تونس: دعوات برلمانية للحسم في «سحب الثقة» من الغنوشي

رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي (رويترز)
رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي (رويترز)
TT

تونس: دعوات برلمانية للحسم في «سحب الثقة» من الغنوشي

رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي (رويترز)
رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي (رويترز)

دعت كتلة «الإصلاح» البرلمانية المنضمة إلى الائتلاف الحاكم في تونس، بقيادة حركة النهضة، راشد الغنوشي رئيس البرلمان، ورئيس حركة النهضة إلى تقديم استقالته من رئاسة المجلس، منتقدة أداءه على رأس هذه المؤسسة الدستورية. كما حملت الرئاسات الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان) المسؤولية عما يحصل في تونس من أزمات «ناجمة عن عدم قدرتهم على تجاوز الخلافات، والتمادي في منطق المغالبة والتحدي، دون مراعاة لمخاطر الفتنة والتقسيم والصراعات على التونسيين».
وقال حسونة الناصفي، رئيس كتلة «الإصلاح»، التي تضم 15 نائباً برلمانياً، إن «الأوضاع المتأزمة داخل البرلمان تنعكس بصفة مباشرة على الوضع العام بالبلاد»، واتهم الغنوشي بـ«المحاباة والكيل بمكيالين في علاقته بالنواب». معتبراً أن رئيس البرلمان بات «عنصراً أساسياً في اندلاع كل الأزمات داخل البرلمان، ويزيد من حدتها باصطفافه المتواصل مع مؤيديه في الفكر والعقيدة، حتى وإن كان ذلك على حساب القانون والنظام الداخلي والأعراف البرلمانية» على حد قوله.
ودعت كتلة «الإصلاح» بقية الكتل البرلمانية والنواب، الذين وقعوا على عريضة سحب الثقة من الغنوشي إلى اجتماع عاجل للحسم بشكل نهائي في عدد الموقعين على العريضة، ونشرها للرأي العام التونسي، والاتفاق على مآلها وتاريخ إيداعها بمكتب مجلس البرلمان.
يذكر أن الحزب الدستوري الحر المعارض، الذي تقوده عبير موسي، سبق أن قاد حملة كبيرة لسحب الثقة من الغنوشي الصيف الماضي. لكنها باءت بالفشل. كما تزعم حزب «الوطد» اليساري المعارض حملة جديدة لإزاحة الغنوشي من رئاسة البرلمان استمرت أربعة أشهر، لكن المعارضة لا تزال محتفظة بهذه العريضة، التي شككت حركة النهضة والأحزاب المؤيدة لها في عدد الموقعين عليها، وطالبت المعارضة الكشف عن تفاصيلها وإيداعها مكتب المجلس للحسم فيها، بدل التلويح باستعمالها من فترة إلى أخرى للضغط على حركة النهضة.
على صعيد غير متصل، أفاد إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني خلال جلسة برلمانية، عقدت أمس للرد على أسئلة نواب البرلمان، أن كمية التلاقيح التي تلقتها رئاسة الجمهورية من دولة الإمارات في شكل هبة (ألف جرعة من لقاح سينوفارم الصيني)، تم وضعها على ذمة الإدارة العامة للصحة العسكرية (وزارة الدفاع)، وأكد عدم استعمال أي جرعة من هذا اللقاح، بسبب عدم حصوله على ترخيص الهياكل المختصة بوزارة الصحة التونسية.
في السياق ذاته، نفى وليد الحجام، الملحق بالدائرة الدبلوماسية في رئاسة الجمهورية، أن تكون الرئاسة قد حصلت على 10 آلاف جرعة من تلاقيح كورونا. وقال في تصريح إذاعي إن أي شخص من رئاسة الجمهورية لم يتلق حتى الآن تلقيح كورونا، بمن فيهم رئيس الدولة قيس سعيد. مؤكداً أن الرئاسة لم ولن تحصل على أي جرعة من هذه التلاقيح.
وكان مفدي المسدي، المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة، قد أكد إرسال 10 آلاف تلقيح مضاد لفيروس كورونا إلى رئاسة الجمهورية، بحيث سيتم تطعيم 2500 موظف بالأمن الرئاسي يتمتعون بأولوية التلقيح. كما أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي بدوره المعلومة ذاتها، قائلاً إن تخصيص كميات من التلاقيح لرئاسة الجمهورية وللأمن الرئاسي يندرج في إطار تطبيق أولوية ضمان استمرارية عمل الدولة، وهو الأساس نفسه الذي تم بموجبه تلقيح الوزراء، وهو ما ضاعف درجة الغموض والخلاف التي تطبع العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.