الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية

مصدر قريب منه أكد أنه لن يشارك في انتخابات أكتوبر

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
TT

الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)

فيما شدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، على أن الحكومة التي يقودها حاليا هي «حكومة خدمات ولا تسعى للتنافس الانتخابي لتحقيق أهداف سياسية» وأنها «وضعت نصب عينيها خدمة المواطن أولاً وأخيرا»، نفى مصدر مقرب منه نيته المشاركة في سباق الانتخابات النيابية العامة المزمع إجراؤها في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وقال الكاظمي خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، أمس إن «على الوزراء أن يتذكروا أنهم جاءوا لأسباب خدماتية لخدمة أبناء شعبنا، وليس لأهداف سياسية قبل التفكير بالترشح للانتخابات، وعليهم عدم استغلال وزاراتهم للانتخابات». وأضاف «لن أسمح بأن تتحول المواقع الوزارية إلى ماكينات انتخابية، وأرفض رفضا قاطعا أي استغلال لإمكانيات الدولة من قبل المرشحين».
ويتزامن «شبه التلميح» الشخصي من الكاظمي حيال مسألة مشاركته في الانتخابات المقبلة، إلى جانب رفضه مسألة الاستثمار الشخصي لموارد الدولة وإمكانياتها في الترويج والحملات الدعائية في الانتخابات، مع تصريحات أدلى بها مقرب منه إلى وسائل إعلام محلية نفى فيها نية رئيس الوزراء المشاركة في انتخابات أكتوبر. ونقل موقع «ناس» الإلكتروني الخبري الذي كان يملكه مشرق عباس، المستشار الحالي للكاظمي، عن المصدر المقرب قوله إن «رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لن يشارك في الانتخابات المقبلة، كما لن يشارك أي من أعضاء فريقه والمقربين منه تحت أي اسم أو عنوان أو حزب، ولن يدعموا أي حزب أو طرف أو جهة سياسية على حساب الأحزاب الأخرى». وأضاف أن «الكاظمي وفريقه نذروا أنفسهم لخدمة شعب العراق في مرحلة انتقالية صعبة، ودورهم هو الوصول بالبلد إلى بر الأمان وحمايته من المغامرات السياسية والأمنية والتحديات الاقتصادية والصحية وصولاً إلى انتخابات نزيهة مبكرة تكون فيها الحكومة راعية لمصالح الجميع وليس لمنافس سياسي». وتابع: «الحكومة الحالية نتاج لأزمة اجتماعية وهي ليست منافساً انتخابياً، ورئيس الوزراء سيكون أميناً دائماً لمطالب الشعب بإجراء انتخابات حرة نزيهة وعادلة تعيد الأمور إلى نصابها بما يستحقه شعبنا وبما يرضاه». وبيّن أن «الحوارات التي أجراها الفريق الحكومي مع الفرقاء السياسيين، كانت تستهدف تقريب وجهات النظر بين المختلفين، بهدف تهدئة الأجواء وضمان الأمن الانتخابي».
وشدد المصدر على أن «قرار عدم المشاركة كان قد اتخذ منذ بداية تولي الكاظمي هذه المهمّة، وإن هذا التوضيح يأتي بعد تصاعد الشائعات والمعلومات المغلوطة حول نية الكاظمي أو فريقه المشاركة في الانتخابات».
في غضون ذلك، وبالتزامن مع الأنباء التي تؤكد عدم مشاركة الكاظمي في الانتخابات العامة، أعلن «تيار المرحلة» الذي ارتبط اسمه برئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي ويقوده مقربون منه، أمس، انسحابه رسمياً من سباق الانتخابات، بعد نحو شهرين من حصوله على إجازة ممارسة العمل السياسي. وأكد القيادي في «المرحلة» المقرب من رئيس الوزراء، عبد الرحمن الجبوري، في تصريحات لوسائل إعلام محلية انسحاب تياره.
وكانت ترددت أنباء عن خلافات داخلية داخل التأسيس الجديد، لكن الجبوري نفى ذلك وقال: «ليست لدينا أزمة مالية ولا خلافات إطلاقاً».
وفي تغريدة عبر «تويتر» ذكر الجبوري أن «(المرحلة) لم تجمد كتنظيم وعمل سياسي وأداة تغيير مجتمعي، نتطلع إلى دور قوي وفعال في دعم وإسناد الشخصيات المستقلة والتيارات الوطنية المشاركة بالانتخابات».
بدوره، أكد مصدر مقرب من الحكومة العراقية عدم رغبة الكاظمي في المشاركة في الانتخابات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «انسحاب الكاظمي كان متوقعا، ذلك أنه أتى على خلفية احتجاجات أكتوبر 2019 وكانت مهمته محددة جدا وهي قيادة مرحلة غاية في التعقيد والخطورة وصولا إلى الانتخابات العامة، وقد تحدث الكاظمي نفسه في مرات عديدة بهذا الاتجاه». وأضاف «ربما أراد الكاظمي تطمين القوى السياسية المختلفة أنه لا يدخل في منافسة سياسية معهم، وربما يعتقد أن ذلك سيمنحه فرصة أكبر في الحصول على ولاية جديدة لرئاسة الوزراء في حال حافظ على استقلاليته وعدم مشاركته في الانتخابات أو حتى تقديم دعمه لأي طرف أو جماعة سياسية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.