الرئيس التونسي يعلن مبادرات «تستجيب مطالب الشعب»

بعد أشهر من الصدام مع الحكومة والبرلمان وتعطيل مؤسسات الدولة

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
TT

الرئيس التونسي يعلن مبادرات «تستجيب مطالب الشعب»

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

قال الرئيس التونسي قيس سعيد، إنه سيقدم قريباً مجموعة من «المبادرات التي تلبي طموحات الشعب وتستجيب لمطالبه»، وأكد خلال لقاء جمعه بزهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب المعارضة، مساء أول من أمس، استعداده لـ«حوار وطني» يكون مختلفاً عما سبقه، ويركز على سبل لإيجاد «حلول جدية» للأزمة السياسية التي تعرفها البلاد، وفق ما ورد في تسجيل مصور نشرته رئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبره مراقبون «انفراجة كبيرة في مسار الصراع السياسي»، المتفاقم منذ أشهر بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي من ناحية، وراشد الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، الداعم الرئيسي لرئيس الحكومة من جهة ثانية.
وفي تفاصيل هذه المبادرة الرئاسية الجديدة، أكد الرئيس سعيد، أن «تشخيص المشاكل أمر متفق عليه. أما ما هو موضوع خلاف فيتعلق بالنزاعات المعلنة وغير المعلنة حول المناصب والامتيازات». معتبراً أن الحوار «يمكن أن يكون إطاراً تحدد وترتب فيه الحلول النابعة من الإرادة الشعبية»، على حد تعبيره.
ورحب رياض الشعيبي، مستشار رئيس حركة النهضة، بدعوة الرئيس إلى حوار لتجاوز الأزمة، وقال إن تأكيد رئيس الجمهورية على أن مشاكل البلاد «لا يمكن حلها إلا بالحوار خطوة إيجابية في اتجاه الخروج من الأزمة».
في المقابل، انتقدت بعض الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم، الذي تتزعمه حركة النهضة، انحياز الرئيس لبعض الأحزاب المعارضة، على غرار «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب»، واستقباله المتكرر لقادتها، والأخذ بالكثير من آرائهم ومواقفهم على حساب بقية الأحزاب السياسية، وتقول إنه بات يمثل «خصماً سياسياً بدلاً من أن يكون جامعاً لمختلف التوجهات السياسية».
وكان الرئيس سعيد قد تأخر في تحديد موقفه من مبادرة «الحوار الوطني»، التي قدمها له اتحاد الشغل (نقابة العمال) في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واقترح عليه الإشراف عليها من خلال «هيئة حكماء ووسطاء»، ثم طالب لاحقاً بإدخال تعديلات على المبادرة، باقتراح مشاركة فعالة للفئات الشبابية. ورغم أن مختلف الأطراف السياسية قبلت بهذا الشرط، فقد عاد الرئيس ليؤكد عدم استعداده للتحاور مع من سماهم «الفاسدين»، وهو ما جعل هذه المبادرة تفقد بريقها تدريجياً لتبقى الأوضاع متأزمة والصراعات متواصلة.
وتنتظر الساحة السياسية ما سيؤول إليه الخلاف الحاد حول إرساء المحكمة الدستورية، وسط مخاوف من توظيفها لعزل الرئيس سعيد، ومعرفة الموقف النهائي لرئيس الجمهورية من الأزمة السياسية والدستورية، خاصة بعد مصادقة البرلمان أول من أمس على مشروع القانون المتعلق بهذه المحكمة في قراءة ثانية، وحصوله من جديد على 141 صوتاً. ويرى مراقبون، أن الرئيس بات مدعواً من جديد لختم القانون وتمريره للتنفيذ، في وقت تعول فيه أطراف سياسية عدة على هذا القانون لـ«إحراج الرئيس أكثر»، وتجديد اتهاماتها له «بتعطيل دواليب الدولة، وعدم احترام مقتضيات دستور2014»، بحسب بعض المراقبين، الذين يرون أن الائتلاف البرلماني الذي تتزعمه حركة النهضة «نجح من جديد في توفير الدعم اللازم لمشروع هذا القانون، وهذا ما تعتبره نجاحاً في استراتيجية مواجهة الرئاسة، التي نبهت من مخاطر تقسيم الدولة وتراجع هيبتها».
وفي هذا الشأن، قال حسان العيادي، المحلل السياسي التونسي، إن مشروع القانون «عاد بصيغته القديمة إلى الرئاسة، التي لا يبدو أنها تعتزم ختم مشروع القانون المحال إليها، وهو ما تأمله الأغلبية البرلمانية التي تريد أن تضع الرئيس في الزاوية، وتحرجه داخلياً وخارجياً، وتقيم عليه حجة خرق الدستور».
واعتبر العيادي، أن المحكمة الدستورية «أصبحت الآن بمثابة سلاح ثقيل في صراع سياسي بين الرئاسة والبرلمان، وبات موقف الرئيس حاسماً في تحقيق انفراج سياسي، لكن في حال رفضه التوقيع على القانون، فإن ذلك سيعمق الأزمة السياسية الراهنة، ويرفع منسوب التوتر في الساحة السياسية وفي المشهد البرلماني».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».