عبد الحليم خدام... شاهد تمدُّد سوريا وتراجعاتها

نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام
نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام
TT

عبد الحليم خدام... شاهد تمدُّد سوريا وتراجعاتها

نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام
نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام

عبد الحليم خدام، كان شاهداً على أحداثٍ مفصلية في تاريخ سوريا المعاصر، بعد تسلم حزب «البعث» الحكم في عام 1963. إلى حين خروجه من البلاد وإعلان انشقاقه في 2005.
خلال عقود، تنقّل «أبو جمال» بين مناصب عدة. كان محافظاً لحماة لحظة الصراع مع «الإخوان المسلمين» بداية الستينات، وقريباً من القنيطرة لدى سقوطها في نهاية ذلك العقد. كان وزيراً للخارجية، ثم نائباً للرئيس، خلال المحطات الأساسية في تاريخ سوريا وتمدُّدها في لبنان والإقليم.
وُلد خدام عام 1932 في بانياس الساحلية، وتعلم في مدارسها، قبل أن يدرس القانون في جامعة دمشق وينضم إلى حزب «البعث» برئاسة ميشال عفلق وصلاح البيطار. وفي الجامعة، أصبح «رفيقاً» للطيار الصاعد حافظ الأسد، وأحد أعضاء اللجنة العسكرية في «البعث» التي قادت انقلاب مارس (آذار) 1963.

اللجنة العسكرية
اللجنة ضمت صلاح جديد وحافظ الأسد ومحمد عمران وآخرين، تحالفوا ثم تصارعوا. رُقٍّي جديد إلى رتبة لواء في الجيش، ثم تخلى عن المنصب العسكري في 1965. أما الأسد، فأصبح قائداً لسلاح الجو، ثم وزيراً للدفاع. وعُيِّن خدام، وقتذاك، محافظاً لحماة قبل ان يخلفه عبد الرحمن الخليفاوي، الذي خلفه المقدم مصطفى طلاس قائداً للمنطقة الوسطى في الجيش لحظة انفجار الصراع مع «الإخوان المسلمين» في 1964.
آنذاك، كان أمين الحافظ رئيساً لـ "المجلس الوطني لقيادة الثورة" في نهاية يوليو، ثم رئيساً لـ «مجلس الرئاسة» في مايو (أيار)، قبل أن ينحاز إلى ميشال عفلق 1965. أصبح الحافظ في مواجهة مع صلاح جديد، «سيد القرار» منذ أواخر صيف 1965، ونسج تحالفات سياسية وعسكرية، ضمت رئيس الوزراء يوسف زعين، ووزير الدفاع حمد عبيد، و«رفيقه» في اللجنة العسكرية حافظ الأسد. وفي 23 فبراير (شباط) 1966، قاد جديد الانقلاب ضد الحافظ، وباتت جميع السلطات في أيدي «الرجل الغامض»، الأمين العام المساعد لـ«البعث»، صلاح جديد.
بعد «حركة 23 فبراير (شباط)»، كان في الواجهة الرئيس نور الدين الأتاسي، ورئيس الوزراء يوسف الزعين، ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس. أما جديد، «صاحب الكلمة الأولى» في البلاد، فكان يقود الحكم من وراء الستارة، وكان في صفوف المستمعين. لم يعطِ مقابلة صحافية، ولم يلقِ خطاباً، وحكم بصمت بين عامي 1966 و1970.
وبعد 1967  بعام، احتدم الصراع. ظهر اتجاهان في سوريا: يساري يتحدث عن «المقاومة» والتأميم، ومعتدل براغماتي بعلاقات «متوازنة» ومساعٍ لفك العزلة. الفريق الثاني اتهم الأول بأنه «يساري طفولي».
وقبل ذلك، حاول سليم حاطوم اعتقال جديد والأتاسي في فرع الحزب في السويداء، فرد الأسد، وزير الدفاع، بأن هدد بقصف المدينة ما لم يتم «تحرير خصمه اللدود». وبعد «نكسة حزيران» تبادل المتنافسان، جديد والأسد، الاتهامات. البعض حمَّل المسؤولية لوزير الدفاع الذي وضع الهزيمة في خانة قائد الأركان أحمد سويداني.

صراع «الرفيقين»
كان الصراع على أشده في رأس هرم الحزب. وجاء المؤتمر القطري الرابع لـ«البعث» في سبتمبر (أيلول) 1968 ليعلن على الملأ ازدواجية السلطة و«صراع الرفيقين»: صلاح جديد وحافظ الأسد. الأخير، لم يتباطأ في اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أنصار جديد، مما وضع صلاح جديد في موقف دفاعي. قبل المؤتمر، "توافقنا" على تعيين مصطفى طلاس، رئيساً للأركان، بدلاً من السويداني.
الخطوة التالية، كانت انتحار مدير المخابرات عبد الكريم الجندي في مارس (آذار) 1969. و«استعراض» الأسد لقوته في صحيفتي «الثورة» و«البعث» في دمشق. أما خدام، فإنه عُيِّن في 1968، لفترة وجيزة محافظًا لدمشق، ثم وزيراً للاقتصاد في مايو (أيار) 1969.
الخطوة المفصلية جاءت من الأردن في عام 1970. عندما دعم جديد تدخل القوات البرية السورية، لكن الأسد رفض توفير الغطاء الجوي لها، فدعا جديد إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية لـ«البعث» في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 1970 لمحاسبة الأسد، وزير الدفاع. وقبل أن يجف حبر الدعم الذي أعلنه المؤتمر لموقف جديد، رد الأسد في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 بـ«الحركة التصحيحية»، واعتقل خصومه. أُرسل جديد والأتاسي إلى سجن المزة، وتوفي الأول في السجن في 1993، فيما توفي الثاني بعد حوالى سنة من خروجه. أما ماخوس، فهرب إلى الجزائر.
وعندما تسلم الأسد السلطة عام 1970، أصبح رئيساً للوزراء، و«عُيِّن» أحمد الخطيب رئيساً للدولة، و«صديق الشباب» خدام وزيراً للخارجية، في فبراير (شباط). وبقي خدام في منصبه عندما تقدم الأسد إلى الرئاسة... الى 1984.

خط الاعتدال
وفي مايو 1974. حشد خدام الدعم لـ«خط الاعتدال» ضد معارضي «اتفاق فك الارتباط» مع إسرائيل التي رعاها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، بعد حرب أكتوبر 1973.
وفي أبريل (نيسان) 1975. أصبح خدام مبعوث الأسد الخاص في لبنان، وتوسط بين أطراف الحرب الأهلية اللبنانية، وساهم معه لاحقاً في 1983 قائد جهاز الاستخبارات السوري غازي كنعان (توفي عام 2005)، ومسؤول الاستخبارات في دمشق الراحل محمد ناصيف خير بيك (توفي في 2015)، في مد النفوذ السوري بعد دخول «قوات الردع العربية» في 1976.
وفي عام 1978، ناب خدام عن الأسد في توفير الدعم ضد مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ثم ساهم في تعزيز العلاقات مع إيران بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي في فبراير (شباط) 1979. وفي أغسطس (آب) 1979 زار طهران، ووصف «الثورة بأنها أهم حدث في تاريخنا المعاصر» وساهم في بناء التحالف مع زعيم «الثورة» آية الله الخميني.
وعندما أُصيب الأسد في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983 بنوبة قلبية، عُيّن خدام في لجنة رئاسية عسكرية - سياسية من ستة أشخاص، تشرف على إدارة شؤون الدولة، لكبح طموح رفعت الأسد، شقيق الرئيس، الذي عزز قوته العسكرية عبر «سرايا الدفاع» وكان يعد نفسه لوراثة شقيقه. وحين تعافى الأسد من مرضه، زاد قرب خدام منه، إلى جانب وزير الدفاع الراحل العماد مصطفى طلاس (توفي في باريس في يونيو (حزيران) 2017). وعيّن الأسد ثلاثة نواب له في 1984: خدام للشؤون السياسية، ورفعت الأسد للشؤون العسكرية، ومحمد زهير مشارقة للشؤون الحزبية، وجرى تعيين فاروق الشرع وزيراً للخارجية.
برز دور خدام تدريجياً في «إدارة ملف لبنان»، ولعب دوراً في حل أزمة الصواريخ السورية مع إسرائيل في زحلة عام 1981. وساهم في نقل الرسائل إلى الدول العربية وتعزيز التعاون مع السعودية في لبنان، كما كان شاهداً على تأسيس إيران «حزب الله» في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ثم في توجيه ضربة عسكرية له في ثكنة «فتح الله» في بيروت في 1987. وحاور الإيرانيين ونصحهم بألّا يضعوا سوريا و«حزب الله» في كفتين متوازيتين.
في عام 1985، نسق «الاتفاق الثلاثي»، مُقنعاً وليد جنبلاط ونبيه بري وإيلي حبيقة بـ«وقف النار واستعادة السلام». وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1989 ، ساهم باسم سوريا مع السعودية في صوغ «اتفاق الطائف» بين الأطراف اللبنانية لإنهاء الحرب بعد 17 سنة من اندلاعها، وفاوض لاحقاً على خروج العماد ميشال عون، رئيس الوزراء اللبناني، وفي صوغ تفاهمات، بينها «تفاهم نيسان» بعد الغزو الإسرائيلي عام 1996.

دعم الصديق... ووداعه
دعم خدام انتخاب «صديق» الأسد، الرئيس إلياس الهراوي. وفي 1982، قدم «صديقه» رفيق الحريري إلى حافظ الأسد، الذي اختبره لاحقاً في شكل مفاجئ. وعندما نجح الحريري في "الاختبار" أصبح رئيساً للوزراء بين عامي 1992 و2000. وطوال التسعينات، كان خدام يُعرف بأنه «الحاكم السياسي» في لبنان، وكنعان بـ«حاكم عنجر»، في إشارة إلى مقره في البقاع اللبناني.
بقي «الملف اللبناني» في عهدة خدام إلى عام 1998، عندما نقله الأسد إلى نجله الدكتور بشار الذي عاد من لندن بعد وفاة باسل، شقيقه الأكبر، في 1994، الأمر الذي لم يكن مريحاً لخدام وحلفائه في لبنان. ولدى وفاة الأسد في يونيو 2000، ظهر تباين بينهما في إدارة الملف اللبناني. فقد حاول خدام لعب دور أبرز، لكنّ ضغوطاً ونصائح أدت إلى دعم «الانتقال السلس» بين 10 و17 يونيو، فأصبح بشار الأسد قائداً عاماً للجيش. وفي يوليو (تموز) 2000 أصبح بشار رئيساً، وأبقى خدام في منصبه نائباً للرئيس. وحاول خدام استعادة «دوره» في لبنان و«تعزيز العلاقات» بعد حملة سبتمبر (أيلول) 2000 التي أطلقها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، كما حاول «التوسط» في يونيو (حزيران) 2001 بين الرئيس إميل لحود، ورفيق الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
ومع تراجع دوره السياسي في دمشق، عُقد مؤتمر «البعث» في يونيو (حزيران) 2005، فتقدم خدام باستقالة من جميع مناصبه الحزبية والسياسية، وعقد لقاءً وداعياً مع الأسد، قال عنه إنه كان «دافئاً». بعدها، خرج إلى المنفى في باريس (فاروق الشرع أصبح نائباً للرئيس في بداية 2006 ثم أُعفي من هذا المنصب قبل سنوات. وتسلم وليد المعلم وزارة الخارجية خلفاً للشرع في 2006. وتوفي المعلم نهاية 2020).
وبعد اغتيال الحريري، فُرضت العزلة على دمشق. وفي نهاية أعلن خدام من باريس انشقاقه، واتهم النظام بـ«قتل الصديق رئيس الوزراء اللبناني»، كما شكّل من منفاه مع «الإخوان المسلمين»، بقيادة علي صدر الدين البيانوني، تحالف «جبهة الخلاص» لمعارضة النظام. وفي دمشق، اتُّهم بـ«الخيانة العظمى» وصودرت ممتلكاته.
لم يلعب خدام دوراً سياسياً بارزاً بعد انتفاضة 2011، حيث كرس وقته لكتابة مذكراته. ونشر في عام 2003 كتاباً عن آرائه السياسية وموقفه من الديمقراطية والحرية، بعنوان: «النظام العربي المعاصر».

 

 



مزاعم «الاعتدال» الحوثي تتلاشى... سجون خاصة وتصفيات داخلية

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مزاعم «الاعتدال» الحوثي تتلاشى... سجون خاصة وتصفيات داخلية

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في وقت تواصل فيه الجماعة الحوثية محاكمة العشرات من المدنيين بتهم مزعومة عن «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، تتكشّف وقائع جديدة تُظهر جانباً آخر من ممارسات القيادات النافذة داخل الجماعة، وتنسف محاولات بعضهم، وفي مقدمهم محمد علي الحوثي، تقديم أنفسهم كواجهة للاعتدال، إذ تعكس الشكاوى المتصاعدة من داخل مناطق سيطرتهم نمطاً من الانتهاكات المنهجية، تتجاوز الخصوم إلى الموالين أنفسهم، وتُدار غالباً بدوافع شخصية وتصفية حسابات داخلية.

وتزامنت هذه التطورات مع تأكيدات من مصادر داخل الجماعة بأن سجون الأجهزة الأمنية، التابعة للاستخبارات ووزارة الداخلية في حكومة الجماعة غير المعترف بها، تحولت فعلياً إلى أدوات بيد المتنفذين من المشرفين والقيادات والواجهات القبلية، بل وحتى بعض مديري المؤسسات التعليمية.

ووفق هذه المصادر، يُزجّ بالمواطنين في تلك السجون دون أوامر قضائية أو تهم قانونية واضحة، لتصبح الحرية أو الإفراج رهناً بمزاج النافذين ودرجة رضاهم أو غضبهم.

ابن عم زعيم الحوثيين حاول تقديم نفسه زعيما لجناح الاعتدال لكن الوقائع كشفت عكس ذلك (إعلام محلي)

وفي تسجيل مصوّر، روى المواطن شرف حجر تفاصيل ما قال إنه تعرّض له من تنكيل منذ تسعة أعوام، بعد أن اتهمه محمد علي الحوثي وهو ابن عم زعيم الجماعة بالاختلاس. وأكد حجر أنه أبدى استعداده للمثول أمام القضاء للفصل في القضية، إلا أن القيادي الحوثي، وهو عضو في مجلس الحكم وأحد أبرز المتنفذين، أجبره على اللجوء إلى «التحكيم». ورغم أن المحكّمين الذين جرى تعيينهم أقرّوا صراحة ببراءته، فإن الحوثي رفض جميع الأحكام الصادرة، بحسب رواية حجر، وهدده لاحقاً بجهاز المخابرات.

وأكد ناشطون موالون للجماعة براءة حجر، مطالبين قيادات الحوثيين بـ«الإنصاف» ومشيرين إلى أن الرجل تعرّض للظلم طوال هذه السنوات، رغم صدور توجيهات من زعيم الجماعة بتبرئته وتعويضه، بعد أن كلّف قاضياً للفصل في القضية. غير أن تلك التوجيهات، وفق الناشطين، ظلت حبراً على ورق، في ظل رفض ابن عم زعيم الجماعة وهو عضو مجلس الحكم، الاعتراف بالحكم حتى اليوم.

حتى النشطاء الذين أيدوا الحوثيين تم اعتقالهم بناء على رغبات نافذين (إعلام حوثي)

ويرى هؤلاء أن ما جرى يعكس اختلالاً عميقاً في منظومة العدالة داخل مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يُفرغ القضاء من مضمونه، وتُختزل القضايا في إرادة القيادات النافذة. ولفتوا إلى أن حجر «مكلوم ولا أحد يقف إلى جانبه»، وأن قضيته لم تحظَ بتغطية سوى من وسيلة إعلامية واحدة، في مؤشر على الخوف أو التواطؤ داخل المشهد الإعلامي الموالي للجماعة.

سجون بقرار نافذين

لا تقتصر هذه الممارسات على قضية حجر. إذ تشير مصادر داخل الجماعة إلى أن سجونها تحولت إلى «سجون خاصة»، يُعتقل فيها كل من يختلف مع المتنفذين، حتى من داخل الصف الحوثي نفسه. وذكرت المصادر أن عميد أحد المعاهد الصحية أصدر توجيهاً للأجهزة الأمنية باعتقال مدرس يعمل لديه، بعد خلاف على ترتيب جدول المحاضرات، ولا يزال المدرس، ويدعى مهيوب الحسام، محتجزاً حتى الآن.

كما طالت الاعتقالات إعلاميين وناشطين موالين للجماعة، من بينهم محمد الشينة وعبد الكريم علي وعلي القاضي، الذين أُودعوا سجن استخبارات الشرطة، الذي يقوده علي حسين الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بأوامر من القيادي حسن الهادي، لأسباب وُصفت بالشخصية.

وتحدثت المصادر أيضاً عن اعتقال الناشط رشيد البروي في ظروف مشابهة، مؤكدة أن «الحماية السياسية» التي يتمتع بها بعض المتنفذين تبيح لهم كل المحظورات.

وأعاد ناشطون التذكير بخطاب الحوثيين عند اقتحام صنعاء، حين وعدوا بردم الأقبية وإنهاء السجون السرية والتغييب والإذلال، وهدم قلاع النفوذ. غير أنهم، بحسب هؤلاء، لم يفعلوا سوى تعميق تلك الأقبية، وإعادة تشييد قلاع النفوذ الاجتماعي، ليس ضد الخصوم فحسب، بل ضد الأصدقاء أيضاً.

معاناة المعتقلين الإنسانيين

وجّهت رابطة أسر العاملين الإنسانيين المعتقلين والمخفين قسراً لدى الحوثيين منذ نحو عام ونصف رسالة عاجلة إلى رعاة مشاورات الأسرى والمعتقلين، التي تستضيفها مسقط. وأكدت الرابطة أن استمرار احتجاز أقاربهم، وحرمانهم من التواصل معهم، وغياب أي معلومات عن أوضاعهم الصحية والنفسية وأماكن احتجازهم، تمثل انتهاكاً جسيماً لا يمكن تبريره.

الفريق الحكومي في محادثات المحتجزين يواجه اشتراطات غير منطقية من الحوثيين (إعلام محلي)

وحمّلت الرابطة جماعة الحوثي كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن سلامة المعتقلين، مطالبة الأمم المتحدة باتخاذ موقف «واضح وحازم»، وممارسة ضغط فعلي لإلزام الحوثيين بالكشف عن مصيرهم، وتمكين أسرهم من زيارتهم، والإفراج عنهم دون شروط. كما دعت المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية لتحمّل مسؤولياتها تجاه موظفيها وشركائها المعتقلين.

وأكدت الرسالة أن معاناة الأسر لا تزال مستمرة، وسط قلق دائم وخوف من المجهول، مشددة على أن هذه العائلات لم تعد قادرة على تحمّل مزيد من التأجيل أو الوعود غير المقرونة بخطوات عملية، في ظل واقع يعكس، أكثر من أي وقت مضى، اتساع دائرة القمع داخل مناطق سيطرة الحوثيين.


«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.