامات فتح شريان أو خضعوا لجراحة ـ وعادة ما يكون اختبار الإجهاد هو المفضل. ويعتبر مسح «سي سي تي إيه» الخيار الأسرع والأسهل والأقل مخاطر للمرضى، مقارنة بتصوير الأوعية التاجية coronary angiography التقليدي، الذي يتضمن إدخال قناة رفيعة داخل شريان داخل الساق أو الذراع وصولاً إلى القلب وحقن صبغة بشكل مباشر في الشريان التاجي. إذا كشف الاختبار أن شريان يعاني انسداداً لأكثر عن 70 في المائة، بمقدور اختصاصي القلب إدخال دعامة لفتح الشريان أثناء الإجراء ذاته.
ومع ذلك، ثمة أدلة متزايدة تشير إلى أن تناول العقاقير من قبل الأشخاص الذين يعانون ذبحة صدرية مستقرة، ربما يحول دون التعرض لنوبة قلبية، بنفس مستوى قدرة الدعامة على تحقيق ذلك.
* رسالة هارفارد للقلب،
- خدمات «تريبيون ميديا»