الرئيس العراقي لظريف: عراق مستقل وسيّد من مصلحة المنطقة

وزير الخارجية الإيراني أجرى مباحثات مع الكاظمي والحلبوسي

الرئيس العراقي برهم صالح لدى استقباله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس (أ.ف.ب)
الرئيس العراقي برهم صالح لدى استقباله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس (أ.ف.ب)
TT

الرئيس العراقي لظريف: عراق مستقل وسيّد من مصلحة المنطقة

الرئيس العراقي برهم صالح لدى استقباله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس (أ.ف.ب)
الرئيس العراقي برهم صالح لدى استقباله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس (أ.ف.ب)

أكد الرئيس العراقي، الدكتور برهم صالح، استمرار بلاده في تبني سياسة الانفتاح، بما يعود بالفائدة على كل دول المنطقة، وبما يؤمن بناء علاقات متوازنة تخدم الجميع. وقال صالح، خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي بدأ أمس زيارة إلى العراق إن «العراق المقتدر المستقل ذا السيادة يُمثل مصلحة مشتركة لكل المنطقة، وعاملاً أساسياً في تعزيز استقرارها، ومرتكزاً لمنظومة عمل تقوم على قضايا الأمن المشترك والاقتصاد وحماية البيئة وفرص التنمية المتبادلة التي تعود بالمصلحة على بلدان كل المنطقة وشعوبها».
وأضاف صالح، طبقاً لبيان رئاسي، أن «بلدان المنطقة تواجه تحديات عدة، وينبغي العمل والتنسيق المشترك والتزام الحوار لتجاوز الخلافات والاختلالات التي تكتنفها، والتعاون على إنهاء النزاعات والصراعات، ومواجهة التحديات الاقتصادية والصحية القائمة، في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وسيادة الدول».
وكان ظريف قد عقد، عقب وصوله بغداد أمس (الاثنين)، مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، تناول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وشؤون المنطقة، حيث تتزامن زيارة ظريف إلى العراق مع وقت يجري فيه وفد إيراني مفاوضات في فيينا بشأن الملف النووي. وقال حسين، خلال المؤتمر الصحافي، إنه «ناقش مع ظريف مواضيع مهمة»، مبيناً أن «العراق أصبح يلعب دوراً مهماً بالمنطقة». وأضاف أن «المصلحة العراقية تفرض علينا أن نعمل بهذا المجال، وأن تكون المنطقة هي صاحبة الكلمة»، لافتاً إلى أن «الاجتماع ناقش تطوير الواقع الاقتصادي بيننا».
وأكد حسين أن «المفاوضات بشأن الملف النووي بين أميركا وإيران انطلقت، ونحن بدورنا نتابع هذه المفاوضات، وآثارها على مستقبل المنطقة بشكل عام». كما أشار إلى أن «هناك مواضيع مهمة جرت مناقشتها مع الوزير الإيراني، من بينها علاقات طهران مع دول الخليج، ودور العراق في تقريب وجهات النظر الإيرانية - الخليجية».
وبين حسين أن ««المنطقة ستكون هي صاحبة الكلمة، والتعاون بين دولها سيؤدي إلى استقرارها، واستقرار داخل العراق والمصلحة العراقية»، مبيناً أنه «تطرقنا إلى العلاقات الثنائية والمسائل الاقتصادية، وتكثيف هذا التعاون، وأن نطور ذلك بعد الخروج من جائحة كورونا».
ومن جهته، أعلن ظريف أن بلاده تحترم سيادة العراق، ولا تتدخل في شؤونه، مبيناً أن طهران تأمل في أن تعود الإدارة الأميركية إلى الاتفاق النووي. وقال ظريف: «نعيش معاً في هذه المنطقة، والآخرون يأتون ويرحلون»، مبيناً أنه «أجرى حوارات جيدة مع وزير الخارجية العراقي، ونقدر الدور المحوري الذي يقوم به العراق».
يذكر أن ظريف الذي من المؤمل أن يزور مدينة النجف للقاء المرجعيات الدينية، وأربيل لإجراء مباحثات مع حكومة إقليم كردستان، التقى خلال زيارته إلى بغداد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وبحث معهما الملفات والقضايا المشتركة.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة ظريف في هذا الوقت إلى العراق تؤشر إلى أن إيران تريد أن تعطي الضوء الأخضر رسمياً إلى العراق في أن ينتقل من دولة ناقلة للرسائل إلى وسيط ناجح في المنطقة»، مبيناً أن «هذا بحد ذاته يساهم بلا شك في حسم كثير من الملفات، أو تقريب وجهات النظر فيها، لا سيما أن العراق لديه علاقات متنامية متصاعدة متينة مع المنظومة العربية والإقليمية، وهذا بحد ذاته من شأنه أن يؤمن لإيران جزءاً من مسارات الحلول».
وأوضح الشمري أن «زيارة ظريف سوف تأخذ في الحسبان المباحثات في الملف النووي، لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الأحداث، ومنها قضية وجود الفصائل المسلحة، لجهة استهدافها للمصالح الأميركية، سواء السفارة أو قوات على الأرض، وبالتالي فإن زيارة ظريف تبدو جزءاً من عملية الاسترضاء للكاظمي الذي بدا شديد اللهجة مع قائد (فيلق القدس)، إسماعيل قاآني، في لقائه الأخير معه، خصوصاً في مسألة تلويحه بإمكانية التصادم مع الفصائل المسلحة، فيما لو استمرت في الخروج عن إطار الدولة وتهديد الأمن القومي».
وأشار إلى أن «ظريف يدفع باتجاه تهدئة التوتر الحاصل بين (الحرس الثوري) من جهة، والحكومة العراقية من جهة أخرى، فضلاً عن أن المباحثات الجارية في فيينا لا تريد إيران فيها أن يكون العراق طرفاً في الاشتراطات الأميركية، خصوصاً فيما يرتبط بنفوذها في الداخل العراقي، وهو ما عبر عنه ظريف خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره العراقي، من أن إيران تحترم سيادة العراق، وهو ما يمكن أن يبعد الشرط الثاني عشر من الشروط الأميركية، مما يمكن أن يمهد لرفع العقوبات عنها».
وبيّن الشمري أن «هذا كله يؤكد أن العراق أصبح موضع استقطاب إيجابي لدول المنطقة، وهو ما يمهد أيضاً لئلا تكون الأرض العراقية ساحة اشتباك بهدف تصفية الحسابات».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.