حاكم كاليفورنيا الديمقراطي يدفع ثمن الثقل السياسي لولايته

بعد نجاح الجمهوريين في جمع الأصوات للاستفتاء على عزله

حاكم كاليفورنيا الديمقراطي يدفع ثمن الثقل السياسي لولايته
TT

حاكم كاليفورنيا الديمقراطي يدفع ثمن الثقل السياسي لولايته

حاكم كاليفورنيا الديمقراطي يدفع ثمن الثقل السياسي لولايته

بدءاً من يوم الاثنين، من المقرر أن تباشر سلطات ولاية كاليفورنيا الإجراءات القانونية لعملية سحب الثقة من حاكمها الديمقراطي غافين نيوسوم، في خطوة من شأنها أن تنهي ولايته الأولى قبل سنة من أوانها. وتأتي هذه الخطوة بعد نجاح حملة ضده أطلقتها مجموعات سياسية متعددة الانتماءات، على رأسها جمهوريو الولاية، وكذلك من ناشطين بينهم جماعات من حزب «الخضر» ومدافعون عن المثليين وبعض الديمقراطيين، في جمع أكثر من 1.62 مليون توقيع على عريضة.
جامعو التواقيع دعوا الكاليفورنيين إلى سحب الثقة من الحاكم عبر الرد على سؤالين متصلين: هل ينبغي سحب الثقة من نيوسوم؟ ومن يجب أن يحل محله؟ وإذا صوتت الأغلبية بـ«نعم»، فسيخسر منصبه، بينما سيحدد جواب الناخبين على السؤال الثاني، اسم الحاكم الجديد.
تعرض غافين نيوسوم منصب حاكم ولاية كاليفورنيا، كبرى الولايات المتحدة الأميركية وأغناها، منذ تولى منصبه لاستدعاءات عدة لنزع الثقة منه، غير أنها فشلت كلها. لكن في 21 فبراير (شباط) 2020، قدم أورين هيتلي وهو نائب مسؤول الشرطة في مقاطعة يولو بكاليفورنيا عريضة، تتهم الحاكم بأنه «يفضل المهاجرين غير الشرعيين». وتضيف العريضة التي تعبر عن تيار اليمين المتشدد «أن كاليفورنيا فيها نسبة مشردين وضرائب مرتفعة ونوعية حياة متدنية» وغيرها من التهم. وفي 10 يونيو (حزيران) 2020، وافق أمين الولاية على تقديم العريضة لجمع التواقيع عليها، وهي تتطلب الحصول على 1.49 مليون توقيع لإجراء الاستفتاء.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه سبق لولاية كاليفورنيا التي تزايد ولاؤها للديمقراطيين في السنوات الأخيرة، أن شهدت استفتاءً مشابها عام 2003. إذ صوت الناخبون على سحب الثقة من حاكمها الديمقراطي أيضا غراي ديفيس، وانتخبوا بدلاً منه نجم أفلام هوليوود وبطل كمال الأجسام الشهير أرنولد شوارتزنيغر، مرشح الحزب الجمهوري، الذي بقي في منصبه حتى أوائل عام 2011.

معركة «كسر عظم»
هي إذن معركة «كسر عظم» سياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، للسيطرة على أكبر ولاية أميركية، سواءً من حيث عدد السكان أو الحجم الاقتصادي والسياسي، في لحظة يحتدم فيها الانقسام السياسي والحزبي بشكل لم تشهده الولايات المتحدة منذ عقود. إذ أن من شأن السيطرة على كاليفورنيا تغيير الكثير من الاتجاهات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، في ولاية تقود المعايير التي تعتمدها الكثير من الولايات الأميركية، في مجالات جودة الإنتاج، والطاقة، والبحث العلمي، والموافقات على رخص الشهادات وقضايا البيئة وغيرها من القضايا الاجتماعية، كالعلاقة مع مجتمع المثليين ومع قضية الإجهاض وتعاطي الماريغوانا.
في الواقع، بدأت الحملة لإقالة نيوسوم إبان حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، عندما شن الجمهوريون حملة ضده بسبب سياساته المتسامحة تجاه الهجرة والمهاجرين. وهي القضية التي شكلت حجر الزاوية في حملة ترمب والجمهوريين، ولا تزال مندلعة لاعتماد سياسات يمينية أكثر تشدداً تجاه المهاجرين، معتبرين أن كاليفورنيا باتت تشكل ملاذاً آمناً لهؤلاء. وبالتالي، إذا تمكن اليمين الجمهوري من السيطرة على الولاية، فإنه سيعمل على فرض تغييرات كبيرة تطال قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر، بما يسهل السيطرة على أكبر كتلة انتخابية في المجمع الانتخابي (لولاية كاليفورنيا 55 صوتاً فيه). ثم، مع اندلاع أزمة جائحة كوفيد - 19، ركز اليمين حملته ضد نيوسوم منتقداً تدابيره الوقائية وحمله مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن سياسات الإغلاق.
في أي حال، حملة اليمين الجمهوري على غافين نيوسوم ليست بعيدة عن الحملات التي تستهدف حكاماً ومسؤولين ديمقراطيين آخرين، على رأسهم حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، لتعزز الهجمات «التقليدية» المتبادلة وتعمق الأحقاد بين الحزب الحاكم والحزب المعارض.
حتى الساعة لم يجدد موعد الاقتراع لسحب الثقة عن نيوسوم، غير أن التوقعات تشير إلى أن الموعد قد يكون بين أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام. ومع أن جهود طلب سحب الثقة من حاكم كاليفورنيا اكتسبت زخماً خلال فصل الشتاء، مع تفشي كوفيد - 19 وقرارات الإغلاق الاقتصادي التي فرضها نيوسوم، فإن الناخبين سيدلون بأصواتهم في فترة بات يطغى عليها التفاؤل. ومع نجاح حملات التطعيم وعودة اقتصاد الولاية إلى التعافي، وتسجيلها أدنى معدل إصابة يومية بالفيروس على مستوى البلاد كلها، حدد نيوسوم 15 يونيو (حزيران) المقبل موعدا لإعادة فتح الاقتصاد بالكامل. وإذا ما نجا نيوسوم من السؤال الأول بغالبية أصوات «لا» سينتفي السؤال الثاني، في حين قدرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أن تكلفة الاستفتاء قد تصل إلى نحو 400 مليون دولار. وللعلم، عام 2003 ترشح أكثر من 100 شخص ليحلوا محل الحاكم غراي ديفيس، لأن الفائز لا يحتاج إلى غالبية أصوات الناخبين. ويكفي أن يحل في المرتبة الأولى في عدد الأصوات مقابل باقي المنافسين ليغدو الحاكم الجديد.

متحولة جنسياً أبرز المتحدين
هذا العام، لا تزال قائمة الترشيحات محدودة، لكن المرشحين الجمهوريين الذين حظوا بأكبر قدر من الاهتمام بعدما أعلنوا ترشحهم، هم كيفن فولكونر رئيس بلدية مدينة سان دييغو السابق، وجون كوكس رجل الأعمال في سان دييغو الذي خسر أمام نيوسوم في انتخابات عام 2018. كذلك حظيت كايتلين جينر، الناشطة الجمهورية اليمينية في مجال الدفاع عن حقوق المتحولين جنسياً باهتمام كبير بعد إعلان ترشحها. وجينر نفسها متحولة جنسياً وهي من نجوم «تلفزيون الواقع»، وكانت قبل تحولها البطل الأوليمبي بروس جينر، زوج والدة الأخوات كيم وكلوي كارداشيان - أيضاً من نجوم «تلفزيون الواقع». ولقد اعتبر الحاكم السابق أرنولد شوارتزنيغر أن لدى جينر فرصة حقيقية للفوز.
ويوم الاثنين أعلن فولكونر في بيان «إن سكان كاليفورنيا ينتهزون هذه الفرصة التاريخية للمطالبة بالتغيير». وأضاف أن «الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين موحدون في دعم الاستفتاء وإعادة ولايتنا إلى المسار الصحيح». وأردف «بصفتي المرشح الوحيد الذي فاز في انتخابات صعبة وأجرى إصلاحات حقيقية، أنا مستعد لقيادة هذه الحركة».

رؤيتان مختلفتان لكاليفورنيا
في المقابل، دافع خوان رودريغيز، مدير حملة «أوقفوا استفتاء الجمهوريين» في بيان، عن نيوسوم قائلا، إن «هذه الانتخابات ستكون حول رؤيتين مختلفتين لولاية كاليفورنيا». وأضاف «هذا الاستدعاء الجمهوري، المدعوم من قبل القوى الحزبية والموالية لترمب واليمين المتطرف، يهدد قيمنا كمواطني كاليفورنيا، ويسعى إلى التراجع عن التقدم المهم الذي أحرزناه في عهد الحاكم نيوسوم في محاربة كوفيد - 19 ودعم العائلات المكافحة، وحماية البيئة، وقوانين الرقابة على السلاح. ببساطة هناك الكثير على المحك، لكننا سنفوز». غير أن اللافت أن إحصاءً حول الاتجاهات السياسية للموقعين على العريضة التي طالبت بالاستفتاء، أظهر وجود أكثر من 300 ألف ديمقراطي مسجلين على قوائم الحزب رسمياً، من بين الموقعين. وهو ما قد يشكل عينة تهدد نيوسوم، لا سيما إذا أضيف إليها جمهور ما يعرف بمجتمع «الميم» من المتحولين جنسياً والمثليين، وجمهوريو الولاية الذين يطلق عليهم في الأصل لقب «رينو»، وهي اختصار لكلمات إنجليزية تعني «جمهوريون بالاسم فقط».
من جهة ثانية، تشير استطلاعات الرأي تشير أيضاً إلى أن 40 في المائة فقط من ناخبي الولاية قد يشاركون في الاستفتاء، وهو ما قد يكون في مصلحة نيوسوم. كما أن أي مرشح ديمقراطي بارز لم يعلن ترشحه علنا بعد، كي لا يعتبر خيانة له، الأمر الذي قد يسمح لنيوسوم بمواجهة الناخبين مجدداً في انتخابات العام 2022 النصفية المقبلة.

بطاقة شخصية
ولد غافين كريستوفر نيوسوم يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) 1967 في مدينة سان فرانسيسكو، لأبوين هما تيسا توماس وويليام ألفريد نيوسوم الثالث، ووالده قاض محكمة الاستئناف بالولاية ومحامي شركة غيتي أويل. ثم إن عمة غافين متزوجة من رون بيلوسي، صهر رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي.
نيوسوم قال عن نفسه ذات يوم أنه لم يتمتع بطفولة سهلة. وحقاً، التحق بالروضة والصف الأول في مدرسة نوتردام دي فيكتوار، وهي مدرسة فرنسية أميركية ثنائية اللغة في سان فرانسيسكو حيث خضع لفصول قراءة علاجية بسبب معاناته من حالة عسر القراءة التي لا يزال يعاني منها حتى الآن. وجرى نقله في النهاية بسبب صعوبته في القراءة والكتابة والتهجئة والتعامل مع الأرقام. وطوال فترة دراسته، كان على نيوسوم الاعتماد على مجموعة من الكتب الصوتية والملخصات والتعليم الشفهي غير الرسمي. وهو لا يزال حتى اليوم يفضل تفسير الوثائق والتقارير من خلال الصوت.
في المدرسة الثانوية، لعب نيوسوم كرة السلة والبيسبول (كرة القاعدة) وتخرج في مدرسة ريدوود الثانوية عام 1985. وبسبب مهارته في البيسبول ظهرت صورته على غلاف مجلة «مارين» المستقلة، وحصل على منحة جزئية للتعليم الجامعي، ودرس وتخرج في جامعة سانتا كلارا، وهي إحدى أشهر الجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة. وبعد تخرجه، أسس متجرا للمشروبات أسماه «بلامب جاك» على اسم اوبرا كتبها صديق للعائلة يدعى غوردون غيتي الذي دخل معه في شراكة كمستثمر. ونما المتجر إلى مجموعة كبيرة تضم 23 شركة يعمل فيها أكثر من 700 عامل، بما في ذلك مصانع مشروبات ومطاعم وفنادق.

كاثوليكي ممارس ومتمرد
يعرف غافين نيوسوم نفسه بأنه كاثوليكي ممارس، لكنه «متمرد كاثوليكي إيرلندي، رغم أنه لا يزال لديه إعجاب كبير بالكنيسة وإيمان قوي جدا». وعندما سئل عن وضع الكنيسة الكاثوليكية (في العام 2008) قال إنها في أزمة، لكنه رغم ذلك يبقى معها بسبب «علاقته القوية بهدف أعظم، وكيان أعلى».
في ديسمبر (كانون الأول) 2001، تزوج نيوسوم من كيمبرلي غيلفويل، وهي مدعية عامة سابقة في سان فرانسيسكو ومعلقة قانونية في عدد من المحطات التلفزيونية مثل «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي». إلا نها أصبحت لاحقاً شخصية بارزة ويمينية متشددة في قناة «فوكس نيوز». وفي سبتمبر (أيلول) 2004 أطلقت عليهما مجلة «هاربر بازار» لقب «نيو كينيديز» (آل كنيدي الجدد)، بيد أنهما تقدما في يناير (كانون الثاني) 2005 بطلب طلاق مشترك، بدعوى «الصعوبات الناجمة عن سكنهما المنفصل على الساحلين الشرقي والغربي بسبب حياتهما المهنية». واكتملت معاملات طلاقهما في 28 فبراير 2006.
بعدها، في يناير 2007، كشفت علاقة نيوسوم مع روبي ريبي تورك، زوجة مدير حملته أليكس تورك منذ منتصف عام 2005. وتقدم تورك بطلب طلاق زوجته بعد فترة وجيزة وترك حملة نيوسوم وإدارتها. وفي المقابل كشف عن علاقة بين زوجته السابقة غيلفويل بدونالد ترمب جونيور، ابن الرئيس السابق. وفي سبتمبر 2006 بدأ نيوسوم علاقة مع المخرجة جينيفر سيبل. ثم أعلن أنه سيسعى للعلاج من اضطراب تعاطي الكحول في فبراير 2007، وأعلنا خطوبتهما في ديسمبر العام نفسه وتزوجا في يوليو (تموز) 2008 وأنجبا أربعة أطفال.

البداية مع السياسة
بدأ نيوسوم حياته السياسية عام 1996 عندما عينه عمدة سان فرانسيسكو الديمقراطي ويلي براون للعمل في لجنة إدارة مواقف السيارات والمرور في المدينة. ثم عينه لملء منصب شاغر في مجلس المشرفين في العام التالي، إذ انتخب لاحقا لمجلس الإدارة في أعوام 1998 و2000 و2002.
بعدها خاض منافسة مع مات غونزاليس مرشح حزب «الخضر» المدعوم من التقدميين وكثرة من الديمقراطيين في انتخابات رئاسة بلدية سان فرانسيسكو عام 2003، وفاز نيوسوم بفارق 11 ألف صوت، بفضل دعم من شخصيات وطنية من الحزب الديمقراطي، بما في ذلك بيل كلينتون وآل غور وجيسي جاكسون، رأوا ضرورة الفوز في المدينة بعد خسارتهم الانتخابات الرئاسية عام 2000 وحاكمية الولاية عام 2003. وهكذا، أصبح الرئيس 42 لبلدية المدينة، وكان يومذاك في الـ36 من العمر، أصغر عمدة للمدينة منذ قرن.
ثم عام 2007 أعيد انتخاب نيوسوم بنسبة 72 في المائة من الأصوات، عام 2010 انتخب نائبا لحاكم ولاية كاليفورنيا وأعيد انتخابه في عام 2014، لينتخب عام 2018 حاكماً للولاية ويصبح الحاكم الـ40 لها.
خاض نيوسوم معارك مبكرة منذ بداية عمله السياسي، واكتسب اهتماماً وطنياً عام 2004 عندما وجه كاتب مدينة سان فرانسيسكو بإصدار تراخيص الزواج للأزواج من الجنس نفسه. ثم إنه دعم مشاريع الإسكان من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص لزيادة ملكية المنازل والإسكان الميسور التكلفة في سان فرانسيسكو. وأنجز مشروع تقديم الرعاية والإسكان الداعم والعلاج من تعاطي المخدرات والمساعدة من متخصصي الصحة السلوكية للمشردين بدلاً من المساعدة النقدية المباشرة من برنامج المساعدة العامة للولاية. ووقع على قانون إنشاء «مدينة سان فرانسيسكو الصحية» عام 2007 لتقديم الرعاية الصحية الشاملة لسكان المدينة، لتكون أول مدينة في البلاد تقوم بذلك. وسمي «العمدة الأكثر اجتماعية في أميركا» عام 2010، بناء على تحليل ملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي لرؤساء بلديات أكبر 100 مدينة في الولايات المتحدة.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».