هل الأرض قادرة على إعالة مزيد من البشر؟

تعديل العادات الاستهلاكية والتوازن السكاني

هل الأرض قادرة على إعالة مزيد من البشر؟
TT

هل الأرض قادرة على إعالة مزيد من البشر؟

هل الأرض قادرة على إعالة مزيد من البشر؟

بدأ الاهتمام بالصحة والنظافة العامة يزداد منذ القرن التاسع عشر، وترافق هذا مع ظهور أساليب أكثر جدوى في الإنتاج الغذائي، وتحسن في نوعية التغذية، مما أتاح للبشر العيش لأعمار أطول بصحة أفضل.
في سنة 1860، كان عدد الوفيات المبكرة بين الأطفال يتجاوز 40 في المائة عالمياً. أما اليوم، فقد انخفضت النسبة العامة إلى نحو 4 في المائة، وإلى أقل من 1 في المائة في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة. ويبلغ متوسط الأعمار حالياً في دول أوروبا الغربية نحو 80 سنة. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، قفز متوسط الأعمار من 44 سنة قبل نصف قرن إلى 60 سنة الآن.
هذا التغيُّر في معدلات الوفيات كان المؤشر على المرحلة الأولى من «التحول الديموغرافي»، وهو تغيُّر منهجي تنتقل فيه المجتمعات خلال عقود من معدلات ولادة ووفاة مرتفعة إلى معدلات أقل في الحالتين.
ولكن مع ارتفاع متوسط الأعمار، زاد عدد البشر بشكل متسارع. ففيما كان التعداد العالمي للسكان سنة 1800 نحو مليار شخص، تضاعف في نهاية عشرينيات القرن الماضي، ثم تضاعف في منتصف السبعينيات، ليقترب من 4 مليارات. وفي أيامنا هذه، يصل العدد إلى نحو 7.9 مليار إنسان.
خلال هذه السنة، سيزيد عدد المواليد عن ضعفي عدد الوفيات، وستكون الزيادة الإجمالية للبشر نحو 80 مليون إنسان، بوجود جائحة فيروس كورونا أو بتلاشيها. وتتوقع شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة أن يبلغ عدد البشر 9.8 مليار نسمة سنة 2050، و10.9 مليار سنة 2100، وفق حسابات متفائلة تعد أن معدل الخصوبة سينخفض في البلدان النامية.
إن عدداً أقل من الناس يعني كمية أدنى من الانبعاثات الكربونية، واستنزافاً أقل للموارد الطبيعية، وتهديداً أخف للتنوع البيولوجي. وفعلياً، عند تقييم البصمة البيئية، يجري النظر في 3 أمور، هي: حجم الاستهلاك، وكفاءة التقنية المستخدمة في تحويل الموارد الطبيعية إلى منتجات، وأعداد المستهلكين. ولكن بسبب الدافع الأخلاقي، غالباً ما يتم التغاضي عن أعداد المستهلكين عند البحث عن حلول.
وكان البريطاني توماس مالتوس أول من تحدث صراحة عن قدرة الأرض على إعالة البشر وتوفير احتياجاتهم. وحسب تقديرات أعلنها سنة 1798، لن تكون الأرض قادرة على تأمين مستلزمات الحياة للأعداد المتزايدة من الناس، وستأتي فترة تكون فيها كمية الطعام المنتج أقل بكثير من حاجة العالم، مما يتسبب بمجاعات ضخمة تهدد بقاء الجنس البشري. ولكن التطورات التكنولوجية في إنتاج الغذاء التي حصلت خلال القرنين الماضيين أظهرت حتى الآن قدرة سكان الكوكب على تجاوز توقعات مالتوس المتشائمة.
فبفضل المكننة الزراعية وانتشار «الثورة الخضراء» منذ نهاية الستينيات، زاد إنتاج الغذاء، وتناقصت أعداد الجوعى. وبدأت المرحلة الثانية من التحول الديموغرافي في الاتساع أكثر، حيث أخذت معدلات الإنجاب تتناقص في جميع أنحاء العالم. وتقف وراء هذه العملية دوافع معقدة، تتعلق بزيادة التمدن والتعليم والتقدم المادي.
ويؤدي ارتفاع مستويات التعليم إلى زيادة عدد الأشخاص الذين ينجبون عدداً أقل من الأطفال، وفي سن متأخرة. ومن الملاحظ أن المرأة التي تتمتع بصحة أفضل وتعليم أعلى تحظى بفرص عمل تزيد من صعوبة الإنجاب ورعاية الأطفال. ويبدو العالم أقل قلقاً حول ما يوصف بأنه «قنبلة سكانية»، مع تراجع معدلات الزيادة السكانية من 2 في المائة سنوياً في أواخر الستينيات إلى نحو 1 في المائة حالياً.
وفي كثير من دول أوروبا وأميركا الجنوبية، تقارب معدلات الإنجاب «معدل الإحلال»، البالغ 2.1 طفل لكل امرأة، وهو المستوى الذي يضمن ثبات عدد السكان مع الوقت. وفي بعض أجزاء العالم، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا، وبعض الدول في جنوب وشرق أوروبا، تكون معدلات الإنجاب أقل من ذلك، وعدد السكان آخذ في التناقص. وحتى في المناطق المتبقية، مثل جنوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، تشهد معدلات الإنجاب تراجعاً مستمراً.
وعلى الرغم من أن تدني معدلات الإنجاب جيد من وجهة النظر البيئية، فإن نماذج النمو الاقتصادي القائمة على عدد أكبر من الناس الذين يخلقون طلباً على السلع والخدمات ستتضرر من هذا الأمر. ومن المؤكد أن الاقتصادات النامية تجني ثمار سكانها الأكثر شباباً، حيث تشهد القوى العاملة فيها ازدهاراً، كما جرى سابقاً في الاقتصادات المتقدمة.
ومع وجود عدد أقل من الناس، تنشأ مصاعب جديدة في تأمين النمو الاقتصادي والتمويل المستقر والتعاضد الاجتماعي. وتؤدي «شيخوخة المجتمع» وتناقص أعداد العاملين إلى زيادة الضرائب وتراجع مستوى الرعاية الاجتماعية. وتعد التحديات المرتبطة بالشيخوخة عاملاً كبيراً في نجاح الحركات القومية في أجزاء كثيرة من العالم، حيث من الثابت أن الخطاب الذي يربط بين النمو السكاني ومصير الأمة آخذ في الارتفاع في بلدان مثل المجر وإيطاليا وبولندا وإيران وتركيا وغيرها.
إن الحديث عن السكان في المقام الأول ناتج عن القلق بشأن تأثير البشرية على الكوكب، وعلينا أن ننظر من أين يأتي هذا التأثير. في حالة تغيُّر المناخ، من الواضح أن النمو السكاني كان عاملاً مهماً في زيادة انبعاثات الكربون، ولكن العامل الأهم هو سلوك الأفراد والمجتمعات.
ويشير تقرير لمنظمة «أوكسفام»، صدر في نهاية سنة 2015 تحت عنوان «التفاوت الشديد في الكربون»، إلى أن 10 في المائة، هم الأغنى في العالم، مسؤولون عن نصف انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. وفي المقابل، تقتصر مساهمة 3.5 مليارات شخص، من بين الأفقر عالمياً، على 10 في المائة فقط من مجمل الانبعاثات.
وتُظهر آخر معطيات البصمة البيئية أن الحفاظ على نمط حياة المواطن الأميركي استلزم 8.1 هكتار من مساحة الأرض سنة 2016، بينما احتاج الأستراليون والكنديون إلى 6.6 و7.7 هكتار على التوالي، والبريطانيون 4.4 هكتار، والألمان 4.8 هكتار، واليابانيون 4.5 هكتار. وفي المقابل، نجد أن بلداناً تتصدر العالم في معدل نمو السكان، مثل الهند ومعظم أفريقيا، لم تتجاوز بصمتها البيئية 1.2 هكتار. ويشير هذا إلى أن التركيز على الناس في الاقتصادات المتقدمة يجب أن يُعيد التفكير في نماذجها الاقتصادية التي يغذيها الاستهلاك، بينما يساعد الناس في الأماكن الأخرى على النمو بشكل أكثر استدامة. فالعالم، كما يقول المهاتما غاندي، لديه ما يكفي لاحتياجات الجميع، ولكن ليس ما يكفي لجشع بعضهم.


مقالات ذات صلة

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».