جولة على مواقع تمركز الجماعات الأصولية في ليبيا

الميليشيات تغير أسماءها وتحركاتها تفاديا لضربات الجيش

جولة على مواقع تمركز الجماعات الأصولية في ليبيا
TT

جولة على مواقع تمركز الجماعات الأصولية في ليبيا

جولة على مواقع تمركز الجماعات الأصولية في ليبيا

توجد 3 مواقع رئيسية لتمركز الجماعات الأصولية في ليبيا، لكنها دأبت منذ أواخر العام الماضي على تغيير أسمائها وتحركات مجاميعها، تفاديا لضربات الجيش الوطني الذي يقوده اللواء خليفة حفتر. وينفذ المتطرفون في هذا البلد عمليات بشعة راح ضحيتها ألوف القتلى منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في خريف 2011. ويقود غالبية الميليشيات المسلحة زعماء من جماعة «الإخوان» ومن «الجماعة الليبية المقاتلة» المتصلة بتنظيم «القاعدة»، إضافة إلى جيل جديد من المتشددين مما يعرف بجماعة «أنصار الشريعة» التي أعلنت أخيرا موالاتها لتنظيم داعش.
ومن خلال التسليح والعتاد الذي تملكه الميليشيات بدا أنها كانت تعزز من قدراتها العسكرية والقتالية منذ وقت مبكر. وحين هيمن «الإخوان» على حكم ليبيا في عامي 2012 و2013، أقروا للميليشيات حقا في حصولها على رواتب من الدولة، مما أغرى قطاعات مختلفة للانخراط فيها، بغض النظر عن توجهات قادتها. ثم استحدثوا طرقا لتهريب السلاح والمتشددين من دول عربية وأجنبية.
من التنظيمات المتطرّفة الموجودة في المنطقة الشرقية، أي في بنغازي ودرنة «أنصار الشريعة»، و«17 فبراير»، و«راف الله السحاتي»، ومن أبرز القيادات المشرفة على هذه التنظيمات الشقيقان إسماعيل وأسامة الصلابي، بالإضافة إلى محمد الزهاوي الذي قتل في عمليات الجيش ضد المسلحين قرب مطار بنينة المجاور لمدينة بنغازي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وينتمي الزهاوي لمدينة درنة التي أعلن فرع «أنصار الشريعة» فيها أخيرا موالاته لتنظيم داعش. وكان الزهاوي في الماضي عازف إيقاع في فرقة موسيقية شهيرة في تلك المدينة. ودرنة مدينة ساحلية صغيرة تمتد صعودا على منحدرات منطقة جبلية، ولها 3 مداخل.. من الشرق ومن الغرب ومن الجنوب. وتسيطر قوات الجيش حاليا على هذه المداخل، وتنوي التفرغ لها بعد أن تنتهي من العمليات العسكرية ضد المتشددين المتحصنين في بعض أحياء بنغازي.
ووفقا للواء عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان الليبي، فإن عدد المقاتلين الأجانب كبير، ويقارب الآن نحو 6 آلاف مقاتل في درنة وبنغازي وطرابلس أيضا. وتوجد أرضية للمتشددين في المنطقة الشرقية منذ تأسيس «الجماعة الليبية المقاتلة» في ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان على يد «الأفغان الليبيين» الذين انضموا وقتها للمقاتلين العرب هناك، وحين عادوا لليبيا دخلوا في صدام مع قوات الأمن حتى أواخر التسعينات.
وكانت «الجماعة» تقاتل مع الزعماء الذين أسسوا فيما بعد تنظيم «القاعدة». وفي الوقت الحالي يشغل عدد منهم مواقع مهمة في صفوف المتطرفين الذين يهيمنون على العاصمة طرابلس الغرب وبلدات أخرى منها سرت مسقط رأس القذافي.
ولقد اعتمد هؤلاء المتطرفون على مناطق تقع قرب الحدود الليبية - التونسية، لتسهيل عمليات إدخال السلاح والمقاتلين، خصوصا في صبراتة ومصراتة في شمال غربي ليبيا، ودرنة وبنغازي في شمال شرقها. ويستغل المتطرفون إمكانات مدينة مصراتة وهي مدينة صناعية وتجارية ثرية، لإدارة العمليات ضد الجيش. ويستعينون بخبراء أجانب في التدريب والتخطيط وإدارة المعارك. وتمكن عدد من الخبراء الذين استأجرهم المتطرفون من تشغيل عدد من طائرات التدريب الصغيرة القادرة على حمل أسلحة خفيفة، إضافة إلى إصلاح طائرة حربية انطلقت لضرب قوات حفتر إلا أنه جرى إسقاطها قرب سرت. ومن بين الأجانب خريجون كانوا يدرسون في كلية مصراتة الحربية.
أيضا استقر عدد من غلاة المتطرفين في صبراتة، القريبة من العاصمة طرابلس، عدة أشهر قبل أن ينقلوا مواقعهم إلى مناطق أخرى في وسط البلاد وفي الجنوب أيضا، خصوصا بعدما زادت ضربات الجيش للمتشددين، وكذلك بعدما أقدمت الولايات المتحدة على اختطاف اثنين من المتطرفين من بين أنصارهم في بنغازي وطرابلس العام الماضي، لصلتهم بتفجير قنصليتها في بنغازي.
في السابق بدأ القذافي الإفراج عن المتطرفين، وبالتحديد في السنوات الأربع أو الخمس التي سبقت الثورة عليه. واتخذ هذه الخطوة حين أجرى قادة تلك الجماعات مراجعات، قالت وقتها إنها تخلت بموجبها عن العنف ضد الدولة على غرار المراجعات التي جرت في مصر بين السلطة و«الجماعة الإسلامية» في أواخر التسعينات. لكن «الجماعة الليبية المقاتلة» وجماعة «الإخوان» انخرطتا سريعا، مع بقية الجماعات المتطرفة، في القتال ضد قوات القذافي منذ فبراير 2011 حتى مقتله.
في بنغازي هناك – كما سبقت الإشارة – «الأخوان الصلابي» اللذان يحاولان في الوقت الحالي تحاشي الظهور مباشرة في العمليات العسكرية، التي تجري ضد الجيش، وهما من أصول تعود لمدينة مصراتة، لكن نفوذهما يمتد من بنغازي إلى سرت وعدة مناطق أخرى، وكانا فيما مضى يديران محلا لبيع الأدوات المنزلية في بنغازي قبل سقوط نظام القذافي. كما كان إسماعيل قد عُرف بتأليفه الكتب الدينية، كما ظل لسنوات يعرف بأنه معتدل، لكن وبسبب تعرضه لملاحقة سلطات النظام السابق فر إلى اليمن، إلى أن رجع إلى ليبيا حين بدأ سيف الإسلام، نجل القذافي، الدعوة لإقامة مراجعات مع المتطرفين وإعادتهم من الخارج وإطلاق سراح المسجونين منهم وتعويضهم ماليا.
بعد «ثورة فبراير» وقعت في المنطقة الشرقية، خصوصا في درنة وبنغازي المئات من عمليات الاغتيالات والتفجيرات والاحتراب التي قام بها المتطرفون ضد قوات الجيش والقوى المعارضة للتنظيمات المسلحة. ويقول القادة العسكريون إن المتطرفين قتلوا أيضا نحو 500 من ضباط الجيش والشرطة في بنغازي خلال عام واحد، ومن بين المتطرفين أصبح هناك الآلاف من الأجانب والمدانين في جرائم قتل ومخدرات وسرقة بعد أن فروا من السجون أيام «ثورة فبراير».
بدأت قوات المتطرفين في التشكل من خليط يضم قادة من جماعة «الإخوان» والجماعات والتنظيمات الأخرى. وشعرت بنفوذ التيار المدني، فأصبحت هذه القوى منذ ذلك الوقت تؤسس لمناطق نفوذها الموجودة حاليا في مصراتة وطرابلس ودرنة وبنغازي وفي بعض مناطق الجنوب. ولقد هيمن «الإخوان» وقتها، بالتحالف مع المتطرفين على الحكم، لكن الجماعة بدلا من أن تسارع في عملية بناء الدولة، من جيش وشرطة ومؤسسات وخلافه، فضلت الميليشيات التي كانت تقاتل القذافي، الاعتماد عليها في محاولة بسط الأمن في البلاد، مقابل إعطاء تلك المجموعات المتطرفة الشرعية والأموال.
ونفذت الميليشيات رغبات البرلمان الإخواني وحكومته على مدى عامين أو يزيد. وتسببت عدة قرارات في إغراء المتطرفين والفارين من السجون لتكوين كتائب مسلحة تكاثرت سريعا رغم انتهاء القتال ضد النظام السابق. ومن ثم وجدت الميليشيات رعاية من نواب «الإخوان» ونواب يوالون تنظيم القاعدة. وحصل زعماء في هذه الميليشيات على ملايين الدولارات وعلى امتيازات منها السكن في قصور الأثرياء الذين فروا من البلاد.
وحين حاول رئيس الحكومة السابق، الدكتور علي زيدان، إحياء مشروع للقضاء على الميليشيات من خلال دمجها في مؤسسات الدولة خصوصا الجيش والشرطة، شنت عليه الحرب. وتركت جماعة «الإخوان» الميليشيات لتخوض عمليات ترويع ضد زيدان وضد معارضيها من وزراء الحكومة، انتهت بالقبض عليه بالفعل أثناء وجوده في أحد فنادق العاصمة.
كذلك جرت أكبر عملية لتصفية كوادر وقيادات كان لديها القدرة على التأسيس لدولة جديدة. وفي درنة يعد سفيان بن جومة، المعتقل الليبي السابق في غوانتانامو، من العناصر الخطرة في هذه المدينة، حيث ظهر تحديه للدولة منذ البداية لافتا للانتباه. وكان يقود جماعة «أنصار الشريعة» في درنة، وهي جماعة نفذت أحكاما على مواطنين بقطع رؤوسهم مثل ما يفعل تنظيم داعش، قبل أن يعلن القادة المتطرفون هناك مبايعتهم لزعيم التنظيم الموجود في مكان ما بالعراق، أبو بكر البغدادي. ويتركز «أنصار الشريعة» بقيادة بن جومة في الغابات المجاورة لمدينة درنة وبينهم مصريون وجزائريون وتونسيون وسوريون وأفغان وأفارقة.
وحين اقتربت المدة القانونية للبرلمان السابق من الانتهاء، شعر المتطرفون بأن الناخبين الليبيين أصبحوا ضد استمرار الميليشيات في إدارة الدولة. وهنا أخذ البرلمان الإخواني يماطل في إجراء الانتخابات الجديدة، وأدى الحراك الشعبي في طرابلس وبنغازي ومدن أخرى إلى الضغط من أجل إجراء الانتخابات التي أجريت بالفعل، ليخسر المتطرفون الأغلبية في البرلمان الجديد. ومن خلال تلك الانتخابات وجَّه الليبيون صفعة قوية لقوى التطرف. هنا سارعت ميليشيات الجماعة بإجبار البرلمان المنتخب على الانعقاد في طبرق وهاجمت مقار الحكومة الجديدة في طرابلس، مما اضطرها لإدارة البلاد من مدينة البيضاء في الشرق أيضا.
فتحت هذه الخطوة الباب للمجابهة السافرة بين 3 أنواع من الخصوم الليبيين. الأول والثاني يشملان شركاء «ثورة فبراير»، والثالث أنصار القذافي. واشتعلت المعركة بين فريقي «شركاء فبراير»، المتطرفين بقيادة «الإخوان».. والمدنيين بقيادة الجيش والبرلمان الجديد، بينما ظل أنصار القذافي، الخصم الثالث، يراقبون الموقف، ويتحركون بخطوات محسوبة انتظارا للحظة التدخل المباشر، لكنهم يميلون بالطبع إلى البرلمان والجيش، وهو ما زاد من شعور المتطرفين بالخطر.
وبدأت الميليشيات وقادتها من «الإخوان» وغير «الإخوان» التصرف بشكل مباشر ضد إرادة الليبيين، خصوصا عقب استقالة زيدان من رئاسة الحكومة. وظهر لأول مرة تحالف المتطرفين في قوات «فجر ليبيا» التي اقتحمت مطار طرابلس الدولي في معركة أغسطس (آب) 2014، والتي سقط فيها عشرات القتلى، وتعرض فيها المطار وما فيه من طائرات مدنية للدمار وخسائر بمليارات الدولارات. وهنا استثمرت جماعة الإخوان هيمنة «فجر ليبيا» على العاصمة، وقامت بإعادة جلسات البرلمان السابق للانعقاد، تحت حماية هذه القوات.
تنحدر قوات «فجر ليبيا» من مدينة مصراتة الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس ومحيطها. وتشكلت هذه القوة أساسا بناء على تركيبة جهوية تخص قبائل مصراتة التي تضرّرت من محاولات قبائل الزنتان الواقعة إلى الجنوب الغربي من طرابلس السيطرة على العاصمة. وكانت ميليشيات مصراتة تهيمن على الجانب الشرقي من العاصمة وميليشيات الزنتان على الجانب الغربي بما فيه المطار الدولي.
وبناء على اتفاق عقد في الربع الأول من 2014، كان يفترض أن ينسحب الفريقان من العاصمة، لكن اختلفا على تنفيذ الاتفاق، وعليه قررت ميليشيات مصراتة طرد ميليشيات الزنتان بالقوة من طرابلس. ودخل المتطرفون خصوصا قادة «الإخوان» على الخط، وتولوا قيادة «فجر ليبيا» وحولوا المعركة من مجرد معركة صغيرة مع الزنتان بشأن الانسحاب من العاصمة، إلى معركة عسكرية جهوية مذهبية سياسية، في عموم البلاد، تقف وراءها مصراتة.
وتمكن قادة المتطرفين من توفير الأموال والسلاح وضم المتشددين تحت لواء «فجر ليبيا»، ودخلت تحت مظلتها ميليشيات إسلامية بعضها موال لـ«القاعدة» والبعض الآخر لتنظيم داعش، وانتشر مناصروها في عدة مدن قريبة من العاصمة طرابلس، وكذلك في عاصمة الشرق بنغازي أيضا تحت اسم «مجلس ثوار بنغازي». وأصبحت تنخرط في «فجر ليبيا» ميليشيات «الدروع» الإخوانية بالأساس، و«غرفة ثوار طرابلس» التابعة لـ«الجماعة الليبية المقاتلة» وقادة من التكفيريين.
ثم أصبحت طرابلس من أهم المدن التي يوجد فيها متطرفون في المنطقة الغربية من ليبيا، وخصوصا ضاحية سوق الجمعة ومنطقة أبو سليم. ويتمركز في المنطقة الأخيرة رجل لديه شبكة واسعة من العلاقات مع بقية المتطرفين في ليبيا وخارجها، وأحد أذرع قوات «فجر ليبيا» في العاصمة، وكنيته التي كان معروفا بها أثناء عمله مع المقاتلين في أفغانستان هي «أبو أيوب». وكان بعد عودته لليبيا ضمن المتشددين الذين انتهى بهم المطاف في سجون القذافي. ومن ثم شارك بقواته الصيف الماضي في تدمير مطار طرابلس الدولي أثناء حرب المتطرفين ضد قوات الجيش الوطني.
وإبان حكم «الإخوان» لليبيا منحت الحكومة موقعا في منتهى الحساسية لهذا الرجل، وهو آمر حرس المنشآت النفطية. وهو يشغل حاليا منصب رئيس المجلس العسكري لمنطقة أبو سليم وضواحيها. وبين من يهيمنون على العاصمة أيضا ابن ضاحية «سوق الجمعة» الملقب باسم «طيلمون»، وكان أيضا من المتطرفين الذين أمضوا سنوات في سجون القذافي، بعد أن تسلمهم النظام الليبي السابق من البلدان التي فروا إلهيا في آسيا، عقب غزو القوات الدولية لأفغانستان.
ويعتمد المتطرفون في طرابلس على المدد الذي يأتي من خارج البلاد عبر ميناء مصراتة على البحر المتوسط، ومن منطقة دارفور لغرب السودان عبر الصحراء، مرورا بسرت، وعبر خطوط طويلة من الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا، حيث يجري نقل أطنان من الأسلحة والذخيرة وتهريب المقاتلين، ويشرف على هذه العملية متشددون من قبيلة زوية المنتشرة في تلك المنطقة.
في الوقت الراهن، وبالإضافة إلى التمركزات الأساسية لقوات المتطرفين، مثل «فجر ليبيا» المحيطة بطرابلس، وقوات «أنصار الشريعة» في درنة وبعض ضواحي بنغازي، وقوات «أنصار الحق» في الجنوب، أصبحت هناك مجموعات مسلحة صغيرة تنطلق لتنفيذ عمليات خاطفة والعودة مرة أخرى إلى تمركزاتها السابقة تحت أسماء مختلفة، في محاولة لإيهام العالم بأن قوات المتطرفين أكبر من الواقع، مثل العمليات التي وقعت أخيرا قرب الهلال النفطي في الشمال الأوسط. والهدف الآخر أيضا كما يقول أحد القادة العسكريين محاولة تشتيت قوات الجيش، وبث الرعب في البلاد، بعد أن اعترف العالم بالبرلمان الجديد كممثل للشرعية في ليبيا.
أيضا يقوم المتطرفون بتغيير مواقعهم بين حين وآخر لتفادي ضربات الجيش. فبعد نحو شهر من «عملية الكرامة» تخلى تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي عن اثنين من معسكراته ولجأ إلى مواقع داخل المدينة أو في الضواحي السكنية المحيطة بها مثل «القوارشة» و«الهواري» و«سيدي فرج»، وفي مناطق تشكل ما يشبه الهلال حول بنغازي من ناحية الجنوب إلى الشمال الغربي. ويملك أفراد هذا التنظيم في بنغازي آليات عسكرية وسيارات دفع رباعي ومعدات حربية من أسلحة وعتاد.
هذا، وكانت جرت تسمية البرلمان باسم «برلمان طبرق» منذ انتخابه في أغسطس 2014، بسبب الاضطرابات والاقتتال في مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية وقاعدة شرقها، والمفترض أن يعقد جلساته فيها وفقا لنص الإعلان الدستوري الذي ينظم إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية. ولقد أغاظ المتطرفين أكثر حضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان ممثلين للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها.
ويبلغ عدد نواب البرلمان الجديد 200 نائب، لكن يوجد 12 مقعدا شاغرا بسبب صعوبة إجراء الانتخابات في بعض المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون مثل درنة. كما يقاطع جلساته نحو 20 نائبا أغلبهم من مدينة مصراتة ومعظمهم من المحسوبين على جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة الأخرى.
ولم تبدأ علمية التصدي للمتطرفين إلا مع بداية عام 2014 حين كان يفترض أن يكون المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) قد انتهى من تسليم سلطاته لبرلمان جديد منتخب، لكن المتطرفين الذين كانوا يهيمنون عليه قاموا بالتمديد لأنفسهم، متجاهلين مطالب الليبيين الداعية لإجراء انتخابات لاختيار برلمان جديد. وبدأت الميليشيات المسلحة تستعرض قوتها وبدأت الفوضى تنتشر هنا وهناك. وجرى إطلاق النار على المتظاهرين الرافضين لطموحات المسلحين. وخلال تلك الفترة العصيبة، عقد كثير من الأعيان وقادة الجيش المهمشين لقاءات في طرابلس ومدن أخرى لبحث سبل الخروج من الأزمة. وقتها أعلن حفتر عما أسفر عنه أحد هذه الاجتماعات، وهو مطالبة الميليشيات بضرورة الاستجابة للشعب، أي إجراء انتخابات جديدة وإنهاء مظاهر التسلح. والتقط قادة جماعة الإخوان الذين يقودون المتطرفين طرف الخيط، لكي يقوموا بالرد المعاكس.. واتهموا حفتر ومن معه بأنهم يحاولون تنفيذ انقلاب عسكري.
إلا أن إعلان حفتر حاز استحسانا في الشارع الليبي مقابل استهجان لمماطلة المتطرفين في إجراء الانتخابات. وحين بدأ المتشددون ينفذون عمليات اغتيالات ضد المئات من أفراد الجيش، أعلن حفتر في شهر مايو (أيار) 2014 انطلاق «عملية الكرامة» من أجل حماية العسكريين من القتل اليومي الذي يتعرضون له في الشوارع والبيوت على يد هؤلاء المتطرفين. وطالب أيضا بتطهير البلاد من الإرهاب والعصابات المسلحة والخارجين عن القانون، وإلزام الجهات المعنية بإجراء الانتخابات في موعدها والالتزام بمسار العملية الديمقراطية. ويتبنى البرلمان الجديد ورئاسة أركان الجيش التابعة له ما يقوم به حفتر منذ ذلك الوقت حتى اليوم.
وفي المقابل، وبالإضافة إلى لغة السلاح، حاولت الجماعات المتطرفة تغيير الواقع في ليبيا بالتحايل القانوني، وذلك في محاولة يائسة لإيجاد ما يمكن أن تخاطب به العالم. ولهذا وتحت حصار من المسلحين لمقرها، قضت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بلا دستورية فقرة في التعديل الدستوري، مما دفع جماعة «الإخوان» وحلفاءها من المتشددين للإسراع بالقول إن «الحكم يقضي بحل البرلمان». بينما كان حكم المحكمة يتعلق أساسا بشأن إحدى جلسات البرلمان الإخواني المنتهية ولايته، حول مدى سلامة تصويت 3 من نوابه، حين كانوا يقترعون على إجراء تعديل في الإعلان الدستوري الحاكم لعمل السلطة في البلاد.
يمتلك المتطرفون بالتعاون مع جماعة «الإخوان» في ليبيا آلة إعلامية ضخمة تمكنت بها من تشتيت فكر المراقبين منذ الإطاحة بالنظام السابق، وتمكنت إلى حد ما من إيهام قطاع من الرأي العام المحلي والخارجي بأن ميليشياتها هي التي تعبر عن «ثورة فبراير».
وحينذاك سارع «الإخوان» والمتطرفون بجميع نوابهم العشرين الذين قاطعوا جلسات البرلمان الجديد وضموهم إلى نوابهم المنتهية ولايتهم منذ البرلمان السابق حتى وصل العدد لنحو 50 نائبا بعضهم من المنتخبين الحاليين وبعضهم من المنتهية مدة ولايتهم، وعندها أعلن قادة الميليشيات عن تشكيل برلمان وحكومة إنقاذ أيضا، قائلين إن البرلمان الجديد «في حكم المنحل».
ومع ذلك تمكن «برلمان طبرق» من تجاوز أزمة المحكمة الدستورية، واتخذ خطوات في طريق بناء المستقبل، من بينها اعتزامه مراجعة القوانين السيئة السمعة التي صدرت تحت تهديد السلاح في البرلمان السابق، ودعم الجيش والتعاون مع دول الجوار لضبط الحدود ومنع تهريب السلاح والتصدي لتنقل المتطرفين مع الدول المجاورة. واليوم يبرز عدد من المتطرفين في مدينة صبراتة، ولقد خلفوا «أبو عبد الغفار»، القيادي في «الجماعة الليبية المقاتلة»، الذي قتل مطلع العام الماضي مع 10 من زملائه أثناء محاولة هبوط فاشلة لطائرة ليبية كان على متنها ضمن جرحى آخرين في تونس. وعقب مقتل القذافي كان «أبو عبد الغفار» يشغل موقع رئيس المجلس العسكري لصبراتة، ثم منحه «الإخوان» موقع وكيل وزارة رعاية الشهداء والجرحى والمفقودين في الحكومة الليبية التي كان يرأسها وقتذاك الدكتور عبد الرحيم الكيب. وترك «أبو عبد الغفار» إمكانات تنظيمية وتسليحية كبيرة للمتطرفين في صبراتة حيث ولد.
ويدير عمليات المتطرفين في صبراتة حاليا، وبالتنسيق مع بقية المتطرفين، زملاء للزعيم السابق، أي ممن كانوا قد أسّسوا معه «معسكر الأنصار» في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي قبل أن يعودوا إلى ليبيا ضمن ما كان يعرف باسم «الأفغان العرب»، وأدخلوا جميعا سجون القذافي، إلى جانب آلاف المتطرفين.
أما في الوسط والجنوب من هذه البلاد الشاسعة المساحة، توجد خارطة تضم كل ألوان طيف المتطرفين، ومن بينهم: تنظيم «أنصار الشريعة» في مدينة سرت، وجماعة «أنصار الحق» التي تكونت أصلا في شمال مالي، وجماعة «الإخوان». ومن القيادات الليبية في الجنوب هناك من الليبيين عبد الوهاب القايدي، وهو شقيق «أبو يحيى الليبي»، الرجل الثاني بعد أيمن الظواهري في تنظيم «القاعدة» الذي قتل بقصف طائرة من دون طيار في باكستان في عام 2012.
ويعود السبب في وجود خليط من كل الجنسيات في جنوب ليبيا، بالأساس، إلى فرار كثير من العناصر الجزائرية والمصرية والتونسية والأفريقية إلى هناك، لعدة متغيرات على رأسها بطبيعة الحال ضعف حضوى القوات الحكومية في جنوب البلاد، ومنها أيضا الثورات الشعبية والاقتتال والتشديد الأمني وهي أحداث وإجراءات تسببت في طرد كثير من المتطرفين من بلاد مثل مصر والجزائر وتونس ومالي إلى الجنوب الليبي.
وتتكون جماعة «أنصار الحق» - المعروفة أيضا باسم «أزواد مالي» - من متطرفين كانوا يعملون تحت أسماء لتنظيمات مختلفة منها «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، و«الجماعة الليبية المقاتلة». وتضم جماعة «أنصار الحق» أيضا خليطا من النيجيريين والتشاديين وغيرهم. ولقد تمكنت مع مجموعات من المتشددين في الجنوب الليبي من تحقيق مكاسب كثيرة، بعد سيطرتها على مطارات عسكرية مثل مطار «تمنهند» ومطار «سبها». وحاليا تسيطر هذه الجماعة على طرق التهريب في تلك المنطقة، ولديها خبرة في التنظيم والقتال حيث كانت في السابق، أي العام الماضي، قد خاضت معارك مع قوات أفريقية وفرنسية، في شمال مالي.
وحاولت «أنصار الحق» مرارا، بمساعدة جماعة «الإخوان» المتمركزة في طرابلس، السيطرة على حقلي «الفيل» و«الشرارة» اللذين يضمان ما يساوي ثلث إنتاج ليبيا من النفط ويجري تصديره إلى أوروبا. وتحصل «أنصار الحق» على الدعم مما يعرف بـ«القوة الثالثة» (تابعة لقوة «فجر ليبيا») المتمركزة في مدينة سبها، على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشمال الشرقي من مدينة أوباري، ويوجد على الطريق السريع بينهما كثير من البلدات والقرى الصحراوية الصغيرة، خصوصا قرب بلدتي مُرزُق وأم الأرانب.
هذا، وتطلق «أنصار الحق» على نفسها في بعض الأحيان اسم «أنصار الدين»، كما تعرف نفسها أحيانا باسم «حركة الأزواد» أو «أزواد مالي». وتقع مدينة مُرزُق على مسافة 150 كيلومترا جنوب سبها، وعلى بعد نحو 200 كيلومتر جنوب شرقي أوباري. وأصبحت عناصرها تحصل على دعم كبير من سلاح وعتاد. وتحولت مناطق بأكملها في الجنوب إلى أوكار وبؤر لقيادات موالية لـ«القاعدة» مثل الجزائري مختار بلمختار، وزميله عبد الكريم الجزائري، والليبي عبد الوهاب القايدي، شقيق الراحل «أبو يحيى».
ووفق اللواء الناظوري، فإن هؤلاء المتطرفين يتحركون بين مدن ومناطق بنغازي وطرابلس والجفرة. وتقول المعلومات العسكرية إن من بين ما يمتلكه المتطرفون قرب المثلث الحدودي بين النيجر والجزائر وليبيا، مدرعات حربية، وصواريخ. ويتحرك بلمختار أيضا قرب هذا المثلث، وفي المناطق الجبلية بين وادي عتبة وأوباري، مع أتباعه بسيارات الدفع الرباعي التي ترفع الأعلام السوداء. وتتردد هذه المجموعات أيضا على خط سير يعرف بطريق «وادي عتبة - السبيطات». ومنطقة السبيطات هي منطقة «أبو يحيى الليبي» وتقع على بعد 30 كيلومترا من مدينة مُرزُق.
وبعدما تصدّت قيادات قبلية وعسكرية في الجنوب لمحاولات المتطرفين السيطرة على حقول النفط الجنوبية، جرى قبل شهرين بتوجيه قوة من «أنصار الشريعة» و«فجر ليبيا» ومجموعات تقول إنها موالية لـ«داعش»، الهجوم على الهلال النفطي في الشمال، بين سرت وبنغازي، تحت اسم جديد هو «قوات الشروق».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».