في سوريا.. لكل مدينة حلواها

يدخل فيها القرع والجزر

الجزرية مزينة بالجوز والمكسرات
الجزرية مزينة بالجوز والمكسرات
TT

في سوريا.. لكل مدينة حلواها

الجزرية مزينة بالجوز والمكسرات
الجزرية مزينة بالجوز والمكسرات

تتسابق المدن السورية على تحضير وتقديم جميع أصناف الحلويات العربية والشرقية وحتى الغربية الجافة والطرية من خلال مئات الورش المنتشرة في المدن الكبيرة والصغيرة. لكن اللافت هنا أن لكل مدينة ومنطقة سورية نوعا أو أكثر من الحلويات، تحضره ومنذ عشرات السنين ورش تعود لعائلات من هذه المدن امتهنت صناعة وتحضير الحلويات الخاصة بمدينتها، فهناك حلاوة الجبن الحموية والحمصية والهريسة النبكاوية والشعبيات الإدلبية والكلاجة الحسكاوية والبشمينا والقرمشلية الحمصية والكرابيج الحلبية والراحة الحورانية وغيرها، وعلى الرغم من أنها حلويات خاصة بكل مدينة فإنها يتم تسويقها لمختلف المدن وحتى لخارج سوريا، فمع مرور الوقت استذوق الناس هذه الحلويات وباتوا يطلبونها حتى ولو كانت من مسافر لهذه المدن ليحضرها معه.
وإذا كان شخص ما مسافرا إلى مدينة اللاذقية من العاصمة دمشق أو من أي مدينة أخرى فأول ما يسمعه من أصدقائه هو «لا تنس أن تأتي لنا بـ(الجزرية والقرع المجفف) من محلات ساحة الشيخ ضاهر أو من سوق مدينة جبلة». فمن الحلويات المعروفة التي تختص بها محافظة اللاذقية على شاطئ المتوسط شمال غربي سوريا «الجزرية»، والتي تحضّر في ورشات تنتشر في مركز المحافظة وفي مدينة جبلة التابعة لها، وإذا كانت الجزرية تتميز بمذاقها اللذيذ فإن ميزتين اثنتين تضافان لها وهما شكلها الجميل، حيث يتم تحضيرها بشكل هرمي مثير للانتباه وتغطي لونها العسلي قطع الجوز لتعطيها مذاقا ألذ وأطيب، فيما الميزة الثانية هي مكونها الرئيسي، فعلى الرغم من أنها ومنذ بدء تحضيرها في اللاذقية في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم كانت مادتها الرئيسية هي «الجزر»، ومن هنا جاءت تسميتها، فإنه ومنذ عشرات السنين تحوّل محضروها لاستخدام «القرع» بدلا من الجزر حيث لاحظوا أن القرع ألذ وأفضل من حيث الطعم والمذاق خاصة أن اللاذقيين يهتمون بالقرع كثيرا، فهم يحولونه لحلويات جافة، وهناك فنانون يرسمون على ثماره الكبيرة بعد تفريغ لب الثمرة رسومات تشكيلية وهندسية وتزيينية، ويحولونها وبطرق يدوية إلى أعمال فنية كمجسمات وتماثيل تعرض في المعارض والمراكز الثقافية والمنازل، كما تستخدم كمنافض ومزهريات وثريات. وعلى الرغم من استخدام القرع فإن الجزرية ظلّت محافظة على اسمها التقليدي وعلى طريقة تحضيرها، وهي طريقة صعبة ومتعبة وتتطلب وقتا يتجاوز السبع ساعات من العمل المتواصل لكي تصبح جاهزة للتسويق، كما أنها تحتاج لصبر وطول بال من المحضرين لها.
ويشرح أحمد بيطار، الذي يعمل في إعداد الجزرية منذ سنوات في ورشته، قائلا «تتم عملية تحضير الجزرية من خلال تجهيز موادها الأولية خاصة ثمار القرع الكبيرة، حيث يتم تقشيرها وتنظيفها وتقطيعها لقطع صغيرة، ومن ثم توضع في قدر مناسب وعلى موقد نار كبير لتسلق، وبعد ذلك يتم عصر هذه القطع المسلوقة ليؤخذ ناتج العصر ويوضع في وعاء كبير (حلّة)، بعدها يرّش عليه السكر مع قليل من ملح الليمون، ويضاف الجوز أيضا، ليقوم العامل في ما بعد بخلط هذا المزيج من المواد جيدا وباليد لتتحول إلى شكل عجيني، لتأتي هنا المرحلة الأخيرة وهي تشكيل العجينة إلى شكل هرمي أو دائري حيث توضع طبقة من الجوز عليها. وفي السنوات العشر الأخيرة صرنا نضيف الكاجو إليها مع الجوز، وذلك من منطلق الاجتهاد بزيادة مذاقها اللذيذ، إذ يوضع الكاجو في قمة هرم الجزرية والجوز على الجوانب».
ويبرر أحمد سبب تشكيل المكسرات على الجزرية بهذا الشكل من منطلق أنّ حبات الكاجو تكون هلالية الشكل وبالتالي تناسب قمة الهرم، في حين أن حبات الجوز بأشكالها الإهليلجية تناسب الأسطح الجدارية لهرم الجزرية، بعد ذلك تغلف الجزرية بشكل جيد وبأوزان كيلو غرام لكل واحدة منها، لتعرض للبيع في محلات خاصة ببيع الحلويات الجافة المعروفة والمنتشرة في ساحة الشيخ ضاهر والأسواق المتفرعة عنها، وشارع القوتلي في مدينة اللاذقية، وفي أسواق مدينة جبلة. ولتلبية أذواق ورغبات الزبائن قام العديد من محضّري الجزرية بتحويلها من شكلها الهرمي إلى الشكل المقطّع بشكل هندسي جميل، بحيث يتم تغليفها وتعليبها بشكل فني أيضا لتشبه تعليب الحلويات الشرقية العادية والجافة كالبقلاوة والمعمول أو البرازق.
القرع المجفف أو «الجلنط»، كما يسميه البعض، شقيق الجزرية ويحضّر معها في الورش، رغم أنه يعتبر من المربيات المنزلية، حيث كانت النساء تحضّره في منازلهن مع مربيات المشمش والتين وغيرهما، ولكن لصعوبة تحضير القرع المجفف فقد انتقل للورش ويباع بشكل جاف وليس كمربّى. ويشرح أحمد طريقة تحضير القرع المجفف والتي تحتاج لوقت وصبر وعزيمة.. «فبعد تقشير ثمرة القرع الكبيرة التي قد يصل وزنها أحيانا لعشرة كيلوغرام تقطّع إلى قطع مستطيلة مائلة قليلا ومتطاولة وتنقع بالماء المكلّس لنحو 8 ساعات، بعد ذلك نخرج القطع وننظفها من الكلس ونغسلها بالماء لتوضع في قدور كبيرة على النار، حيث تسلق وتطهى بشكل جيد، وبعد تأكدنا من انتهاء عملية سلقها نضعها في أوان واسعة لتبرد ونعمل على وخز كل قطعة منها بشوكة الطعام لكي يدخل القطر الذي نغمسها فيه إلى داخل القطع. فالمعروف أن ثمار القرع سميكة ولا يدخل القطر إليها من جدارها كحال الثمار الأخرى، ومن ثم نرشّ السكر الناعم عليها ونعيدها لموقد النار لمدة خمس ساعات، بعد ذلك تكون قطع القرع قد نضجت تماما مع القطر فنقوم بإخراجها من وعاء الطهي الكبير المليء بالقطر الساخن ونوزعها على أطباق معدنية ليزول القطر عنها وتبرّد فتصبح جاهزة للتغليف أو يمكن عرضها بشكل قطع في المحلات، حيث توضع في صناديق وتباع بالكيلو أو بالقطعة حسب رغبة المتذوقين، ويكون عادة لون قطع القرع عسليا أو مائلا للاصفرار ذهبيا، وذلك حسب لب ثمار القرع، وتؤكل القطع كحلوى جافة».
ويؤكد المتخصصون بتحضير الجزرية والقرع المجفف أنها إضافة لمذاقها اللذيذ فإن لها فوائد صحية وغذائية كثيرة جدا، فلوجود مادة القرع كعنصر رئيسي فيها والتي تحتوي على معادن ومواد مهمة عديدة، ومنها الحديد والكالسيوم وفيتامين «إيه»، فإن الجزرية والقرع يقدّمان لمن يتناولهما العديد من الفوائد ومنها أنهما مُلَينان للمعدة ويساعدان في عدم حصول الإكتام، ومنشطان للكبد، ويمنعان الريقان، ويخففان من الصداع خاصة الناتج عن الشقيقة والحالات النفسية، ويساعدان في تهدئة الشخص المتوتر، كما أنهما مفيدان في حالات التهاب الكلي وغير ذلك.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».