في مزادها الإلكتروني الذي يقام حالياً ويختتم يوم 13 من هذا الشهر تقدم «سوذبيز» مجموعة من الرسومات والخرائط والكتب التي ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط وتخرج لنا من أرفف الكتب وأركان المكتبات الخاصة عدداً من المعروضات المذهلة بدقة تجليدها وصناعتها وأيضاً بمحتواها التاريخي. الخبير بالدار ريتشارد فاتوريني يجد المتعة في الحديث عن كل قطعة على حدة وفي تقليب صفحات الكتب النادرة شارحاً أهميتها مستعيناً بالحقائق والطرف والمعلومات عن كل ما تحويه تلك المخطوطات والصور. يقول: «أثناء زيارتي لمقر الدار للاطلاع على محتويات المزاد أن مطالعة كتب الرحلات متعة بحد ذاتها، يمكنك الإبحار والسفر بين صفحات هذه الكتب دون مغادرة مقعدك». وبهذه الملحوظة نبدأ في تفحص بعض المعروضات يبدأها الخبير بعرض رسمتين على طريقة المنمنمات الهندية واحدة للحرم المكي والثانية للحرم المدني في إطار أبيض وأسود مع هوامش خضراء. وكطبع المنمنمات والرسومات الهندية هناك من التفاصيل الكثير، خصوصاً في تصوير الأشخاص. تفحص مثل هذه الرسومات في العادة يستغرق بعض الوقت في اكتشاف كل التفاصيل الدقيقة، وفي رسمة الكعبة نرى تفاصيل الحرم المكي كما بدت للرسام في عام 1840.
في رسم مكة نرى الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، وفي الرسم الآخر من المدينة المنورة يظهر الفناء المفتوح للحرم المدني وجانب من الروضة الشريفة وبئر ماء. في كل لوحة نرى المآذن والجدران الخارجية والقباب المتناثرة على السطح. ويأخذنا الرسم للخارج، حيث نرى تفاصيل للمنازل المحيطة بمكة وأسطحها الممتدة في حواف كلتا اللوحتين. نرى حجاجاً يرتدون عمامات وملابس بيضاء. تتميز اللوحتان بالمنظور البانورامي وحسب ما يذكر الخبير فمن المعتاد رؤية تصوير لمكة لمكرمة بهذا المنظور ولكن من النادر العثور على رسمات للمدينة المنورة بنفس النمط. السعر المقدر للوحتين يتراوح ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جنيه إسترليني.
صور لمكة من 1880
يهتم المؤرخون والمقتنون بأوائل الصور الفوتوغرافية التي التقطت لمكة المكرمة وللحرم الشريف وخاصة تلك التي التقطها المهندس المصري محمد صادق بيه في الفترة ما بين 1880 - 1881. يقول فاتوريني إن الصور التي تنسب لمحمد صادق بيه كانت من الانتشار ومن الأهمية بحيث قام مصورون لاحقون بتصوير نسخ عنها للبيع ومنها سبعة صور تعرضها الدار هذا الشهر. ورغم أنها نسخ عن أصل ولا تحمل نفس الأهمية لصور المهندس المصري صادق بيه فإنها أيضاً تحولت إلى نسخ نادرة بسبب الإقبال على شرائها. الصور السبعة تصور الكعبة المشرفة والطواف ومباني مكة القديمة، وتعرض للبيع بسعر تقديري يصل إلى 15 ألف جنيه إسترليني.
«كعبة الله العليا» رسم بانورامي لمكة
ننتقل إلى مخطوطة ضخمة تصور منظراً بانورامياً نادراً ومثيراً للإعجاب لمكة المكرمة تم تنفيذه في القرن الـ18 على يد أحد المستشرقين.
الرسمة تم تنفيذها تلبية لطلب من الدبلوماسي السويدي إجناس دي موراجا دي أوسون، الذي نشر في وقت سابق (1787) كتاباً كبيراً عن الإمبراطورية العثمانية تضمن عرضاً من صفحتين لمكة وضواحيها نقشها بيرثولت بعد ل. دي ليسبيناس. وحسب المعلومات التاريخية ففي عام 1791. كلف مرادجا دي أوسون الأخوين تشارلز نيكولا وجوزيف فارين في باريس بإنتاج نسخة أكبر بكثير (النسخة الموجودة هنا)، قبل عودته إلى القسطنطينية. ويقال إنه باع نسخاً منها في القسطنطينية للحجاج والمسافرين ولكن عدداً ضخماً من تلك النسخ دمر في حريق بمدينة بيرا التركية في عام 1791 ولم ينج سوى بعض النسخ التي وجدت طريقها إلى أوروبا.
التفاصيل في هذه الرسم مدهشة بالفعل، نرى أفواجاً من الحجاج خارج الحرم وفوجاً آخر حول الكعبة إلى جانب الأشخاص الذين يطلون من نوافذ وشرفات المسجد. اللوحة تصور المباني حول الحرم، نرى على بعض الأسطح ما يبدو وكأنه خيام وأشخاص خارجها، هناك أيضاً قبة تعلو أحد المنازل. على اليسار طريق متعرجة عليها جمال وحجاج يمشون.
رحلة مصور وروائي لمصر وفلسطين
يعرض فاتوريني كتاباً للمصور مارسيل دو كامب عن رحلاته مع الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير في مصر وسوريا وفلسطين. وكان دو كامب قد سافر إلى مصر مع صديقه الروائي جوستاف فلوبير (1821 - 1880). دو كامب كان يريد تصوير المواقع الأثرية ودراسة تاريخها، وكان على فلوبير جمع معلومات عن التجارة والزراعة والصناعات في الأماكن التي سيزورانها. كان دو كامب كاتباً وصحافياً قد تلقى تدريباً للتو في التصوير على يد غوستاف لو جراي ثم البارون ألكسيس دي لا جرانج في القاهرة. وخلال الرحلة التقط أكثر من 200 صورة لنحو 60 أثراً وموقعاً مختلفاً.
بعد العودة لفرنسا، عرض دو كامب الصور على عدد من الناشرين الذين بهروا بالصور لأماكن لم يروها من قبل، عرفوها ربما عن طريق اللوحات فقط، مما جعل وقع رؤية صور فوتوغرافية للأهرامات وقبة الصخرة كبيراً وكان الناتج نشر أول كتاب رحلات فرنسي مصور.
من خلال الصور نرى غوستاف فلوبير في المنزل الذي سكنه في القاهرة وصوراً للأهرامات وأبو الهول. الصور تحمل معها تعليقاً موجزاً ولكن لا يوجد سرد لوقائع الرحلة وهنا يشير فاتوريني إلى أن دو كامب قد كتب بالفعل 60 صفحة قد تكون طبعت في مجلد منفصل.
خلال تصويره للآثار المصرية القديمة ولتوضيح حجمها الضخم استخدم دو كامب حيلة تصوير أحد الأشخاص واقفاً أمام الأثر. الناتج صور طريفة نجد فيها أشخاصاً يجلسون في ثنيات التماثيل أو أعلى رأسها ونقلب في الصفحات مستمتعين بمحاولة العثور على شخص مختبئ في الظل في ثنية تمثال بمعبد الكرنك أو الدير البحري.
يضم المزاد عدداً من الصور الفوتوغرافية المبكرة لمدينة سواكن في السودان ويبدو فيها التشابه الكبير في المعماري التقليدي مع مدينة جدة على الساحل المقابل. هناك أيضاً صور تسجل بدايات الملاحة في قناة السويس ونسخة من خريطة العالم للإدريسي.