مسنون في صنعاء يعولون أحفادهم بعد مقتل الآباء في صفوف الحوثيين

يمني ممسكاً بيد طفل في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني ممسكاً بيد طفل في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مسنون في صنعاء يعولون أحفادهم بعد مقتل الآباء في صفوف الحوثيين

يمني ممسكاً بيد طفل في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني ممسكاً بيد طفل في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)

في الوقت الذي يُفترض فيه أن تنتهي فيه معاناة الحاج قائد أحمد، المتعلقة برحلة البحث عن الرزق لأولاده، بعد أن كبروا وأصبحوا يعولون أُسَراً وأطفالاً، أبت الأيام والظروف إلا أن يواصل هذا المسن السبعيني ما تبقى من عمره المثقل بالهموم يتحمل مسؤولية إطعام أحفاده الثمانية، بعد أن لقي آباؤهم مصرعهم وهم يقاتلون إلى جانب الميليشيات الحوثية.
يتحدث الحاج قائد أحمد، وهو اسم مستعار لرجل كبير في السن، لـ«الشرق الأوسط»، عن بعض المعاناة والمصاعب التي واجهته أثناء رحلة البحث من جديد عن مصدر رزق لأحفاده وأمهاتهم وبقية أفراد أسرته، بعد فقدان الآباء نتيجة عمليات الاستدراج الحوثية لهم للالتحاق بالقتال، ومن ثم عودتهم جثثاً هامدة.
ويقول إنه لم يكن متوقعاً بعد هذا العمر الكبير أن تُلقى على عاتقه من جديد مهمة البحث عن وسيلة لجلب الرزق، ليسد بها جوع تلك الأسرة المغلوبة على أمرها.
يفترش الرجل السبعيني حالياً إحدى أسواق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء ليبيع ثمرة الليمون التي يقتني منها كل صباح كميات كبيرة بسعر الجملة، ثم يبيعها بالكيلوغرام أو بـ«الحبة»، لتدر عليه بشكل يومي مبلغاً بسيطا من المال لإعالة أفراد تلك الأسرة.
ويشير المسن في سياق حديثة لـ«الشرق الأوسط»، إلى مساعدة زوجته القريبة من سنه أيضاً في بعض نفقات المنزل، من خلال حياكة مشغولات يدوية، ثم بيعها بمبالغ زهيدة لنسوة في الحي الذي تقطنه تلك الأسرة بصنعاء.
لا يختلف كثيراً حال الحاج قائد أحمد، عن حال الآلاف من كبار السن من الذكور والإناث في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، الذين فقدوا أبناءهم في صفوف الحوثيين ثم تحملوا عوضاً عنهم مسؤولية تربية وإعالة أطفالهم.
ويحكي الحاج قائد لـ«الشرق الأوسط» البعض من تفاصيل جرائم الخداع والتغرير الحوثية بحق نجليه؛ الأول 35 عاماً، وهو أب لخمسة أطفال، والثاني 30 عاماً، ولديه ثلاثة أبناء.
ويقول: «بعد ضغوط حوثية كبيرة مارسها مشرف الجماعة ومسؤول الحي الموالي لها في الحي الذي نقطنه في صنعاء، التحق ابني منتصف 2019 بدورة ثقافية حوثية بمدينة عمران، وغاب فيها عن أطفاله وأسرته 6 أشهر، ثم أعادته الجماعة إلينا مطلع 2020 وهو جثة هامدة من إحدى الجبهات، في تابوت مطلي باللون الأخضر».
وأضاف: «بعد أن خسرت ابني الأول، بدأت ذات الأيادي الإجرامية الحوثية بمغازلة نجلي الثاني والتغرير به وإقناعه بالتوجه للجبهات للانتقام والثأر لأخيه من (قوات الجيش الوطني) التي تطلق عليها الميليشيات مسميات وصفات سلبية».
وتابع بالقول: «بعد رفض الأسرة القاطع لإلحاق ابني بالجماعة سعت الميليشيات، وعبر أدواتها وسماسرتها إلى إقناعه بالالتحاق بصفوفها، والتوجه دون علمنا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي صوب جبهة صرواح بمأرب ليعود إلينا كما سبقه أخوه جثة هامدة منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي».
وبينما المسن اليمني الميليشيات الحوثية وقادتها ممن وصفهم بـ«القتلة والمجرمين» مسؤولية خسارته لولديه، والأوجاع التي لحقت بأطفالهم، طالب عبر حديثه لـ«الشرق الأوسط» المجتمع الدولي بتقديم الدعم والمساندة للحكومة اليمنية وجيشها الوطني المسنود بالتحالف وتمكينهم من سرعة حسم المعركة ضد الميليشيات في جميع الجبهات، واجتثاثها من جذورها، حفاظاً على أحفاده من أن تطالهم في المستقبل يد القتل والاستغلال الحوثية، كما طالت أبويهم من قبل.
وبينما نصح الرجل السبعيني كافة الأسر وأولياء الأمور في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرة الجماعة بالحفاظ على أبنائهم وذويهم من مخططات الاستهداف والاستغلال والتغرير الحوثية، كشف عن أنه لا يزال يعض أصابع الندم حيال تركه لفلذات كبده فرائس سهلة لتلك الميليشيات.
وقال إن «الهدف الوحيد لتلك الجماعة التي لم تقدر كبيراً، ولم ترحم صغيراً، هو تمرير مشاريعها الإيرانية، ولو على حساب دماء ومعاناة وأوجاع اليمنيين الذين عززت وتعزز بهم تباعاً مختلف جبهاتها ككباش فداء ليلقوا حتفهم، ومن ثم تترك أسرهم وأطفالهم يصارعون قسوة الظروف ومرارة الجوع والحرمان».
ورغم عدم وجود إحصائية محلية توضح العدد الحقيقي لكبار السن الذين تحملوا مسؤولية ومشقة إعالة أحفادهم، بعد فقدان أبنائهم في جبهات الانقلابيين، إلا أن تقديرات تشير إلى وجود عشرات الآلاف من شريحة كبار السن الذين باتوا يعملون اليوم بمدن قابعة تحت السيطرة الحوثية في مهن عدة ومختلفة، بعضها شاقة ومتعبة.
ويمكن للمشاهد أن يلحظ ببساطة المئات من هؤلاء المسنين في شوارع وأرصفة وأزقة العاصمة اليمنية صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الحوثيين، وهم يعملون مضطرين في مهن متعددة.
ويتوقع ناشطون حقوقيون في صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن يتحول عمل كبار السن في مناطق سيطرة الحوثيين إلى ظاهرة مجتمعية، مما يصعب فيما بعد معالجتها لتلحق بسابقاتها من الظواهر السلبية كعمالة الأطفال وغيرها.
ودعا الناشطون الآباء والأمهات في مناطق سيطرة الميليشيات إلى الوقوف بحزم في وجه الاستدراج الحوثي لأبنائهم من أجل الالتحاق بجبهات القتال، حيث ترسل الجماعة هؤلاء للموت وترك ذويهم يعانون الفاقة واليتم، في الوقت الذي يحظى قادة الجماعة مشرفوها بالمناصب والمال حيث يعيش أبناؤهم في بحبوحة من العيش الرغيد.


مقالات ذات صلة

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

خاص مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

القضاء العراقي يواجه أزمة بعد فوز ترمب لصدور مذكرة قبض بحقه

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
TT

القضاء العراقي يواجه أزمة بعد فوز ترمب لصدور مذكرة قبض بحقه

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي هنأ الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، ومحمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، دونالد ترمب بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدأت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي تبحث عن كيفية التعامل مع ترمب المرحلة المقبلة في ظل وجود مذكرة صادرة من مجلس القضاء الأعلى في العراق بالقبض على ترمب بتهمة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد

وقال عضو اللجنة مختار الموسوي في تصريح صحافي إن «ترمب بالنسبة للعراق وحسب القوانين العراقية هو مجرم، لكن العراق سيتعامل معه بشكل طبيعي، فهناك مصلحة للعراق بذلك، ووصول ترمب إلى البيت الأبيض لن يؤثر على العلاقات بين بغداد وواشنطن». ورأى الموسوي، وهو نائب عن «الإطار التنسيقي الشيعي» الحاكم أن «أميركا دولة مؤسسات ولا تتأثر كثيراً برؤساء في التعاملات الخارجية المهمة». وأضاف: «ترمب لا يعترف بالحكومة العراقية ولا يحترم السلطات في العراق»، لافتاً إلى أن «زيارته للعراق أثناء ولايته السابقة اختصرت فقط على زيارة الجنود الأميركان في قاعدة (عين الأسد) بمحافظة الأنبار، لكن العراق سيتعامل مع ترمب بشكل طبيعي».

الجنرال الإيراني قاسم سليماني (أ.ب)

وختم عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية تصريحه قائلاً: «في حال زار ترمب العراق خلال المرحلة المقبلة، فهناك صعوبة في تنفيذ مذكرة القبض بحقه، فهناك مصلحة للدولة العراقية وهي تتقدم على جميع المصالح الأخرى، فهي تمنع أي تنفيذ لتلك المذكرة بشكل حقيقي بحق ترمب».

أبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)

يشار إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان أعلن صدور أوامر قبض بحق ترمب على خلفية أوامر أصدرها لقتل سليماني والمهندس في السابع من يناير (كانون الثاني) عام 2021. وأوضح بيان رسمي، صدر في ذلك الوقت أن «القرار يستند إلى أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ»، مؤكداً أن «إجراءات التحقيق لمعرفة المشاركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة سوف تستمر سواء كانوا من العراقيين أو الأجانب».

القضاء العراقي وأزمة تطبيق القانون

قانونياً، وطبقاً لما أكده الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» فإأن «القضاء العراقي تحرك بناءً على الشكوى المقدمة من الطرف المشتكي، وبالتالي فإن القضاء ملزم وفق القانون باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي شخص سواء كان في الداخل العراقي أو الخارج العراقي».

وأضاف التميمي: «ولأن الجريمة التي ارتُكبت داخل العراق واستهدفت شخصيات في العراق وأدت إلى مقتلهم؛ فإن الولاية القضائية هنا هي التي تطبق وهي ولاية القضاء العراقي»، مبيناً أن «إصدار أمر قبض بحق ترمب في وقتها وفق مذكرة القبض الصادرة من القضاء العراقي وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي وهي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لكونه شريكاً في هذه العملية؛ ولذلك يعدّ الإجراء من الناحية القانونية صحيحاً».

مركبة محترقة في مطار بغداد أصابها أحد الصواريخ الثلاثة (خلية الإعلام الأمني)

ورداً على سؤال بشأن تنفيذ المذكرة، يقول التميمي إن «التنفيذ يكون عن طريق الإنتربول الدولي بعد تقديم طلب عبر وزارة الخارجية، وهو أمر صعب من الناحية الواقعية، والثانية هي انضمام العراق إلى اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1948 وهي تحاكم الأشخاص بمختلف الجرائم، ومنها جرائم العدوان التي تنطبق على عملية الاغتيال التي نُفذت بأمر ترمب وفقاً للمادة 6 من قانون هذه المحكمة التي تتطلب دخول العراق فيها أولاً». وأوضح التميمي أنه «مع كل هذه الإجراءات القانونية، لكن ترمب في النهاية أصبح رئيس دولة وهو يتمتع بالحصانة وفقاً اتفاقية فيينا».

أول المهنئين لترمب

وفي الوقت الذي تبدو عودة ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية مقلقة لبعض الأوساط العراقية، إلا أن العراق الرسمي كان من أول المهنئين؛ إذ هنأ الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد ترمب، وتطلع إلى أن «تعمل الإدارة الأميركية الجديدة على تعزيز الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه والحوار البنَّاء في المنطقة»، كما هنَّأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دونالد ترمب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية لولاية جديدة، معرباً عن أمله في «تعزيز العلاقات الثنائية» خلال «المرحلة الجديدة». وكتب السوداني على منصة «إكس»: «نؤكد التزام العراق الثابت بتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، ونتطلع لأن تكون هذه المرحلة الجديدة بداية لتعميق التعاون بين بلدينا في مجالات عدة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعود بالنفع على الشعبين الصديقين». كما أن رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني كانا أول المهنئين لترمب؛ نظراً للعلاقة الجيدة التي تربط الأكراد مع الجمهوريين. وكتب نيجرفان بارزاني على منصة «إكس» قائلاً: «أتقدم بأحرّ التهاني إلى الرئيس ترمب ونائب الرئيس المنتخب فانس على فوزهما في الانتخابات». وأضاف: «نتطلع إلى العمل معاً لتعزيز شراكتنا وتعميق العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان والعراق والولايات المتحدة».

أما رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، فقد عبّر من جهته إلى أهمية «تعميق الشراكة بين إقليم كردستان والولايات المتحدة، والعمل معاً لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة».

اقرأ أيضاً