المثلث الشرعي لـ«داعش».. البنعلي ـ الشنقيطي ـ الأزدي

الجيل الثالث من مشرّعي «الفظاعة» تغلب عليه حداثة السن

المثلث الشرعي لـ«داعش».. البنعلي ـ الشنقيطي ـ الأزدي
TT

المثلث الشرعي لـ«داعش».. البنعلي ـ الشنقيطي ـ الأزدي

المثلث الشرعي لـ«داعش».. البنعلي ـ الشنقيطي ـ الأزدي

أعلن تنظيم داعش في 10 فبراير (شباط) الحالي أنه سيترجم كتاب أبو الحسن الأزدي، القاعدي السابق والداعشي الحالي «القسطاس العدل في جواز قتل نساء وأطفال الكفار معاقبة بالمثل»، إلى اللغة الإنجليزية، وذلك بعد أيام قليلة من جريمة حرق الطيّار معاذ الكساسبة حيًّا أمام أعين العالم. ويذكر أنه بعد قتل العمال المصريين في ليبيا أعلن أحد نشطائهم مفتخرا أنهم جعلونا نواصل الحداد، من الكساسبة للمصريين في ليبيا، وأن التنظيم يصر على جعل كل أيامنا حدادا!
«داعش»، كما وصفه أبو محمد المقدسي، شيخ شيوخه سابقا، أجاد ابتداع السنن السيئة الواحدة تلو أختها، إلا أن هذا التنظيم المتمدّد حربيا وعمليا منكمش نظريا! إنه يهاجم خصومه على الأرض لكنه يتراجع أمامهم على مستوى الخطاب. وسنعرض في ما يلي، من باب التعريف كخطوة أولى، ومن ثم للتحليل والتعرّف، تراجم أهم ثلاثة منظّرين شرعيين لـ«داعش»، وأهم كتاباتهم دفاعا عنه. وهي المسائل التي ناقشناها تفصيلا في موضع آخر، وتغلب على الثلاثة سمات مشتركة هي: حداثة السن نسبيا، والتصلّب في الرأي، وتقديم المصلحة على السياسة الشرعية، والشدة على الخصوم اتهاما وتفسيقا وإخراجا يتماهى مع ممارسات التنظيم أمامهم!
أضلاع هذا «المثلث» الشرعي هم: البنعلي والشنقيطي والأزدي. وهؤلاء الثلاثة وضعوا الرسائل والكتيّبات في تشريع خلافة أبو بكر البغدادي وصحتها، وشرعية تنظيمه وبيعتهما معا. وتغلب عليهم جميعا المحاججة والتبرير الآيديولوجي لهذا التنظيم، وكتاباتهم ليست تأسيسا علميا وشرعيا عميقا بقدر ما هي ردود وسجال يمكن وصفه بـ«الفظاعة» التي تفسر فظاعة ممارسات التنظيم نفسه!
المنظّر الأول: «أبو همام الأثري»
أعلن تركي البنعلي انضمامه لـ«داعش» يوم 28 فبراير 2014، وقد احتفت حسابات المتشددين على الشبكات الاجتماعية بوصوله إلى سوريا عن طريق العراق. وكتب على حسابه في ذلك التاريخ على موقع «تويتر» تصريحا جاء فيه أنه نفر «للجهاد في الشام»، حسب قوله. ثم ظهر في يوليو (تموز) 2014 في شريط فيديو داخل أحد المساجد بمحافظة الرقّة السورية، التي يسيطر عليها التنظيم، وهو يلقن المصلين نصّ البيعة للبغدادي الذي كان قد أعلن تنصيب نفسه «أميرا للمؤمنين». ولا نستبعد دورا جوهريا للبنعلي في تأكيد ودفع هذا الطموح للبغدادي وشرعنة هذه الخلافة منذ قدومه. وهو يقدم دروسا أسبوعية كل يوم خميس لعناصر التنظيم نشرت بعضها مؤسسة «الغرباء» للإعلام، الذراع الإعلامية لـ«داعش».
يعتبر البنعلي صغير السن نسبيا، إذ إنه من مواليد 4 سبتمبر (أيلول) 1984 (ذي الحجة عام 1404هـ)، ويمكن حسبانه على «الجيل الثالث» من منظري المتشددين مع السعودي المحبوس حاليا عبد العزيز بن راشد العنزي الطويلعي، المشهور بـ«أخو من أطاع الله»، وأيضا «أبو البراء» عثمان آل نازح العسيري، إذا اعتبرنا أن جيل أبو مصعب الزرقاوي وأبو أنس الشامي ويوسف العييري وفارس آل شويل الزهراني هو الجيل الثاني، بعد الجيل الأول الذي يضم المقدسي وأبو قتادة وأيمن الظواهري وعبد القادر بن عبد العزيز في مرحلته الأولى وغيرهم. ولعل ثمة درجات في التطرف والتطرف العنيف وليس فقط مراتب عمرية أو جيلية، فما نلاحظه أن الجيل الثاني أكثر تشددا من الأول، والجيل الثالث أكثر تشددا من الثاني.
ولد البنعلي في المحرق بالبحرين، لأسرة وعائلة مرموقة مشهورة في مملكة البحرين. وتخرج في كلية الإمام الأوزاعي في العاصمة اللبنانية بيروت، بعدما درس لمدة سنة في كلية الدراسات الإسلامية بدبي في دولة الإمارات المتحدة، ورحل منها بعد سجنه لمدة سنة، وعمل بعد تخرّجه إمام مسجد في سوق المحرق بالبحرين، وإمام مسجد العمال. ثم أقيل من الإمامة وعمل بالتدريس في مدرسة عمر بن عبد العزيز في مدينة الحالة، ثم أقيل مجددا.
وكان سبب إقالته من الإمامة - كما يذكر في سيرته - تعليقه فتوى الشيخ المصري الراحل أبو الأشبال أحمد محمد شاكر (توفي عام 1958) في حُكم من ناصر الكفّار على المسلمين، وهي فتوى اعتبرها الظواهري في رسالته «التبرئة»، واعتبر صاحبها بها إحدى مرجعيات «القاعدة» الفكرية، وجرى تكرارها وتردادها في مختلف كتابات المتشددين، رغم عدم صحة فهمهم لها. فهؤلاء أخذوا شاردة تخصّ مقاومة الاحتلال الإنجليزي في مصر والفرنسي في الجزائر، ولم ينتبهوا لتحريم الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - للاغتيال في مقاله «الإيمان قيد الفتك» في تعليقه على اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر عقب حرب 1948، شأنهم في ابتسارات واختزالات خطابات الكثيرين.
ويكنى البنعلي بـ«أبو سفيان السُلمي» نسبة لبني سُليم، غير أنه يوقّع أكثر كتبه بكنيته «أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري»، أو «أبو بكر الأثري»، وبه وقع ترجمته التي صدرت في مايو (أيار) 2014 لأبو محمد العدناني. ولقد نشط البنعلي بعد انضمامه لـ«داعش»، وكتب عددا من الكتيبات والرسائل في تأييده، نذكر منها ما يلي:
1) رسالته «مد الأيادي لبيعة البغدادي» التي صدرت في 21 يوليو 2013، الموافق - حسبما أرخها - 13 رمضان سنة 1434 هجرية، وهي أول رسالة شرعية في الدعوة لبيعة «أمير داعش» البغدادي خليفة، وسنعرض لها بعد قليل.
2) «الإفادة في الرد ّعلى أبو قتادة» في 29 أبريل (نيسان) 2014. وله في مدحه سابقا «القلادة في ترجمة أبو قتادة»، وهو ما يعبر عن الانقلاب الآيديولوجي والحاد في شخصيته وأفكاره.
3) وضد أبو محمد المقدسي كتب رسالة بعنوان «شيخي السابق هذا فراق بيني وبينك» في 31 مايو 2014، بعد أن كان يفتخر بأنه من تلامذته ومن أعضاء اللجنة الشرعية في «منبر التوحيد والجهاد» الذي كان يديره الأخير.
4) وله أيضا كتيب ردا على شبهة «الخارجية ضد داعش» بعنوان «تبصير المحاجج بالفرق بين رجال الدولة والخوارج»، صدر عام 2014، وفيه اعتمد على أن الخوارج كانوا يكفّرون بالكبيرة، و«داعش» لا يكفّرون بالكبيرة، وهذا غير صحيح فليس كل الخوارج يكفّرون بالكبيرة سواء من خرجوا على عثمان أو من خرجوا على علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما). والنصوص تؤكد أن «الخارجية» صفة قبل أن تكون فرقة أو علامة على فرقة لم تقبل بهذا الوصف، كما لم يقبل به «داعش» وغيره، بل كانوا يرون أنفسهم جماعة المسلمين أو الشراة!.. مما يبطل حجته.
5) كتاب آخر بعنوان «القيافة في عدم اشتراط التمكين الكامل للخلافة» (2014)، استدل به على تفرّق الخلافات من عصر معاوية ويزيد والحسين وابن الزبير، وليته استنتج ما استنتجه أئمة الأحكام السلطانية من أن هذا الأمر تاريخي وفقهي وليس دينيا أو من أصول الاعتقاد، كما قال الجويني في الإرشاد وغيره.
6) وله في الدفاع عن قيادات تنظيم داعش «اللفظ اللساني في ترجمة العدناني: منجنيق الدولة الإسلامية» (2014)، ويبدو فيه أن العدناني، الذي كان قريبا من الزرقاوي، لم يحصل على أي شهادة تعليمية، كما تنكر البنعلي لتلقيه فترة على المقدسي الذي تواصل معه في قضية الكساسبة أخيرا.
7) وله أيضا في الرد على اتهام أبو بكر البغدادي بطلب الإمارة رسالة بعنوان «مختصر العبارة في حكم طلب الإمارة» (2014)، استند فيها لشرعية التغلب والاستيلاء.
المنظّر الثاني: «أبو عبيدة الشنقيطي»
لا تتوافر معلومات عن السيرة الذاتية لـ«أبو منذر/ أبو عبيدة الشنقيطي»، أو تعليمه أو نشأته أو تطوره التعليمي، إلا جدل على أحد منتديات المتشددين في 17 و18 فبراير 2013، ذكر فيه أحد عارفيه أن اسمه أحمد المحرزي - وقيل حسن - والأصح أحمد الشنقيطي المغربي.
تعلّم الشنقيطي على الألباني، وقيل إنه أثنى عليه حتى ردّ على مغربي سأله «أتسألني وفيكم أبو عبيدة؟»، وكنيته أبو عبيدة الشنقيطي، ولقبه أبو عبيدة المحرزي المراكشي. وهو موصوف من عارفيه بالعزلة، وله تسجيلات صوتية في التفسير وعلوم القرآن، وغيرهما، إلا أنه ليس مشهورا في أوساط المتشددين، ولقد طلبت له ترجمة وافية من أحدهم لم نرها إلى الآن. ولكن لأبو عبيدة المذكور كتابات عديدة منشورة على موقع «منبر التوحيد والجهاد»، وأخرى نشرتها مؤسسة «الغرباء» التي تمثل الذراع الإعلامية لـ«داعش».
ونذكر من كتب «أبو عبيدة الشنقيطي» - في موضوع بحثنا - أي نصرة «داعش»، كتيباته ورسائله التالية:
1) «رفع الحسام نصرة لدولة الإسلام في العراق والشام» المنشور عام 2014، وقد كتب مثله بنفس العنوان تقريبا في الدفاع عن «القاعدة»: «رفع الحسام ضد من خذل القاعدة»!
2) «أبلغ المعاني في نصح أبو حفص الموريتاني» المنشور أيضا عام 2014.
3) «النصيحة الشنقيطية لجماعة أنصار الشريعة الليبية»، وطبع بمؤسسة «الغرباء» في أكتوبر (تشرين الأول) 2014.
4) «سبحانك هذا بهتان عظيم: في الرد على الشيخ والمنظر أبو محمد المقدسي». وهو ما يدل على تجرؤ هؤلاء وتصلبهم على آرائهم.

* المنظر الثالث: «أبو الحسن الأزدي»
* لا توجد معلومات متوافرة تترجم لأبو الحسن الأزدي، ولكن نرجح كونه خليجيا، ممّن قاتلوا في العراق، وهو معادٍ أشد العداء للمخالفين عموما، كـ«النصرة» و«السرورية»، وله رسالة في الرد على الشيخ ناصر العمر وسلمان العودة وغيرهما بعنوان «السرورية فصام يولد الانشطار»، قدم لها هاني السباعي في مرحلة الأزدي الأولى.
وما يبدو من شأن الأزدي أنه كان، كشأن البنعلي والشنقيطي، منظرا منتميا متصلّبا لفكر «القاعدة» والمتشددين، وله في هذه المرحلة كتابات نصرة لـ«القاعدة» والتوجّهات المتطرفة، من أخطرها كتابه المنشور عام 2011 «القسطاس العدل في جواز قتل نساء وأطفال الكفّار معاقبة بالمثل»، وكتيّب «الصوارم الباترة والمشهورة في الذبّ عن رسالة مَعالم الطائفة المنصورة». وله أيضا في هذه المرحلة «الحجة الناهضة في بيان موقف المسلم من عدوان الرافضة»، ومنها كتاب في نصرة «القاعدة» وآخر في الرد على بعض الشبه في الفتوح، ومنها كتيب بعنوان «التجلية والنقض لمدرك قول مجيز التصويت للدستور»، وتتضح معالم شدته وعنفه أيضا في نشره قصيدة مطوّلة بعد مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا بعنوان «تحية إكبار وتعزير لمن أحرق السفارات وجندل السفير».
ومن أهم مؤلفات الأزدي في المرحلة الداعشية الكتيبات والرسائل الآتية:
1) رسالة بعنوان «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام: اعتراضات وجوابات»، طبع بمؤسسة «المأسدة» الإعلامية، شبكة «أنصار المجاهدين» عام 2013.
2) رسالة ضد أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة بعنوان «القائد الجولاني بين النصيحة والتغرير» في مارس (آذار) 2013، ردّ فيه على الدكتور إياد قنيبي، أحد منظّري «النصرة» وهو أردني، ونشرتها مؤسسة «البتار» الإعلامية في هذا التاريخ.
3) وله رسالة بعنوان «الإجافة لشبه خصوم دولة الخلافة» في 26 صفحة، منشورة في رمضان سنة 1435 هجرية، الموافق ميلاديا يوليو 2014 بعد إعلان «داعش» خلافته بأيام.
4) رسالة بعنوان «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية».
5) كتيب بعنوان «توبيخ الغالطين على إمام الحرمين فيما نسبوه إليه من دعوى تقويض الإمامة بنقصان التمكين» (الطبعة الثانية: مؤسسة «الغرباء» للإعلام 2013). وكما سبقت الإشارة سينشر «داعش»، حسب إعلان أحد مغرديه يوم 10 فبراير، في أعقاب قتل معاذ الكساسبة بأيام، الترجمة الإنجليزية لكتابه المشار إليه سابقا «القسطاس العدل في جواز قتل نساء وأطفال الكفار معاقبة بالمثل»، لمزيد من النكاية وابتداع سنن سيئة ما أنزل الله بها من سلطان، فالكتاب كما هو تبريرهم لقتل الكساسبة قائم على حجة جواز كل شيء في القصاص!.. وتجاهل نصوصا ثابتة في عصمة دماء غير المقاتلين من النساء والصبيان، وهو ما صنعه النبي (صلى الله عليه وسلّم) مع الكفار، ولكن يبدو أن «داعش» يجيد فقط استحلال كل الآخرين والأغيار.

* كاتب مصري متخصص
في الحركات الأصولية



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».