الأندلس... صورة أخرى وراء حياة الدعة والقصور الفارهة

سرقة وغش وقتل ونهب بموافقة الدولة

الأندلس... صورة أخرى وراء حياة الدعة والقصور الفارهة
TT

الأندلس... صورة أخرى وراء حياة الدعة والقصور الفارهة

الأندلس... صورة أخرى وراء حياة الدعة والقصور الفارهة

صورة أخرى وراء حياة الدعة والرفاهية والقصور الفارهة، تقدمها الباحثة د. شيماء فرغلي، في كتابها « الجريمة والعقاب في الأندلس... من الفتح الإسلامي الى سقوط الخلافة الأموية «، الصادر حديثا عن هيئة الكتاب المصرية».
يتضمن الكتاب دراسة شيقة غير مسبوقة عربيا أو أجنبيا حسبما تؤكد المؤلفة نفسها، ويستعرض هذه الجرائم بكل ألوانها، من السرقة والغش والتسول الى القتل، وتوضح الكاتبة الأساليب التي اتخذها الحكام العرب لمواجهتها، وصيانة المجتمع من مخاطرها.

الغش
شكل الغش الجريمة الأكثر انتشارا في تلك الفترة، بخاصة في السلع التي كان يستخدمها بعض الحرفيين والصناع والتجار وفق أساليب معينة، فهناك الغش بإنقاص الوزن بهدف التربح والسرقة وقد استخدمت في ذلك عدة أساليب كالغش بإنقاص سعة المكيال والغش بالإنقاص في الصنوج والموازين، والغش بإنقاص السلعة ذاتها بالإيهام والخداع. ويندرج ضمن هذه الأساليب ما يقوم به البعض من إنقاص حجم الرغيف والغش بإضافة بعض المواد للسلع لزيادة وزنها وهو ما يعني إنقاص الوزن الحقيقي المباع ويتم ذلك عن طريق وضع بضع السلع في الماء لزيادة وزنها كالحبوب مثل القمح والشعير أو الكتان . وهناك الغش بالخلط بين درجتين من السلع مثل خلط السلعة الرديئة بالجيدة وبيعهما معا كما يحدث في العسل والزيت والسمن والدقيق والجبن . وهناك الغش ببيع السلع الفاسدة أو غير الصالحة للاستخدام الآدمي مثل الجزارين الذين يبيعون لحم الكلاب والحمير على أنه لحم بقر وجاموس.

السرقة
تعددت أساليبها في تلك الفترة مثل السرقة بالحيلة ويعبر المثل الأندلسي عن ذلك بالقول عن أحد اللصوص أنه» يسرق الكحل من العين» وهو ما يدل على الحيل والمهارات المختلفة في عمليات السرقة . ويعتبر التسول إحدى الحيل التي استخدمها اللصوص لجمع الأموال من الناس وذلك بادعائهم الفقر أو المرض الشديد. وهناك السرقة من الدور والتي قد تقترن بالإغارة على المنازل واقتحامها والاعتداء على أهلها. ويعد الغصب أيضا من أنواع السرقة ، وهو»على وجه الغلبة والقهر» مثل قيام زوج باغتصاب أموال زوجته دون إذنها ورضاها كما فعل العباس بن عبد الله المراوني الذي كان من خاصة الأمير الحكم بن هشام، ويذكر الكتاب أن رجلا تقدم بشكوى للقاضي بأن أحد عمال الأمير غصبه دارا له ولم يردها إلا بعد أن هدده القاضي برفع الأمر إلى الأمير إذا لم يرجع إليه الدار.
كما شاع نوع من السرقات غير الاحترافية التي تتم في أوقات الفتن حيث تنتشر عمليات السلب والنهب على نطاق واسع أثناء فترات الفوضى والاضطراب لغياب مراقبة السلطة، الأمر الذي شجع البعض على عمليات السطو والنهب . ويذكر الكتاب أنه كان هناك نهب يتم بموافقة الدولة مثل «وقعة الربض» التي أعقبها أحداث النهب والقتل والإحراق لمنازل أهل الربض بقرطبة لمدة ثلاثة أيام. وتعد فترة الفتنة البربرية من أكثر الفترات التي شهدت حوادث النهب ففي سنة 1010 كان جياع أهل قرطبة يخرجون ليلا ويأخذون « ما بقى من مواشي أهل البلد يسرقونها ويذبحونها فيأكلها الناس كالحلال الذي لاشك فيه».
ويضاف إلى ذلك كثرة الحوادث ليلا لما تيسره من سهولة تخفي اللصوص وارتكابهم للسرقة ثم سهولة هروبهم بعد ذلك. ولعل هذا الأمر كان أحد الأسباب الذي استحدثت من أجله خطة الطواف بالليل في الأندلس لرصد حركات اللصوص والقبض عليهم. وتعد المناطق المنقطعة النائية عن العمران من أبرز الأماكن التي تهيئ الفرصة للصوص من أجل عمل سرقاتهم. ومن الأماكن التي كان اللصوص خاصة قطاع الطرق يمارسون فيها أعمالهم تبرز المنطقة الواقعة بين قرطبة واشبيلية وفي أحواز الجبال باشبيلية وفي قرية قسولة غربي الأندلس والتي وصفها ابن حيان بأنها كانت كهفا لقاطعي السبيل وملاذا للمفسدين في الأرض.

القتل
ويستعرض الكتاب صور جرائم القتل باستخدام السم في الطعام أو الشراب، ومن أبرز محاولات القتل باستخدام هذه الوسيلة تلك المحاولة التي دبرها «نصر» مع الجارية «طروب» لقتل الأمير عبد الرحمن سنة 850 ميلادية طمعا في أن يتولى الأمر من بعده ابنه الأمير عبد الله الذي تسهل السيطرة عليه . وقصة ذلك أن نصرا كان يميل إلى عبد الله بن طروب ليكون أميرا بعد أبيه، حيث دبر هو وطروب مؤامرة لقتله فاتفق مع «الحراني» الطبيب لصنع سم يدسه في شراب الأمير وأعطاه ألف دينار. ولكن ما حدث خالف توقعات نصر حيث قام الحراني بإعلام الأمير بقصة المؤامرة . وفي مجلس الأمير أمر أن يقوم نصر باحتساء الشراب فشربه وركب مسرعا الى داره واستغاث بالحراني ولكنه لم يستطع علاجه فمات . وقد يوضع السم في بعض الأدوات الطبية وهذا مانراه واضحا فيما يروى عن حادثة مقتل الأمير المنذر بن محمد عن طريق وضع السم في القطن المخصص لفصد الأمير أو بسم المبضع الذي فصد به في رواية أخرى.
وساعدت الاضطرابات السياسية على انتشار الجرائم مثل التراجع الذي شهدته هيبة الدولة الأموية في نفوس رعيتها وقد ظهرت صورته تراجع عندما تولى الحكم صبيان يفتقدون أي كفاءة أو خبرة أو خلفيات سياسية مؤهلة لإدارة دفة الحكم. ويتمثل هذا في تولية هشام المؤيد الحاكم الأموي العاشر عام 1009 للخلافة في الأندلس على الرغم من صغر سنه. وهناك أيضا استبداد جنود الحاكم كما في عهد الأمير الحكم ومعاملتهم الناس بالمعاملة السيئة حتى قام أهل طليطلة بالثورة على الدولة ما أحدث فوضى كبيرة حتى أن بعض هؤلاء الجنود كانوا لا يجرؤون على السير في شوارع قرطبة إلا جماعات لشدة كراهية العامة لهم وتحفزهم لايذائهم واذا خرج جندي تعرض للضرب أو القتل.

عقوبات وردع
ويوضح الكتاب أن الدولة الأموية لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة انتشار الجرائم باختلاف أشكالها ، وتمثلت المجابهة في محورين أساسين، الأول يتضمن الوقاية لمنع حدوث الجريمة والمكافحة للجريمة بعد حدوثها بالتخلص من آثارها السيئة والتقليص من انتشارها. والمحور الثاني هو السياسة الجنائية أو العقوبات.
وكان الخليفة يراقب رجال الحكم كالقضاة والشرطة وغيرهم، وكان كل واحد من هؤلاء يراقب من هم تحته أو ممن يتبعونه في الوظيفة. ويؤكد مدى أهمية وجود حالة التيقظ والرقابة من جهة الدولة تجاه الرعية مقولة المنصور بن أبي عامر:» إن الملك لا ينام إذا نامت الرعية ولو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة».
كما كان من عمل الطوافين أو العسس في تجوالهم الليلي إيقاف السائرين، وقد يحتجزونهم إلى صباح اليوم التالي للبت في أمرهم . ونصت بعض كتب الحسبة على الأمور التي كان يتم مراعاتها في هذه الحالات مثل: مرافقة من يؤخذ بالليل ممن لا تحوم حوله الشبهات حتى يصل إلى بيته، كما أن من يتم حجزه الى اليوم التالي يكون الحجز في فندق تحت ضمان الساكنين فيه.
ومن التدابير الوقائية التي اتبعتها بعض جهات الدولة الأموية للقضاء على بعض جذور الجريمة في مهدها استخدام تدبير اقتصادي يتمثل في جانبين أولهما إسقاط بعض الضرائب المستحقة أو إلغاؤها تيسيرا على الناس مثل ما فعل «الناصر» حين أسقط بعض الضرائب عن أهل «طرطوشة» عندما اشتكوا إليه من ضيق المعيشة وثقل المغارم.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.