زعماء «آسيان» يبحثون مع قائد الانقلاب أزمة ميانمار

قائد المجلس العسكري في ميانمار الجنرال مين أونغ هلاينغ يصل إلى مكان انعقاد قمة «آسيان» أمس (أ.ب)
قائد المجلس العسكري في ميانمار الجنرال مين أونغ هلاينغ يصل إلى مكان انعقاد قمة «آسيان» أمس (أ.ب)
TT

زعماء «آسيان» يبحثون مع قائد الانقلاب أزمة ميانمار

قائد المجلس العسكري في ميانمار الجنرال مين أونغ هلاينغ يصل إلى مكان انعقاد قمة «آسيان» أمس (أ.ب)
قائد المجلس العسكري في ميانمار الجنرال مين أونغ هلاينغ يصل إلى مكان انعقاد قمة «آسيان» أمس (أ.ب)

في أول جهد دولي منسق لتخفيف الأزمة في ميانمار بدأ زعماء دول رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) اجتماع أزمة في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أمس السبت بهدف إقناع الجنرال مين أونغ هلاينغ، الذي قاد انقلاباً عسكرياً أشعل فتيل الاضطرابات في ميانمار، إيجاد سبيل لإنهاء العنف في البلاد. وتنعقد القمة بحضور المشاركين بشخصهم رغم جائحة «كوفيد». ولن يحضر رئيس وزراء تايلاند، برايوث تشان - أوتشا ورئيس الفلبين، رودريجو دوتيرتي الاجتماع وسيتم تمثيلهما من قبل وزيري خارجية البلدين. وإلى جانب إندونيسيا وبروناي، تضم الرابطة ثماني دول أخرى هي ميانمار وسنغافورة وماليزيا وكمبوديا وفيتنام والفلبين ولاوس. وهذه أول زيارة يقوم بها مين أونغ هلاينغ للخارج منذ الانقلاب، وسيدلي بكلمة أمام القمة هو وكل من المشاركين قبل بدء مناقشات غير رسمية. وكان قرار «آسيان» لدعوة مين أونغ هلاينغ لحضور القمة قد تعرض لانتقادات من قبل مجموعات من المجتمع المدني وحكومة الوحدة الوطنية، التي تتألف من برلمانيين فازوا في الانتخابات التي جرت العام الماضي في ميانمار. وقالت خين أوهمار، وهي ناشطة مؤيدة للديمقراطية في ميانمار في نقاش عبر الإنترنت الخميس «حكومة الوحدة الوطنية هي الحكومة الشرعية، التي يحتاج زعماء (آسيان) لمصافحتها، وليس المجلس العسكري الحاكم». وأضافت، كما نقلت عنها الوكالة الألمانية: «منذ أن تم استقبال ميانمار كعضو، لطالما التزمت (آسيان) الصمت حيال كل ما يحدث، بما في ذلك الإبادة الجماعية للروهينغا عام 2017».
وقتل مئات المدنيين على يد جنود في ميانمار خلال احتجاجات شبه يومية منذ انقلاب الأول من فبراير (شباط). ودعا قادة إندونيسيا وماليزيا إلى عقد قمة للرابطة بسبب عدم استجابة المجلس العسكري لدعوات إنهاء العنف وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومن بينهم الزعيمة المخلوعة أون سان سو تشي.
وقالت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي في وقت متأخر من يوم الجمعة إن «اجتماع قادة آسيان هذا يعقد فقط من أجل مصلحة شعب ميانمار». وأضافت: «نأمل أن يسفر الاجتماع عن اتفاق أفضل لشعب ميانمار». ومن غير المعتاد أن يحضر زعيم حكومة عسكرية في ميانمار قمة «آسيان»، إذ يمثل هذا البلد في العادة ضابط برتبة أقل أو مدني.
وأظهرت لقطات بثتها القناة الرسمية للرئاسة الإندونيسية نزول رئيس المجلس العسكري من طائرة بعد وصوله على متن رحلة خاصة من نايبيداو عاصمة ميانمار. وتزامناً مع القمة خرجت عدة احتجاجات في مدن ميانمار الرئيسية لكن لم ترد حتى الآن تقارير عن وقوع أعمال عنف. وقال دبلوماسيون ومسؤولون حكوميون طلبوا عدم نشر أسمائهم إن العديد من قادة «آسيان» يريدون التزاماً من الجنرال مين أونغ هلاينغ بكبح قواته الأمنية التي يقول المراقبون إنها قتلت 745 شخصاً منذ بدء حركة عصيان مدني جماعية لتحدي انقلاب الأول من فبراير على حكومة سو تشي المنتخبة. وكتب وزير خارجية الفلبين تيدي لوكسين على «تويتر»: «هذا ما ينبغي لميانمار تجنبه: التفكك الجيوغرافي والسياسي والاجتماعي والوطني والتحول لأجزاء عرقية متحاربة...لا بد لميانمار أن تجنح للسلم مرة أخرى بنفسها».
وفي سياق متصل، أطلق جيش ميانمار طلقات تحذيرية باتجاه قارب مدني يحمل مسؤولي دوريات حدودية من تايلاند وسط تصاعد للتوتر في المناطق الحدودية منذ استيلاء المجلس العسكري على السلطة، لكن تايلاند قالت أمس السبت إن الحادث نجم عن سوء تفاهم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التايلاندية تاني سانجرات إن الطلقات التحذيرية يوم الخميس استخدمت للإشارة إلى القوارب للتفتيش بسبب الافتقار إلى طريقة تنسيق رسمية في قطاع نهر سالوين، حيث تشترك تايلاند وميانمار في الحدود. ووقع إطلاق النار قرب قرية في ماي هونغ سون، بالقرب من مكان فر إليه الآلاف من عرقية كارين من ميانمار من ضربات جوية للجيش الشهر الماضي. وقالت وزارة الدفاع التايلاندية إن جميع الوكالات التابعة للوزارة والقوات المسلحة تلقت تعليمات «بالاستعداد للتعامل مع المشكلات وتأثير الوضع العنيف والقتال في المناطق الحدودية». وقال مصدران أمنيان إنه لم يصب أحد في إطلاق النار على القارب الذي كان يرفع العلم التايلاندي. وقال أحد المصدرين لـ«رويترز»: «كانت الوحدة العسكرية في ميانمار قلقة بشأن إرسال القوارب إمدادات لخصومها على الجانب الآخر، لذا أرسلوا إشارة إلى القارب للتفتيش»، مضيفاً أن عسكريين من ميانمار فتشوا القارب.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».