قوات «نايفي سيلز» الأميركية تغير عقيدتها وتعود إلى البحر

تدريبات القوات الخاصة الاميركية «نايفي سيلز» في تامبا ( فلوريدا) 2018 (غيتي)
تدريبات القوات الخاصة الاميركية «نايفي سيلز» في تامبا ( فلوريدا) 2018 (غيتي)
TT

قوات «نايفي سيلز» الأميركية تغير عقيدتها وتعود إلى البحر

تدريبات القوات الخاصة الاميركية «نايفي سيلز» في تامبا ( فلوريدا) 2018 (غيتي)
تدريبات القوات الخاصة الاميركية «نايفي سيلز» في تامبا ( فلوريدا) 2018 (غيتي)

في تقرير عن قوات النخبة العسكرية الأميركية المعروفة بـ«نايفي سيلز»، أو الوحدات الخاصة التي تنفذ مهامّ قتالية عبر البحر، ذكرت مجلة «نايفي تايمز» أن تلك الوحدات ستتخلى عن عقيدتها القتالية الحالية وتعود إلى عقيدتها الأصلية. وأضاف التقرير أن قيادة القوات الأميركية بدأت تعيد النظر بالدور الذي ستقوم به تلك الوحدات، بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان ومن معظم المناطق التي كانت مركزاً لعمليات القتال التي شنتها القوات الأميركية تحت شعار محاربة الإرهاب. وتُصنف قوات «نايفي سيلز» بأنها من ضمن أخطر وأقوى القوات الخاصة في العالم، وتابعة عملياً لقوات المارينز الأميركية. مهامها القتالية كانت مصممة لشن الهجمات عبر البحار، لكن مع دخول الولايات المتحدة في حرب ضد الإرهاب، تحولت تلك الوحدات إلى تنفيذ عمليات في الصحارى والجبال، في أفغانستان والعراق، خلال العقدين الماضيين، وكان من أبرزها العملية التي نُفذت في باكستان وأدت إلى قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في مايو (أيار) عام 2011. وخلال السنوات الماضية استمرت عقيدة تلك الوحدات قائمة على مكافحة الإرهاب، نظراً للكفاءة القتالية الكبيرة التي يتمتع بها أفرادها، مقارنة بوحدات الجيش الأميركي الأخرى.
وتضيف الصحيفة أن قوات «نايفي سيلز» بدأت في تغيير عقيدتها القتالية من محاربة الإرهاب، إلى الاستعداد للتصدي للتهديدات العالمية التي تمثلها جيوش دول كبرى كالصين وروسيا. وتلفت الصحيفة إلى أن العقيدة الجديدة لتلك القوات تعتمد على تقليل عدد الفصائل المكونة لها، في الوقت الذي يتم فيه زيادة عدد جنود كل فصيل منها لتعزيز قدرتها العسكرية على تنفيذ عمليات أكثر احترافية على سطح البحر أو تحت الماء. وبحسب الأدميرال هيو هوارد، القائد الأعلى لقوات «نايفي سيلز»، فقد أعلن أن تركيز تلك الوحدات كان ينصبّ على القتال في صحراء العراق وجبال أفغانستان خلال العقدين الماضيين، لكن اليوم يجب أن يعود تركيزهم على العودة إلى تنفيذ المهام الخاصة التي تنفذ في البحر. ويقول تقرير الصحيفة المقربة من وزارة الدفاع الأميركية، إن تلك التغييرات بشأن دور ومهام ومناطق قتال وحدات «نايفي سيلز»، يعكس تغيير الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة والبنتاغون بشكل خاص، في ظل تركيزها على مواجهة تنامي القدرات العسكرية للصين وروسيا والتوتر الذي تشهده مناطق جنوب شرقي آسيا وبحر الصين. وهو ما تستعد له الولايات المتحدة عبر تكثيف حضورها وتعزيز مواردها ونشر معدات وقوات لإضافية في تلك المناطق.
ومع هذا التوجه تعمل وزارة الدفاع الأميركية على معالجة بعض المشكلات التي تعرضت لها وحدات «نايفي سيلز» في الفترة الماضية، بسبب الحروب التي خاضها أفرادها في مناطق لم تكن في الأصل محور عملهم. وتعرض بعض عناصرها لفضائح وأزمات أثرت سلباً على سمعة تلك الوحدات، حيث أشارت الصحيفة إلى عمليات فرز وتصنيف لأفرادها للبت في استمرار انتمائهم إلى تلك الوحدات وفقاً للمعايير الجديدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟