«قابل للكسر» فيلم عن المرأة في ثلاثة أيام فاصلة

في مارس (آذار) من السنة الماضية توجّه المخرج أحمد رشوان إلى مهرجان الأقصر لكي يعرض فيلمه الروائي «قابل للكسر» لكن قراراً حكومياً بإيقاف نشاط المهرجان تبعاً لمحاولة احتواء «كورونا» آنذاك أدّى إلى إلغاء الدورة بعد بدايتها.
كان عليه الانتظار حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) قبل أن يتوجه بفيلمه إلى مهرجان الإسكندرية، لكن بعد 11 دقيقة من بداية العرض لاحظ موظفو وزارة الصحة عدم امتثال الجمهور لشروط السلامة ضد الوباء، فتم إيقاف العرض قبل استكماله بعدد أقل من المشاهدين.
في الشهر الأول من العام الحالي استقبل مهرجان الدار البيضاء الدولي للفيلم المستقل الفيلم وفي الشهر الماضي شهد عرضاً خاصاً في سينما الهناجر في القاهرة، وفي الشهر ذاته عاد الفيلم إلى الدورة الأخيرة من مهرجان الأقصر في قسم البانوراما.
إنها أوقات صعبة لتحقيق الأفلام المختلفة عن السائد، لكن الطريق لم يكن سهلاً مطلقاً في الماضي وقبل انتشار الوباء الحالي. المخرج رشوان يعلم ذلك فهو تابع مسيرة مخرجين مصريين وعرب آخرين طويلاً ولديه الصورة الكاملة. لكن لا شيء يستطيع أن يمنع مخرجاً طموحاً من المضي قُدماً. «قابل للكسر» فيلمه الروائي الثاني بعد عشر سنوات من إتمام فيلمه الأول في هذا المجال وهو «بصرة»، وبعد عدد من الأفلام التسجيلية آخرها «خان المعلم» (2018).
التالي مقابلة مع المخرج (ونقد الفيلم في زاوية «شاشة الناقد»).
> ما الذي يريد الفيلم قوله عن الحياة الاجتماعية في مصر اليوم؟
- بدأت كتابة المسودة الأولى لفيلم «قابل للكسر» بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 بعام واحد حينما صعد الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر. في تلك الفترة بدأت موجة جديدة من الهجرة خارج مصر، وخاصة من الأقباط المصريين. وهنا تفجر السؤال: هل أصبحت مصر طاردة لأبنائها؟ هل فشلت الثورة المصرية في تحقيق أهدافها وتم اختطافها من قبل الإخوان. مما أدى إلى تصاعد الشعور بالإحباط لدى المواطنين الذين شاركوا في الثورة وآمنوا بها؟ تضافرت مع تلك الخلفية السياسية العديد من العوامل الاجتماعية مثل تصاعد العنف في الشارع المصري وانعدام الشعور بالأمان.
عند الكتابة الثانية والثالثة عام 2018، كانت الرؤية أوضح. حيث ازداد الشعور بتضارب المشاعر والأفكار وخاصة بين أبناء جيل الوسط (الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين)، وازدادت الحياة الاجتماعية تعقيداً، ولم يختفِ العنف من الشارع، ولم يتوقف البعض عن التفكير في الهجرة والرحيل... وهذه الأوضاع فجرت سؤالاً جديداً: هل نرحل ونهرب، أم نبقى لنقاوم، ربما ما سيأتي مستقبل سيكون أفضل.
> ‫ هل ترى أن الفيلم انتقى موضوعاً أو أسلوباً مع أفلامك التسجيلية السابقة؟
- شكل موضوع الهجرة شرياناً مهماً في عدد من أفلامي التسجيلية، وخاصة في السلسلة الوثائقية (عرب أميركا اللاتينية)، حيث قمت بإخراج ثلاثة أفلام في الإكوادور (2004)، وثلاثة أفلام في الأرجنتين (2005) عن حكايات وأوضاع المهاجرين هناك. كما شكل موضوع الأقباط في مصر وقضية التعايش الاجتماعي هاجساً لدي منذ فيلم «هجرة البشر»، سنة 1998 الذي قدم شخصية الراهبة سيليست خياط التي تقوم بتعليم الأطفال الموسيقى في مدارس تابعة لجمعية مسيحية في صعيد مصر. وفي عام 2014 قدمت فيلم «جزيرة الأقباط». واعتبره استكمالاً لما طرحته في فيلمي التسجيلي «مولود في 25 يناير» (2011) عن الثورة المصرية.
> ما الاختلافات العميقة التي كانت ستحدث لو أن الشخصيات كانت مسلمة؟
- حاولت وأنا بصدد رسم شخصية نانسي أن تأتي مسألة الديانة في الخلفية وبشكل غير مباشر، فاسمها لا يدل على ديانتها لكن تفاصيل بسيطة كشفت عن ديانتها مثل اسم خطيبها السابق (مايكل)، والتحاقها بكورال الكنيسة حينما كانت صغيرة. حتى تمثال السيدة مريم الذي تحتفظ به وتهديها لصديقها كريم قبل سفرها يوجد مثله الكثير في منازل المصريين من مسلمين ومسحيين. حتى اختلاف الديانة بينها وبين كريم لم يكن العائق الوحيد لاكتمال علاقتهما غير الواضحة، فهناك فارق السن، وشروع نانسي في الهجرة، وارتباط كريم بفتاة أخرى.
حتى الأحداث التي تحدث لنانسي في الشارع مثل التحرش أو مجنون الشارع الذي يهاجمها، أو السائق الذي ينعتها بلقب (ست) وكأنها سبة، لم تحدث لها لأنها مسيحية. كونها امرأة مسيحية هو جزء من واقع ومن نسيج اجتماعي يجعلنا نتساءل هل ستكون نانسي أوفر حظاً إذا كانت مسلمة؟ الإجابة لا، فالرغبة في الهجرة لا تقتصر على المسيحيين فقط، ولا العنف موجه ضد بنات وأبناء ديانة بعينها، بل هو انعكاس لما يحدث في الحياة الاجتماعية في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة.
> للفيلم معالجة رقيقة ودقيقة حين يأتي الأمر لرسم الشخصيات ولتنفيذ الأحداث أيضاً. كيف ساعدك تصوير محمود لطفي على تحقيق هذه النتيجة؟
- اختياري لمحمود لطفي مديراً للتصوير لم يأتِ من فراغ. لقد ربطتني بمحمود صداقة طويلة. وتابعت أعماله عن كثب وبخاصة «فتاة المصنع»، و«الخروج للنهار»، وكنت أرى أنه الأفضل لتصوير الفيلم. وبالفعل حينما قرأ محمود السيناريو وتناقشنا في التفاصيل وبدأنا في إجراء معاينات لأماكن التصوير أدركت أن محمود ملم بكافة تفاصيل العمل ويشعر بالإيقاع البصري للفيلم وبحركة الشخصيات داخل الإطار رغم أننا لم نعمل سوياً من قبل. أدركت أن محمود لديه حس ضوئي يميل إلى احترام مصادر الإضاءة الطبيعية، وهو الأسلوب الأفضل لتنفيذ الفيلم. وكانت إضافاته في سبيل ترسيخ هذا الأسلوب. على سبيل المثال في مشهد الشموع استعان بالعديد من الشموع الإضافية وُضعت خارج الإطار، وأيضاً استعان بإضاءة صناعية تصب في نفس الإحساس العام، لدرجة أن بعض المشاهدين تخيلوا أن المشهد تمت إضاءته بالشموع الموجودة في المشهد فقط. وأيضاً أدركت قدرة محمود على تصوير اللقطات الطويلة عن طريق الكاميرا المحمولة، فجاءت العديد من المشاهد كلقطة واحدة (لقطة مشهدية) لتحقق بعض التدفق في دراما الفيلم.
> ماذا عن العناصر الأخرى التي اشتركت في هذا العمل؟
- تنفيذ الفيلم في إطار «السينما المستقلة» كان حلماً شاركني في تحقيقه كل أفراد فريق العمل سواء أمام الكاميرا أو خلفها. كان يجب أن نتضافر من أجل أن نحقق الفيلم بالميزانية المتاحة، على أن يحصل أغلب فريق العمل على أجورهم بعد تسويق الفيلم، وهو ما حدث بالفعل. في هذا الإطار أذكر المجهود الذي بذلته المونتيرة جيهان مشير لتحقق فيلماً صعباً في سرده يعتمد على التفاصيل وليس الأحداث الكبرى. موسيقى خالد شكري استطاعت أن تتناغم مع الدراما وتحكي المسكوت عنه. وأيضاً ملابس غادة يوسف استطاعت أن تحكي الجانب الظاهر من ملامح الشخصيات وتحاول أن تكشف عن جوانب أخرى في دواخلها. المنتج المشارك خالد خطاب (هو شريكي في الإنتاج والذي قام بأداء دور حسين أيضاً) قام بدعم التجربة ووقف مع فريق الإنتاج لحل كل المشكلات.
> ماذا عن الممثلين؟ بدوا متجانسين في رغبتهم الاندماج في الفيلم كنسيج واحد.
- شخصياً أجد أن حنان مطاوع عبّرت وبصدق عن مشاعر نانسي لأنها ممثلة تصر على مذاكرة دورها بشكل جيد وتتناقش في كل التفاصيل. رانيا شاهين أدركت من البداية صعوبة الدور وحاولت بشكل صادق أن تبرز تفاصيل هذه المرأة المقهورة. عمر جمال الذي لعب دور كريم وجه جديد مفعم بالموهبة بذل مجهوداً كبيراً ليكون كريم بكافة تفاصيله وتعقيداته. كذلك (المنتج) خالد خطّاب في دور حسين. أدركنا أننا نجحنا في مسعانا حين استمعنا لآراء عدد من المشاهدين الذين كرهوا شخصية حسين بسبب أفعالها الشريرة.
> تهدي هذا الفيلم للمخرج صديقنا الراحل محمد خان، وكنت قمت بتحقيق «خان المعلّم» عن تأثير هذا المخرج عليك. هل لك تحديد هذا التأثير؟
- محمد خان أستاذي وأبي الروحي وما زلت أدين بالكثير له. أحببت من خلال أفلامه الأولى دراما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة أكثر من كونها دراما الحكاية. تعلّمت من خان أهمية مرحلة التحضير وأخذت عنه متعة التصوير الخارجي رغم مشقّته والعمل مع الممثلين على أدوارهم بشكل جيد. أعتقد أني تأثرت به كثيراً وما زلت أعيد مشاهدة أفلامه وأتعلم منها وأيضاً من كتاباته ومقالاته.